سلسلة : قصص رواها الرسول صلى الله عليه و سلم

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
1010.png



zd11.gif



السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ،أما بعد نقدم لكم في هذا الموضوع بعض القصص التي رواها النبي صلى الله عليه و سلم ، لتكون لنا مرجعا حقيقيا نستفيد منها و نستشف منها العبر .

القصص مسموعة و قد تمت كتابتها لتعم بها الفائدة

zd11.gif




 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
1- الرجل الدي اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العداب


zd11.gif




الرجل الذي اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العداب


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا وشفعينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الكرام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .





هذه مجموعة من القصص النبوية نقف عندها ، نسرد وقائعها، ونتفيؤ ظلالها، ونستلهم عبرها، ونستخلص دروسها ومكنون فوائدها ..


قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ليست نسج خيال ، وإنما حدَّث بها من قال عنه ربه :} وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى{ .


إنّ القصص ذكرها في القرآن ربنا ، وسلّى بها رسولنا ، صلى الله عليه وسلم .. وما ذاك إلا لعظيم أثرها في تقويم السلوك ، فتأثر الإنسان بالقدوة كبير، وهانا تكمن أهميتها . ولذا لما أراد الله منّا أن نسلك الصراط المستقيم أبان لنا أنّ جمعاً كريماً من الذين رضي عنهم سلكه، وسار عليه، ليسهل علينا ، ففي الفاتحة :} اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم{ . وحتى تسهل علينا عبادة الصيام قال :} كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم{ . وفي القصص الذي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة لمكارم الأخلاق ونبيل الصفات، فغذا علم الإنسان أنّ غيره ممن سبقه طرق باب هذه الفضائل أمكن أن يتحلى بها ، وكان العزم على ذلك آكد.


ومعنى القصة معروف ، ولذا قال في اللسان القصة معروفة. والمراد هنا : أحداث ووقائع رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الأحداث التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم فهذه تُعلم بدراسة السيرة، وليس هذا بمراد هنا ..


ولئلا يتفلت الوقت من بين أيدينا أدلف إلى المراد فأقول ..


أقف اليوم مع أول قصة من هذه القصص..


حدَّث أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً . ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا ، مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوهُ ، فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» . قَالَ قَتَادَةُ : فَقَالَ الْحَسَنُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ .


هذه قصة جليلة القدر امتلأت بالفوائد والعبر ..


لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً ثم حدثته نفسه بالتوبة، وهذا يدل على أنّ الإنسان مهما كان بعيداً عن الصراط المستقيم فإنّ الله إذا أراد أن يرده رده.. فلا يليق بك أيها المسلم أنْ تظن أنّ فلاناً بعيد عن رحمة الله .. واحذر أن تُنصب نفسك حكماً على عباد الله .


ومن عجيب ما يذكر أنّ أبا سلمة لما أراد الهجرة قابله عمر رضي الله عنه ، وكان على الإشراك، فألان له عمر في الكلام، فقال له أحدهم: أتظن أن عمر يسلم ؟ قال : والله لو أسلم حمار الخطاب لما أسلم ابن الخطاب.. فأسلم عمر بن الخطاب وصار من سادات سادات الأولياء والصالحين .


لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً .. عجيب هذا المخلوق الذي يسمى (بالإنسان) لربما قدَّم من الخير ما يُرضي عنه ربَّه.. ولربما عجِب الله من صنيعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري لما أطفأ السراج وتظاهر وزوجه بالأكل ولم يأكلا؛ ليشبع ضيفهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :«لقد عجب ربكما من صنيعكما بضيفكما البارحة» . ولربما ركب ثبج المعاصي وفعل أفعالاً لا يمكن تصورها بيسر من الشر والفساد والإفساد والانحلال . ولذا اجعل من في دعائك قول نبيك :«أعوذ بالله من شر نفسي» .


دُلَّ هذا الرجل على راهب فسأله .. فأفتى الراهب بغير علم فكان نصيبه منه القتل.. وهذا من شؤم القول على الله بغير علم .. والواجب على الإنسان أن لا يفتي إلا بعلم، وإذا سئل ولم يكن بالجواب عالماً فلا عيب أن يقول : الله أعلم، أو يرشد إلى غيره، أو يطلب وقتاً يبحث فيه المسألة، والإمام مالك رحمه الله ورضي عنه كان كثيراً ما يقول الله أعلم.. فما هو العيب في ذلك؟ العيب أن يتكلم الإنسان بدون علم فيقتحمَ بذلك نار جهنم والعياذ بالله . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحياناً فلا يرجع بجواب حتى ينزل القرآن عليه . إنّ أحداث هذه القصة شاهدة بخطورة الفتوى بدون علم، فالمفتي بدون علم قد يخرب بيتاً، ويدمر أسرةً، ويعين على باطل، ويحمل على كفر .. قد تضمنت أحداث هذه القصة صورتين للفتيا بدون علم .. الأولى لما سأل عن أهل الأرض فدُلّ على راهب ، والثانية : لما أفتى الراهب بعدم قبول التوبة .


إنّ من الخطأ الذي ارتكبه من دلّ هذا الرجل على الراهب أنهم لم يفرقوا بين العالم والعابد .. وهذا خطأ يتلبس به كثير من الناس في هذا الزمان، إذا رأى الواحدُ منهم رجلاً صالحاً يواظب على صلاة الجماعة، ويكثر من ذكر الله، وتبدو عليه أمارات الصلاح ظنه عالماً فسأله عن عباداته ومعاملاته .. ينبغي أن نفرق أيها الأحبة .. أنْ نفرق بين العابد والعالم، بين الخطيب والمفتي ، فليس كل عابد عالماً ، وليس كل خطيب يصلح لأن يتكلم في الفتيا وقضايا الأمة .


إنّ هذه القصة التي حدث بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم لتبينُ البون الشاسع والفرق الكبير بين العالم والعابد.. أوما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» .


لكن لو نظرنا نظرةً إيجابية لرد الراهب : ليس لك توبة . فهذا يدل على مسألة مهمة . وهي أنّ الإنسان كلما أكثر من عبادة الله ازداد تعظيماً لله .. فهذا الراهب ما قال ذلك إلا لتعظيمه لله ، وكثرةُ عبادته هي التي زادت من تعظيمه لربه . كون الراهب قال : لا توبة لك، هذا خطأ. لكن تأمل في سبب هذا الخطأ.. سببه شدة تعظيمه لله، وإنما أورثه ذلك كثرة عبادته. مع تأكيدنا على خطئه .


