توضيح اخلاق مفقودة في زماننا

فوزي الاحمدي

:: مراقب سابق ::
إنضم
16 نوفمبر 2012
المشاركات
2,116
مستوى التفاعل
5,562
النقاط
0
الإقامة
الجزائر
كثير من الناس لا يفطن إلى مسألة التلازم بين أداء العبادات وحسن الأخلاق وتطبيقها كواقع حياة ، فتجد الشخص يحافظ على الصلوات وعلى صيام الفرائض والنوافل ويخرج زكاة ماله .. ولكن إذا نظرنا إلى أخلاق ذلك الفرد تجدها تبعد كل البعد عن مقتضيات الأخلاق التي وضعها الإسلام ضمن شريعته ، فلا تمثل تلك العبادات وتلك النوافل التي يقوم بها .. وهذا بلا شك لا يتماشى مع تكامل وترابط الإسلام شريعة وأخلاقاً .. وإن الأقوال والأفعال هي عبارة عن ترجمة لهذه الأخلاق ، فالإنسان صاحب الخلق إنما يتصرف في إطار هذه الأخلاق التي يحملها والتي تعلمها وتربى عليها ، فإذا تعامل مع الناس في بيع وشراء ومعاملات أخرى كالزواج إنما يتعامل في إطار الأخلاق التي تعلمها ، فهي تربطه به ارتباطا كلياً وضمنياً، فإذا نظرنا إلى خلق مثل خلق العفو كيف كان سبباً في دخول كم هائل في دين الإسلام ، وكيف كان سبباً في إزالة الأضغان والأحقاد ، كيف أن خلقا مثل خلق الكرم كان سبباً في محبة الناس وتآلفهم فيما بينهم ، يقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - : " تهادوا تحابوا " ، وكيف أن خلقا مثل خلق العفو يجعل الناس يدخلون في دين الله - سبحانه وتعالى - وكيف أن خلقا مثل خلق الصدق يجعل الناس يثقون في المسلمين ، فالأخلاق كثيرة جداً وكيف كان كل خلق له دور في تقويم خلق الإنسان وفي محبة الناس فيهم . إن الرسالة الاسلاميّة تزودنا بنظرة عامة إلى الحياة بجميع أبعادها، ومن خلال هذه النظرة العامة بامكان المشروع الفقهيّ ان يستوحي النظام الأمثل للمجتمع.
ومن الملاحظ ان الذي يتأمّل القرآن الكريم يرى انّ الاحكام الشرعية التي تتناول العبادات بشكل مباشر ـ كالصلاة والصيام والحجّ... ـ لا تشغل حيّزاً كبيراً منه خصوصاً اذا ما قارنّاها مع بيان القرآن للحقائق الكونية، والعبر الالهيّة، والبصائر الربانية، وسبب ذلك ان القرآن هو تزكية وتعليم للانسان قبل أن يكون تشريعاًَ له، وقبل أن يكون قانوناً اجتماعياًَ لتنظيم العلاقة بين ابناء آدم، فهو بصيرة للانسان بما ينبغي أن يعرف من سنن الله في خليقته.
فاذا ما نظرنا إلى الآيات الكريمة وبالتحديد الآيات التي تحدثنا عن الصلاة أو عن سائر العبادات أو المعاملات نجدها تتّخذ صيغة التعليم والتزكية؛ فالصلاة والصيام بل وحتى مسائل تنظيم العلاقات الاجتماعية تأتي بمثابة أمثلة الهدف منها رفع مستوى الانسان وتوعيته بما ينبغي ان يكون عليه من رفعة وسمّو في سماء الفضيلة، وبتعبير آخر فان الهدف الاسمى من القرآن الكريم هو تكامل الانسان باتجاه السمو نحو الدرجات العلى، حيث يستطيع أن يعرف الحقائق بنفسه، وأن يطبّقها على نفسه بصورة طبيعية.


نبدا بخلق العفو "

العفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل.

والعَفُوْ من صيغ المبالغة، والعَفُوْ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وهي صفة من صفات الله تعالى وسمة من سمات منهجه سبحانه. فهو عز وجل يصف نفسه بكونه {عفوا غفورا} {ويعفو عن كثير} {ويعفو عن السيئات}.
ومن عفوه الخاص في رمضان ما جاء في قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}.
وفي رمضان أيضا سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (حديث صحيح )
ولقد وردت أدلة كثيرة عن العفو في الكتاب والسنة النبوية في العديد من المواضع نذكر جزءاً منها :
ولا يخفى علينا أن الآيات الداعية إلى العفو وعدم رد الإساءة بمثلها هي في الوقت نفسه تدعو إلى اللاعنف، فليس العفو إلا ضربا من ضروب اللاعنف .
قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (سورة البقرة: 237).
وقال سبحانه: (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِن اللهَ كَانَ عَفُواً قَدِيراً) (سورة النساء: 149).
وقال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر) (سورة آل عمران: 159).
وقال سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِن اللهَ يُحِب الُْمحْسِنِينَ) (سورة المائدة: 13).
وقال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (سورة البقرة: 109).
وقال سبحانه: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة البقرة: 178).
وهناك العديد من الاحاديث الواردة في السنة الشريفة نكتفي بذكر طائفة منها
فضل العفو
قال تعالى:
{وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى:
{وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُؤوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء). [أبو داود والترمذي وابن ماجه].


وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى:
{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].

قصص و مواقف عن العفو
* طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى:
{والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم:
{والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم:
{والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- *وحكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم:
{لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.



------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- *كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف،


وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟). فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
*وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة،، الذين ناصبوه العداء عشرين عاما، أخرجوه من دياره نكلوا بأصحابه حاربوه تفننوا في إيذائه ثم انتصر عليهم هم في قبضته هم تحت رحمته بإشارة تقطع رؤوسهم جميعا ينتهي وجودهم، فقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم.. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. عندها قال أبو سفيان: ما أعقلك، وما أحلمك وما أوصلك.
أحد كتاب السيرة الغربيين الذين هداهم الله إلى الإسلام يقول عن سيد الأنام : (كان محمد ملكا وسياسيا ومحاربا وقائدا ومشرعا وقاضيا وفاتحا ومهاجرا، مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس ولم تجد في القرآن حكما أو أمرا لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعوا إليه بالقول.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
حاطب ابن بلتعة..أرسل كتابا إلى قريش إن محمدا سيغزوكم فخذوا حذركم ، كيف تقيم هذا الكتاب في أي نظام في العالم خيانة عظمي يستحق القتل جاءه الوحي وأبلغه ذلك، أرسل من يأتي بالمرأة التي معها الكتاب في منتصف الطريق ثم استدعى حاطب، قال: يا حاطب ما هذا؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت قبل أن يقول حاطب قال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.. قال: لا يا عمر، إنه شهد بدرا، انظروا إلى الوفاء إنه شهد بدرا، لا يا عمر.. يا حاطب ما هذا؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت وإني لصيق في قريش وإني موقن أن الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن تكون لي يد عندهم أحمي بها أهلي ومالي، فقال عليه
الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيرا، هذه النبوة.
------------------------------------------------------------------------------

 
أعلى