ولذلك أيها الإخوة قد نجد كثيراً من الشباب تصعب عليهم التوبة من بعض الذنوب .. كأن يكون الواحد منهم على علاقة عاطفية آثمة بالفتيات ، فتجده منزعجاً لهذه المعصية ولكنه لا يقدر على مفارقة سبيلها .. أتدري ما هي النصيحة التي ينبغي أن تقدم لمثل هؤلاء الشباب ؟ إنهم على خير عظيم.. ولولا ذلك لما لامتهم أنفسهم وأنبهم ضميرهم.. فهذا يدل على خير عظيم بنفوسهم .. ولكن النصيحة التي ينبغي أن توجه إليهم أن يجتهدوا في الطاعة، كلما أوغلوا في طريقها سهل عليهم أن يتخلصوا من هذه الآثام .


إنّ هذا الرجل أراد الله به خيراً .. انظروا كيف أنه ما زال يحدث نفسه بالتوبة حتى بعدما قتل الراهب وأكمل به المائة .. سبحان الله، إن هذا مما يؤكد قول الله تعالى :} وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ{ [يونس :107] .


وفي وقوله صلى الله عليه وسلم :«فدل على راهب» قد يُستفاد منه –كما أشار ابن حجر رحمه الله – أنّ هذه القصة وقعت بعد رفع عيسى عليه السلام، فالرهبانية إنما ابتدعها أصحابه ، كما في سورة الحديد : } وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا{ .


وأشار ابن حجر أيضاً إلى قلة فطنة الراهب، لأنه علم أنّ القتل عند ذاك الرجل كشرب الماء، فكان عليه أن يحتاط لنفسه؛ لئلا يصاب بسوء .. ولكني أعود لأقول ثانية: وهو كذلك، ولكنها كما دلت على ذلك دلت أيضاً على أنّ كثرة العبادة تورث شجاعة بحيث لا يخشى الإنسان إلا من الله تعالى.


إنّ العلماء هم أرحم الناس بالخلق ، وأفضل العلماء من عرّف الناس بربهم، تأمل هذه العبارة التي نطق العالم بها يحفها النور وتكتنفها الرحمة من كل أنحائها ومن يحول بينك وبين التوبة) .


فلان له توبة أو ليس له توبة هذا لا يحدده شخص ، تُقبل منه أو لا تقبل .. هذا أمره لله تعالى ..


ماذا بقي في القصة من الفوائد؟ بقي كل شيء، وأعظم شيء ..


بقي أن نشير إلى عظيم رحمة ربنا بنا ..


لقد فتح الله باب التوبة للكافرين فقال: }قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ{ . فتحه لفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، قال الله لموسى وأخيه عليهما السلام :} فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{. فتحه لمن قال اتخذ الله ولداً، مع أنه حدثنا عن خطورة هذه الكلمة بقوله :} وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا { . مع كل ذلك دعاهم إلى التوبة فقال : } لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ . فتحها لمعذبي أوليائه الذين خددوا الأخاديد وأضرموا النار فيها وقذفوا إليها بعباد الله الموحدين فقال :} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{ . دعا إليها المنافقين بقوله : }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا{ . ندب إليه كل مسرف بعيد عنه فقال :} قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا{ .


المستمع الكريم: سوف لن تتمكن من الاستمرار على طريق التوبة إلا بعد أن تتخلص من كل شيء يذكرك بالذنب الذي عزمت على التوبة منه.. ولذا أرشد العالم ذاك الرجل إلى أن يبرح الأرض التي كان بها إلى أرض أخرى، وهذا يدل على تأثير البيئة في أهلها. ويدل على أهمية مجاورة الصالحين ، وعلى عظيم رحمة ذاك العالم الذي لم يكتف فقط بالإرشاد إلى أنّ باب التوبة مفتوح .. ولكن أرشد إلى ما من شأنه أن يعين عليها .


ولذا نجد بعض شبابنا يفارق الذنب ثم يعود إليه لأنه لم يتخلص من كل ما يتعلق به.. فالشاب الذي يريد بحق أن يقطع علاقته الآثمة مع فلانة هذه ينبغي أن يتخلص من صورها .. من كل مادة صوتية لها .. من كل رسائلها في جواله وفي بريده الإلكتروني .. أن ينأى بنفسه عنها . فإذا فعل ذلك سهلت التوبة عليه .


إنّ مما يعين على الاستمرار على طريق التوبة أن تفارق أصدقاء السوء .. وأن تتخذ لنفسك بطانة خير يذكرونك بالله إذا نسيت، ويعينونك على طاعته إذا ذكرت .


أسأل الله أن يتوب علينا، وأن يغفر ذنبنا ، وييسر أمرنا، ويتقبل صيامنا وقيامنا .


وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبيِّ الرحمة وعلى آله وصحبه أجمعين .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

zd11.gif
 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
2- قصة المراة المومس التي غفر الله لها بعد ان اسقت كلبا كاد يقتله العطش بخفها

zd11.gif




2- قصة المراة المومس التي غفر الله لها بعد ان اسقت كلبا كاد يقتله العطش بخفها


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا وشفعينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


والله أسأل أن يعيننا على الصيام والقيام تلاوة القرآن .. وأن يتقبل من الجميع طاعتهم.


هذه هي الحلقة الثانية من برنامجكم (قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ..


الموعد اليوم مع قصة خرّجها البخاري ومسلمٌ في صحيحهما ..


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،



عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ ، يَلْهَثُ ، وفي رواية (قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ) ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا ، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا ، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ ، فسقته ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ» .




أولاً : أقف مع شرح المفردات والغريب :


قال صلى الله عليه وسلم :« غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ» : يعني زانية .


«على رأس ركي» : بئر .


يلهث : تفسرها الرواية الأخرى : (قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ).


هذه القصة اشتملت على كثير من الفوائد والدروس :


هذه المرأة كانت من البغايا، من الفاجرات، ولكن لما رأت ذاك الكلب امتلأ قلبها بالرحمة ورقت لحاله .. ألا يدل ذلك أيها المستمع الكريم على أن الإنسان مهما ابتعد عن الله فإن الواجب أن لا نيأس منه. وقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في القصة السابقة، قصةِ قاتل المائة .


نجد أيضاً أنّ هذه المرأة لما رحمت الكلب رحمها الله .. ففيها معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :« الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» . وقال أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ : إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا . فلما ذهب إليها َرُفِعَ إليه الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ سَعْد بن عبادة : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ .


والعكس بالعكس، فالجزاء من جنس العمل، من علت القسوة قلبه، وفارقت الرحمة فؤاده فهذا لا يرحمه الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بحضرة رجل الحسن رضي الله عنه ، فقال له الرجل : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ :«مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» .


من الفوائد أنه ينبغي عليك أن لا تحقرن من المعروف شيئاً ، وقد ندبنا نبينا صلى الله عليه وسلم غلى ذلك ، لأن الإنسان لا يدري أيُّ عمله سينفعه . أكثر من الخير ما استطعت غلى ذلك سيبلاً، ولا تحقرن من المعروف شيئاً . فهذه بغي غُفر لها بسقيا كلب .


تعلمنا هذه القصة أنّ في كل كبد رطبة أجر .. وقد حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصة مشابهة ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا ، فَنَزَلَ فِيهَا ، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ . فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ . فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي . فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ». قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ :«فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » .


فأين الذين يشوشون على الناس ويشغبون عليهم بدعوى أنّ الإسلام انتهك حقوق الإنسان .. أين هم من مثل هذه النصوص التي دعت إلى القيام بحق الحيوان .. فضلاً عن حق الإنسان . واسمع هذه الحادثة التي أخبر بها ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً – طائر كالعصفور - مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ . فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا».



وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ :«مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ»؟ قُلْنَا :نَحْنُ. قَالَ :«إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ». فأي رحمة هذه التي رسم الإسلام معالمها ودعا إليها . لقد نَهَى صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ . لقد بيّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنّ النار اقتحمتها امرأة في هرة، قَالَ صلى الله عليه وسلم :«دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا» .


الإخوة والأخوات : إن الممارسات الخاطئة التي ترتكب باسم الإسلام من أُناس يزعمون أنهم دعاة إليه لا ينبغي أن تُحسب من الإسلام ، ينبغي أن يفهم الناس ذلك .. الواجب علينا إيصال مثل هذه النصوص التي تجلي لنا عظمة دين الإسلام لكل من وقف في جانبِ عداوة له ولأهله .


وإذا كانت هذه القصة تدل على أنّ الإنسان مأجور بإطعام الحيوان فما ظنك بإطعام الإنسان .. لا شك أن هذا من أعظم القربات ، قال تعالى :} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا{ . وقال نبينا صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا » . فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :« لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام» . ولما سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قال :« تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» . وقال :« خياركم من أطعم الطعام » ، وقال له آخر : دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال له :« أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمْ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ» . وسقيا الماء إطعام للطعام لقول الله تعالى :} فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي{ .


فينبغي أن نجد في هذه الفضيلة .. فضيلةِ إطعام الطعام ، لا سيما في هذا الشهر المبارك ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم :« من فطّر صائما فله مثل أجره » .


فغذا جمعت أيها المستمع الكريم بين الصوم وإطعام الطعام في يوم فاحرص على عملين آخرين ..


ما هما ؟ تشيع جنازة، وعيادة مريض . لماذا؟ لأن هذه الأربعة إذا اجتمعت في شخص في يوم دخل الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه : « من أصبح منكم اليوم صائماً» ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه أنا . فقال :« من أطعم منكم اليوم مسكينا» ؟ فقال أبو بكر : أنا . قال من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا . فقال من عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر : أنا . – لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل في يوم إلا دخل الجنة» [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه] .


فرضي الله عن أبي بكر ، فقد كانت هذه الأسئلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر .. فماذا كان عمله في سائر يومه؟ وما حاله في باقي عمره ؟



من فوائد هذه القصة أنّ الإنسان قريب من الجنة، وقريب من النار كذلك ، جنة الله قد يدخلها المرء بكلمة واحدة ، والنار كذلك .. قال صلى الله عليه وسلم :« الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ» . ولقد قال ابن حجر رحمه الله كلمةً في شرح هذا الحديث تُكتب بماء الذهب ، قال :" فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْحَسَنَةَ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللَّهُ بِهَا ، وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ بِهَا".


إنّ أحداث هذه القصة لتفصح عن عظيم رحمة ربنا بنا ، يسهل لنا طريق الخير ، ويرضى بذلك عنّا ، فما أكرمه من رب، وما أرحمه من إله . هو الذي قدَّر لهذه المرأة أن تشرب من هذا البئر ، وأن تجد فيه الكلب ، وأن تفعل هذا الفعل الذي كان سبباً في نيلها مغفرة ربها سبحانه .


المستمعون الأكارم :


إنّ رحمة الله قريب من عباده .. إنّ ربنا لغفور شكور .. المستمع الكريم .. إننا في شهر كريم .. شهر التوبة والمغفرة .. وقد دعا جبريل عليه السلام على من أدرك رمضان ولم يُغفر له وأمّن نبينا صلى الله عليه وسلم على دعائه . فقال:«رغم أنف امرء أدرك رمضان فلم يغفر له فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين» ومثل هذا الدعاء لا يمكن أن يخيب. ونحن نعلم أنّ ربنا يفرح بتوبة عباده .. فآمُل منك أيها الحبيب في الله أن تعاهد نفسك الآن وأنت في هذه الساعة المباركة أن تعاهد نفسك بالتوبة ، وأن تفتح مع الله صفحة جديدة في هذا الشهر مع ربك سبحانه .. كم ستر علينا من عيب.. ذنوبنا إليه صاعدة وفضله علينا نازل.. فبالله عليك أخي وأختي بادروا الآن بقطع هذا العهد مع النفس .. ولنبدأ حياةً جديدةً أساسها طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . اكتب قائمة بجميع ذنوبك، وقيد أسبابها. وضع لنفسك برنامجاً عملياً للتخلص منها ، وإن كنت صادقاً فإن الله سيصدقك؛ هذا هو السبيل الذي سيثبتك الله به في طريق التوبة أن تكون صادقاً مع الله ، ثبت في سنن النسائي أنّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ ، وَاتَّبَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ . فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ -وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ - فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . فَأَخَذَهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : قَسَمْتُهُ لَكَ . قَالَ : مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ ، فَأَمُوتَ ، فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ . فَقَالَ :«إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ». فَلَبِثُوا قَلِيلًا ، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَهُوَ هُوَ»؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ :«صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ» .


جعلنا الله من خير عباده التائبين الصادقين ..


أكتفي بهذا ، وأصلي واسلم على خير خلق الله ، محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

أستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
3- قصة الرجل الدي كان يداين الناس ويوصي فتيانه ان يتجاوزوا عن المعسرين

zd11.gif




قصة الرجل الذي كان يداين الناس ويوصي فتيانه ان يتجاوزوا عن المعسرين



بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا وعظيمنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..





المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذه هي الحلقة الثالثة من برنامج (قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .. وأقول من برنامج قصصٌ هكذا بالرفع على الحكاية.


قصة اليوم أخرجها الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ،



عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ : تَجَاوَزُوا عَنْهُ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» .


هذه رواية الصحيحين . رواية النسائي رحمه الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : نحن أحقُّ بذلك، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ».


لقد جمع هذا الرجل بين عملين فاضلين كريمين يدلان على نبله وكرمه ، ومعهما نقف، وعليهما تقوم الحلقة هذه إن شاء الله ..


أما العمل الأول : العفو والتجاوز . فما هو المراد بالتجاوز هنا ؟ يجيبك ابن حجر العلامة الحبر البحر ، قال رحمه الله :" يَدْخُل فِي لَفْظ التَّجَاوُز : الْإِنْظَار ، وَالْوَضِيعَة ، وَحُسْنُ التَّقَاضِي ".


ذكر ثلاثة أمور :


الإنظار : بأن يحل الأجل والمدين ليس له شيء فتنظره . وقد قال تعالى :} ومن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة{ .


الثاني : الوضيعة وهي على قسمين : أن تضع عنه الدين كله . أو أن تضع جزءً منه .


الثالث : حسن التقاضي . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :«رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وإذا قضى ، وَإِذَا اقْتَضَى» . إذا قضى وأعطى الدين أحسن ولم يماطل، فإذا وفّى وفى بيسر وسهولة . وإذا اقتضى : أي : إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ لَا بِالْخَرْقِ وَالْعُنْفِ .


ومما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في فضل السماحة في الاقتضاء :« مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» [أخرجه مسلم] . أنظر : أمهل . وضع عنه : حطّ الدينَ كلَّه أو بعضه . من فعل ذلك كان تحت ظل الله في يوم تدنو فيه الشمس من الخلائق مقدار ميل .


وقال صلى الله عليه وسلم :« من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله تحت عرشه فَلْيَنْظُرْ مُعْسِرًا» .


وفي المسند للإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» . قال بريدة : ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»؟ فقَالَ لَهُ :«بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .


العمل الثاني الذي فاز به هذا الرجل أنّه وقف بجانب المحتاجين ، والتفريج عنهم ، وهذا عمل ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث .


فما أحوجَنا للتعرف على مثل هذه النصوص، ولأجلها اخترت الكلام عن هذه القصة .. وهذه بعض النصوص التي تؤكد على هذا الواجب :


لقد ضرب لنا –نحن المسلمين – رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً .. ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [متفق عليه]. وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :«المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ. فأين نحن من هذه الدرجة التي أراد نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقف عليها؟ أين نحن من هذا الطريق الذي رسمه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ؟


ومما ذكروه عن الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله أنّ أمّه وجدته يوماً مهموماً مغموماً فقالت له : هل أصيب مسلمٌ بسوء ؟ فرحمه الله رحمة واسعة .


لا يخفى عليك أيها المستمع الكريم أنّ يوم القيامة يوم عصيب، يوم اكتظ بالأهوال والصعاب ، يكفي نعت ربنا له بقوله :} فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا{ ، وبقوله :} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{ . أندري ما هو السبيل للأمن من هذه الأهوال وللخلاص مما يكون فيه من كرب وشدة .. ويبين لنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله في الصحيحين :«وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .


كثير من الناس يفرح في هذه الدنيا لأنه يعرف الوزير فلان.. أو لأنّ له خطاً ساخناً مع الوالي فلان.. إذا أراد أن يعين ابنه أو أخته أو بنت ابن عمه ما عليه إلا أن يحمل خطاباً من ذاك المسؤول فيُلبى طلبه وتُحقق رغبته .. لكن ماذا لو حظيت بنيل عون الله .. إذا فرح العبيد بعون العبيد ألا تفرح بعون العزيز المجيد ؟ .. كيف السبيل لذلك.. يجيب نبيك صلى الله عليه وسلم :« وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» [مسلم]. فكن في عون أخوانك في مصائبهم يكن الله لك في أمورك كلها . وعند الطبراني :«لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه» .


يا من أنعم الله عليه بالصحة والعافية والزوجة والأولاد والمسكن .. إني سآئلك سؤالاً : هل تحب أن يُبقيَ الله هذه النعم.. هل تحب أن تُمتَّع بها عمرك .. الإجابة بلا ريب : نعم . أتدري كيف يكون ذلك .. اسمع هذا الحديث .. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن لله عند أقوام نعماً ، أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ، ما لم يملوهم ، فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم» [أخرجه الطبراني]، وفي رواية له : «إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد ، يقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم».


إنّ السعي لقضاء حوائج المسلمين والوقوف معهم أفضل من الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .. لست من قضى بذلك، وإنما قضى به من لا ينطق عن الهوى إذ قال : «ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام» [ابن أبي الدنيا] .


ومما يُستفاد من هذه القصة النبوية :


مشروعية الدَّين ، وقد استدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه . وقد استدان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ففي سنن ابن ماجةَ أنّ أعرابياً جاء إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ : أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي . فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ ، وَقَالُوا : وَيْحَكَ ، تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ ؟ قَالَ : إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :«هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ» . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا :«إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ» . فَقَالَتْ : نَعَمْ ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَأَقْرَضَتْهُ ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ ، فَقَالَ : أَوْفَيْتَ ، أَوْفَى اللَّهُ لَكَ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :«أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ ، إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» . الأمة التي يأخذ الضعيف حقه فيها بعناء ومشقة دعا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بالأمة والدولة التي تضيع فيها الحقوق . والله المستعان.


من فوائد القصة أنك كما تدين تدان .. ومن زرع العنب جنى مثله، وليس بالشوك يُجنى العنب .. تجاوز ليتجاوز الله عنك .. اعف يعف الله عنك . إنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أقسم أنه لن ينفق على مسطح ابن خالته ؛ لأنه ممن تكلم في الإفك ماذا قال الله له ؟ قال :} وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ .


والتجاوز التسامح في التقاضي وقبول ما فيه نقص يسير (لعل الله) أي عسى الله (أن يتجاوز عنا) قال الطيبي : أراد القائل نفسه لكن جمع الضمير إرادة أن يتجاوز عمن فعل هذا الفعل ليدخل فيه دخولا أوليا ولهذا ندب للداعي أن يعم في الدعاء (فلقي الله) أي رحمته في القبر أو القيامة (فتجاوز عنه) أي غفر له ذنوبه ولم يؤاخذه بها لحسن ظنه ورجائه أنه يعفو عنه مع إفلاسه من الطاعات وأفاد بفضل إنظار المعسر والوضع عنه ولو لما قل وأنه مكفر وفضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار فعل الخير وإن قل فلعلها تكون سببا للرحمة والمغفرة.


تعلمنا القصة أنّ من أحسن الظن بربه كان الله عند حسن ظنه ، لقد قال الدائن :*« لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا» ، فتجاوز عنه . وقد قال الله تعالى :" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ" [حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد] .


تعلمنا أحداثها أنّ من رام شيئاً فعليه أن يسلك سبيله، لقد أراد هذا الدائن عفو الله فسلك سبيله بأن عفا وتجاوز عن الناس .. وهكذا من أراد فضلَ الله فليسلك سبيله، ولا يكنْ كمن قيل فيه :


ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس .


وفيها جواز الوكالة . وهذه تُستفاد من نصوص كثيرة .


بقيت مسألة أخيرة ، وهي أنّ هذه النصوص التي جاءت فيها عبارة (لم يعمل خيراً قط) تكلم العلماء عنها ووجهوها . فإن النصوص دالة على أنّ الإيمان لا يكون مقبولاً بدون عمل . فالإيمان الذي ينفع صاحبه في الآخرة لابد أن يجتمع فيه ثلاثة أمور :


الأول : قول اللسان . الثاني : اعتقاد القلب . الثالث : العمل . فلابد من العمل، والعمل من الإيمان. لا نقول : شرط في الإيمان ، بل نقول : العمل من الإيمان . ولذا قال الله تعالى :} وما كان الله ليضيع إيمانكم { أي : صلاتكم .


أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا ، وأن يتقبل من الجميع طاعتهم .


بارك الله فيكم ، وأحسن إليكم ، وأترككم في حفظ الله ورعايته.



وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


والسلام عليكم رحمة الله .


zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
4- قصة الرجل الدي احبه الله بعد ان احب اخاه في الله


zd11.gif



قصة الرجل الدي احبه الله بعد ان احب اخاه في الله





بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذه هي الحلقة الرابعة من برنامج (قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ..


الموعد اليوم مع قصة خرَّجها الإمام مسلم في صحيحه، في باب فضل الحب في الله .. ساق الإمام مسلم إسناده إلى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :«أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ؟ قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» .


أجمل بها من قصة ! وأعظم بها من بشارة !!


وقبل أن أتكلمَ عنها ، وأجُولَ في ميدان دروسها وعبرها لابد أولاً من وقفة لشرح الغريب ..


أرصده : أَقْعَدَهُ يَرْقُبهُ .


الْمَدْرَجَة : الطَّرِيق ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاس يَدْرُجُونَ عَلَيْهَا ، أَيْ يَمْضُونَ وَيَمْشُونَ .


هل لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا: أي : تَحْفَظُها ، وتُراعيها ، وتُرَبِّيها ، كما يُرَبِّي الرجل ولده والفارس فَلُوَّهُ.


هذه القصة العظيمة فيها أنّ رجلاً لما زار أخاه بسبب أنه يحبه في الله أرسل إليه ملكاً ليخبره بأن الله يحبه كما أحبّ أخاه فيه.


وهي مشتملة على فوائدَ عديدةٍ ، ودروسٍ كثيرة ، وعبرٍ غزيرة .


تعلمنا هذه القصة فضل الزيارة ..


والزيارة في الإسلام لها أنواع عديدة ليس هذا محل ذكرها .. هناك زيارة الله ، وزيارة رسول الله ، وزيارة بيت الله ، وزيارة المشاعر المقدسة ، وزيارة الرحم ، وزيارة القبور ، وزيارة المريض، وزيارة الجيران ، وزيارة الكافر .. ولكنَّ القصةَ دلت على فضلِ زيارة الإخوان ..


ألا يكفي -أيها الأحبة في الله - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل زيارتك لأخيك في الله من موجبات الجنة ؟ قال عليه الصلاة والسلام :« ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله عز وجل» [أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة] .


وثبت عند الترمذي وابن ماجة أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم قال :« مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ ، نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ ، وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا» . يقول له ملك - أمره الله بذلك – طبت : أي طاب عيشك في الدنيا والآخرة، وطاب ممشاك لأن الله يحب هذا السعي منك . وتبوأت : تهيأت لدخول الجنة .


إنّ الرجل إذا زار أخاه قال الله : " عبدي زار فيَّ ، وعلي قِراه". قال صلى الله عليه وسلم :«فلم يرض له بثواب دون الجنة»[خرّجه أبو يعلى بإسناد جيد] .


وعلى الزائر أن يلتزم بآداب الزيارة : كالاستئذان ، وعدمِ الإثقال ، وغض البصر، وأن ينزه مجلسه عن الغيبة والنميمة ، فهي زيارة في الله لا ينبغي أن يكون فيها شيء يغضب الله .


زيارة الإخوان في الله من جواهر عبادة الله ، وفيها القربة الكريمة إلى الله ، مع ما فيها من ضروب الفوائد وصلاح القلوب .


لقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى القيام بهذه الزيارات ، وقام صلى الله عليه وسلم بذلك بين أصحابه ، ففي المعجم الكبير للإمام الطبراني عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَصْحَابِهِ : «اذْهَبُوا بنا إِلَى بني وَاقِفٍ ، نَزُورُ الْبَصِيرَ» ، قَالَ سُفْيَانُ : بنو واقف : حَيٌّ مِنَ الأَنْصَارِ ، وَكَانَ الْبَصِيرُ ضَرِيرَ الْبَصَرِ.


تعلَّمْنا من هذه القصة التي حدث بها رسولنا صلى الله عليه وسلم فضلَ الحب في الله . فذاك الرجل الحاملُ له على هذه الزيارة : الحب في الله .


واسمع هذه القصة التي ازدان بها موطأ إمامنا ، الإمامِ مالكٍ رحمه الله ورضي عنه ..


عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ رحمه الله قَالَ : دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا ، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ ، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقِيلَ : هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي ، قَالَ : فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قُلْتُ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ . فَقَالَ : أَاللَّهِ ؟ فَقُلْتُ : أَاللَّهِ . فَقَالَ : أَاللَّهِ ؟ فَقُلْتُ : أَاللَّهِ . فَقَالَ : أَاللَّهِ ؟ فَقُلْتُ : أَاللَّهِ . قَالَ : فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ : أَبْشِرْ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» .


فبالحب في الله ، وبالزيارة ينال المرء منّا محبة الله ، وإذا أحب الله عبداً كان سمعه فلا يسمع حراماً .. كان بصره فلا تقعُ دائرة بصره على حرامٍ ، كان رجله فلا يمشي إلى حرام ، وإذا سأل الله استجاب دعاءه .


إنّ الحبّ في الله شجرة راسخة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، لا تنبت إلا في القلوب الطاهرة ، مادة بقائها : إحسان الظن ، وورقها : الزيارة وحسن المعاملة ، وثمرتها : الجنة .


أتريد - أخي في الله – أن تنال أعلى الدرجات في الإيمان ، أتريد أن يتذوق قلبك حلاوة الإيمان ؟ أتعرف سبيل ذلك ؟ إن لذلك سبيلاً ، وسبيله الحب في الله ، لقول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :« ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» [خرّجاه في الصحيحين] .


إنّ الله ينادي يوم القيامة : (أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) [أخرجه مسلم] . ولما عدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخصال الموجبة للظلال بقوله :«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » ذكر منهم رجلين تحابا في الله ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه .


فاملأ قلبك أيها المسلم بحب إخوانك ، واطرد عنه آثار الشيطان من البغض والحقد والكراهة والغل، فتلك رذائل وقاذورات لا ينبغي أن يكون قلب المؤمن محطاً لها .. املأ قلبك بحبهم لقول حبيبك صلى الله عليه وسلم في معجم الطبراني الصغير :« ما تحاب رجلان في الله ، إلا كان أحبُّهما إلى الله عز وجل أشدَّهما حباً لصاحبه» .


وقبل أن ابرح هذه النقطة إلى غيرها أذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يقول صلوات الله وسلامه عليه :«إن من العباد عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء» . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال :«هم قوم تحابوا بروح الله ، على غير أموال ، ولا أنساب ، وجوههم نور ، على منابر من نور ، لا يخافون إن خاف الناس ، ولا يحزنون إن حزن الناس ، ثم تلا هذه الآية :}ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون{ .





ونستفيد من هذه القصة فائدتين من الفوائد العقدية :


الأولى : أنّ الملائكة يتشكلون ، وقد جاء في حديث جبريل الطويل ، أنه جاءهم في صورة بشر ، وقال الله عنه في سورة مريم :} فتمثل لها بشراً سوياً { .


الثانية : إثبات صفة المحبة ، وأن الله يُحب من شاء من عباده ، يحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، والمتقين ، والمحسنين ، والمتزاورين ، والمتحابين فيه .


فهذه الصفة وغيرها نثبتها بلا تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تفريض للمعني ، نثبتها ونثبت معناها ، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين ، ولكنْ نفوض كيفيتها لا معناها . إذ اليف بالنسبة إلينا غير معلوم كما قرره إمامنا الإمام مالك رحمه الله .


وفي القصة إثبات الأخوة بين المؤمنين ، قال :«زار أخاً له في الله» . ولقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بإرساء قواعدها وبذر حبها مذ أن وطأت قدماه المدينة صلوات ربي وتسليماته عليه .


فالواجب مراعاة حقوقها ، وآدابها التي بينها رسولنا صلى الله عليه وسلم . ولقد امتنّ بها الله على عباده بقوله :} وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ ، ولقد كان اسلافنا رحمهم الله يعطمون من شأنها ..


يقول محمد بن المنكدر - كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية - لما سئل : ما بقي من لذةٍ في هذه الحياة ؟ قال:"التقاء الإخوان ، وإدخال السرور عليهم"، وقال الحسن: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ إخواننا يذكرونا بالآخرة، وأهلونا يذكرونا بالدنيا".


وقبل كلمة الختام ..


اعلم رعاك الله أنه لا سبيل للإبقاء على هذه الأخوة ، ولا سبيل إلى أن تبقى شجرة الحب في الله خضراء يانعة تسر الناظرين إلا بالعفو ، والتجاوز ، وإحسان الظن .. ولله در من قال :


إذا كنت في كلِّ الأمور معاتبــاً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه


من ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها كفى بالمرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه


إذا أنت لم تشرب مراراً على القَذَى ظَمِئْتَ وأي الناس تصفو مشاربه





أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا ، وأن يتقبل من الجميع طاعتهم .


بارك الله فيكم ، وأحسن إليكم ، وأترككم في حفظ الله ورعايته.


وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
5- قصة كذبات سيدنا ابراهيم وقصته مع قصة الشاب الدي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ا


zd11.gif




قصة كذبات سيدنا ابراهيم وقصته مع قصة الشاب الدي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ان يرخص له الزنا

بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .



هذه هي الحلقة الخامسة من برنامج (قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ..


أخرج الشيخان في صحيحهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَوْلُهُ :}إِنِّي سَقِيمٌ{ ، وَقَوْلُهُ :}بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا{ . وبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ : أُخْتِي . فَأَتَى سَارَةَ قَالَ : يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي ، فَلَا تُكَذِّبِينِي . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ ، فقالت : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ. فأُخذَ ، فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ . فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ . ثُمَّ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ الثَّانِيَةَ فدعت : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ ؛ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ . فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ . فَدَعَتْ ، فَأُطْلِقَ . فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ : إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ . فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ ، فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ : مَهْيَاً؟ قَالَتْ : رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ فِي نَحْرِهِ ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.



هذه قصة جليلة القدر عظيمة الشأن ..


الجبار هو : سِنَان بْن عِلْوَان ، كان على مصر ، وقيل : الأردن. ومهياً : ما الخبر ؟


أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في بدايتها : أنّ إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث مرات ثنتين منهما في ذات الله . جاء في رواية :« كلها في ذات الله» [أخرجه أبو يعلى]، وللترمذي :« مَا مِنْهَا كَذِبَةٌ إِلَّا مَا حَلَّ بِهَا عَنْ دِينِ» أي : جادل بها عن دين الله، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم اثنتين لأن الثالثة وإن كانت في ذات الله إلا أنَّ لنفسه حظاً فيها . ولكنّ الثلاث في ذات الله تعالى . الأولى : قوله : إني سقيم. أي سأسقم . كما قال تعالى :} إنك ميت{ أي ستموت ؛ لأن الإنسان يمرض في الدنيا ويصح ، ويفرح ويحزن .. فهذه أمور لا شك أنها تجري علينا –نحن البشر- .



وأما قوله : } فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فاسألوهم إن كانوا ينطقون{ ، أي : إن كان ينطقون ففعله كبيرهم هذا ، ولكنهم لا ينطقون فكيف يفعله. وقيل أراد لهم ضرب المثل . كما قال الملكان لداود عليه السلام :}إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً{ ولم يكن أخاه وليس له نعاج ، وإنما جرى الكلام مجرى التنبيه لدواد عاى ما فعل ، والمراد ضرب المثل. قال ابن كثير رحمه الله في حديث :«كذب إبراهيم ثلاث مرات» :" ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله، حاشا وكلا ، وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزاً ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني، كما جاء في الحديث: «إن في المعاريض لمندوحةً عن الكذب» " .


هذا الجبار كان لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ولذا لم يخبر إبراهيم عليه السلام بأنها زوجه والله أعلم.



إن من أعظم فوائد هذه القصة الخالدة أنّ الله يدافع عن المؤمنين .. أما قال الله :} إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحين{ ؟ أما قال الله :} إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا{ ؟






ومما يوضح أهمية الاعتصام بالدعاء لتحقيق العفة هذه القصة ..



استحكمت الشهوة بأحد الشباب فجاء إلى رسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يأذن له في الزِّنا قائلاً : يا رسول الله ائذن لي في الزِّنا . فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه ! فقال صلى الله عليه وسلم (ادن)) ، فدنا منه قريباً ، قال : ((أتحبه لأمك ؟)) قال : لا والله جعلني الله فداءك . قال : ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)) . قال (أفتحبه لابنتك؟)) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك . قال : ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)) . قال: ((أفتحبه لأختك ؟)) قال : لا والله جعلني الله فداءك . قال : ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم)) . قال (أفتحبه لعمتك ؟)) قال : لا والله جعلني الله فداءك . قال : ((ولا الناس يحبونه لعماتهم)) . قال : ((أفتحبه لخالتك ؟)) . قال : لا والله جعلني الله فداءك . قال : ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم)). قال : فوضع يده عليه وقال : ((اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه)). فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء "



والشاهد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فتحققت العفة . كما اعتصمت بالدعاء سارة فتحقق مرادها .


ولذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول :« اللهم إني أسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف ، والغنى» ، ولما قال ابن حُمَيد للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً ، قال له : «قل : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي ، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي ، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي»[أخرجه أبو داود] .


والمعنى كما قال في عون المعبود :" وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَ ماؤه عَلَيْهِ حَتَّى يَقَعَ فِي الزِّنَا أَوْ مُقَدَّمَاتِهِ ، يَعْنِي مِنْ شَرّ فَرْجِهِ".


إن من فوائد هذه القصة أنّ إبراهيم لما أُخذت زوجته ، وحلّ الظلم بساحته لجأ إلى ربه بالصلاة ، وهذا هو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ..


ولما ظنت مريم عليها السلام أنّ جبريل بشر أراد بها سوء قالت :} إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً{ .. ما أحسنَ طنَّها بربها، ولذا ذكرت من أسمائه الرحمن ، وفيه من براعة الاختيار ما فيه .


فإذا استحكمت الهموم ، وأظلمت الدنيا ، وتتابعت المصائب، وتوالت الأحزان ، وحلت الأزمات والنكبات ، فاعتصم بالله ، وأدمن طرق بابه ، وافزع إلى الله ، وأشكو إلى الله ولا تشكو الله لأحد من خلقه ، وازهد في الخلق وعظِّم الرغبة في الخالق .. فمن فعل ذلك فأيُّ مصيبة تقوى على البقاء عنده ؟


وممن اعتصم به نبي الله يوسف عليه السلام : الدعاء ، قال تعالى : } وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ{ . قال أبو السعود رحمه الله في تفسيره :" أي : أعوذ بالله معاذاً مما تدعينني إليه، وهذا اجتناب منه على أتم الوجوه ، وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه "



ويوضح القرآن الكريم شدة تعوذه بالله من هذه الجريمة بكلمة واحدة جرت على لسان صاحبة القصة :}فاستعصم{ .


ولما رأى يوسف عليه السلام أنها غير مرعوية ، وهددته ، دعا مرة أخرى ، وزاد من تمسكه بحبل نجاته من كربه وعنائه ، فقال :} رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{.


قال القرطبي رحمه الله :" وكأنه قال : اللهم اصرف عني كيدهن . فاستجاب له دعاءه ، ولطف به ، وعصمه عن الوقوع في الزِّنا "



إنّ الأسى ليعتصر القلب وهو يطالع بعض الكتب في التفسير وهو يتحدثون عن قوله تعالى :} ولقد همت به وهمّ بها { .. لقد جاؤوا بكلام لا يصلح في تقي من عامة الناس فضلاً عن نبي كريمٍ ابنِ كريم ، ابنِ كريم ابن كريم .


لا جرم أيها المستمعون أنّ التفسير الذي لا يصح غيره هو : ولقد همت بها هما حقيقياً مؤكداً . وأما قوله :} وهم بها لولا أن رأى برهان ربه{ فتقدم خبر لولا عليها. فالمعنى : لولا أن رأى يوسف برهان ربه لهمّ بها ، ولكنه ما هم لإن العناية من ثم . من عند الله . لأنه رأى البرهان فلم يقع منه همٌّ ألبتةَ ، صلوات الله وسلامه عليه .


إن الأنبياء خطوط حمراء .. احذر وراقب الله عند ذكرهم ، لئلا يحبِط عملك وتخسر آخرتك .


إن من الدروس العقدية التي نستفيدها من أحداث هذه القصة أنّ من أنواع التوسل المشروع : التوسل بالعمل الصالح ، فقد قالت سارة عليها السلام : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ . فإذا أردت من ربك حاجةً فاجعل بين يديها عملاً صالحاً تسأل به ، قل : الله بقراءتي كتابك آتي نفسي تقواها .. قل : اللهم بإيماني بك أدخلني مدخلا كريماً .. وهكذا .


لقد انتهى الكلام عن قصة سارة عليها السلام .. ولكن بقي أن أخبر بأحداث قصة جرت في هذه البلاد .. بيني وبين أهلها ثقة واحد .. إنها قصة فتاة وجدت امرأة طاعنة في السن وكانت العجوز تأتي بالفتيات إلى رجل فاجر لا يخشى الله رب العالمين ، فأخبرتها المرأة بأنه تحتاج إليها في بيتها ، فذهبت الفتاة الطاهرة معها ، فلما دخلت أدخلتها غرفة ثم خرجت لتجد الفتاة نفسها مع ذاك الفاجر ، فوالله ما زادت على أن قالت كلمةً واحدةً : أعوذ بالله منك . فتسمر الرجل مكانه ، وخرجت إلى بيتها ودمعها في خدها ، وأخبرت بالحادثة أباها ، فقال لها أبوها : والله ما خنت أحداً في عرضه ، أفيضيع الله عرضي . «احفظ الله يحفظك . احفظ الله تجده تجاهك» . ولما حدث أبو هريرة رضي الله عنه قال : "تِلْكَ أُمّكُمْ يَا بَنِي مَاء السَّمَاء" يخاطب العرب ؛ لأن هاجر أمُّ إسماعيل . وماء السماء زمزم ، وإسماعيل عليه السلام رُبِّيَ بزمزم


أكتفي بهذا القدر ..


سائلاً الله أن يحفظ أعراضنا وعِرض إخواننا من كل سوء ..


أستودعكم الله ..


وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه .


والسلام عليكم ورحمة الله .




تفسير أبي السعود : 4/265 .


الجامع : 9/185


zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
قصة السحابة التي تسقي حديقة احد المتصدقين دون حدائق غيره


zd11.gif



[h=1] قصة في باب الصدقة للمسكين
قصة السحابة التي تسقي حديقة احد المتصدقين دون حدائق غيره
[/h]

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..



المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذه هي القصة السادسة من القصص التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يتجدد عندها لقائي بكم ، شاكراً لكم حسن استماعكم .. نفعنا الله بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..


ثبت في صحيح مسلم ، في كتاب الزهد ، باب الصدقة ، باب الصدقة في المسكين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » .


ولنقف أولاً مع شرح الغريب ، ثم يمكن بعدها أن نُعرِّجَ إلى ما اشتملت عليه القصة من دروس وعبر ..


الحديقة : الْقِطْعَة مِنْ النَّخِيل ، وَيُطْلَق عَلَى الْأَرْض ذَات الشَّجَر.


والفلاة :


قوله صلى الله عليه وسلم :« فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ» : تَنَحَّيْتُ الشيء : قصدته . وَأَمَّا الْحَرَّة بِفَتْحِ الْحَاء فَهِيَ أَرْض مُلَبَّسَة حِجَارَة سُودًا.


قوله :«فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ» : الشّرْجة : مَسِيل الماء من الحَرَّة إلى السَّهل ، والشَّرْج جنْسٌ لها والشِّرَاج جمعُها .


والمِسحاة : المِجْرَفَة .


هذه القصة اشتملت على دروس عديدة حان وقت الكلام عنها ..


أعظمها : فضل الإنفاق في سبيل الله ..


ولذا قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم :" وَفِي الْحَدِيث فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل".


النفقة أيها المستمع الكريم هي التجارة التي لا تعرف الخسارة ، قال تعالى : }إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ {.


ومن أنفق فهو موعود بخلف رباني كريم ، لقول رب العالمين :} وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ{ .


هل تعلم أخي الكريم أنّ المفق يدعو له ملك كل يوم ، وأنّ الممسك الشحيح البخيل يدعو عليه ملك كل يوم .. فعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»[البخاري ومسلم] .


إنّ المال الذي تقدمه صدقةً هو الذي ستنتفع به ، هو مالك الحقيقي .. عن عائشة رضي الله عنها : أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا بَقِيَ مِنْهَا» ؟ قالت : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها . قَالَ : «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا» [خرّجه الترمذي] .


واسمع إلى السؤال الذي تعجب الصحابة منه .. والسائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال لهم :« أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ :«فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ» [أخرجه البخاري] .


ولذا كان سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيُّ يكثر من الإنفاق ؛ فلامه بعضهم في ذلك . فقال لهم : أرأيتم لو أنّ رجلاً أراد أن يرتحل من دارٍ إلى دارٍ هل يُبقي في الأولى شيئاً ؟ قالوا : لا . قال : فإني مرتحل من الدنيا إلى الآخرة .


والصدقة تدخل الجنة وتقي النار ..


تبعد عن النار لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» [أخرجه البخاري] .


وتدخل الجنة لقول الله تعالى :} وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{ [آل عمران: 133-136]


ولا تقل أخي في الله إنّ الحقوق كثيرة، لا تقل إنّ الفقر لم يبرح رحالنا منذ أمد . ونحو ذلك من الكلام الذي يلقي به الشيطان في روعك ، فتصدق بما تستطيع ولا تعجز ، فالعجر ليس من صفات أهل الإيمان ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» . قَالُوا : وَكَيْفَ ؟ قَالَ :«كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ ، تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا ، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا» [أخرجه النسائي] .


من فوائدها :


إثبات الكرامات .. المسلم الحق لا ينكر الكرامة، ولكنه يُفرِّق بين الآية والكرامة والسحر .


الآية ما أيد الله به نبيه .


والكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله إكراماً لولي من أوليائه .


والسِّحر ما كان من خارق وجرى على يد فاسق فاجر مشرك.


والكرامة تكون على يد ولي ، والولي يوافق الشرع لا يخالفه ، يفرد الله بالعبادة، لا يدعو الناس إلى أن يعبدوا غير الله ، بخلاف السحرة .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في سبعة مواضع :" قَالَ الْأَئِمَّةُ : لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلِهَذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَتَكُونُ الشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي تَحْمِلُهُ لَا يَكُونُ مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ".


تعلمنا القصة أن الإنسان كما يدين يُدان ، والجزاء من جنس العمل ، ولا يظلم ربك أحداً .. فهذا أنفق فأنفق الله عليه ، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ » [خرجه الشيخان] . وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها :«لاَ تُوكِي فَيُوكى عَلَيْكِ» . وفي رواية: «أنفقي ، وَلاَ تُحصي فَيُحْصِي اللهُ عَلَيْكِ ، وَلاَ تُوعي فَيُوعي اللهُ عَلَيْكِ» [متفق عليه] .


استفدنا منها :


فضل الاكتساب من عمل اليد . وقد كان نبي الله داود عليه السلام يأكل من عمل يده ، وأفضل الكسب عمل اليد كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح البخاري قال نبينا صلى الله عليه وسلم :«مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الكسب أطيب ؟ فقال :«عمل الرجل بيده ، وكل كسب مبرور» . فهنئاً للعامل الذي يبيت متعباً من عمل يده قد أضناه العمل وأتعبه الكد .. هنيئاً له ثم هنيئاً له .


مما يُستفاد من هذه القصة : فضل النفقة على الأهل والعيال . وهذه من أفضل ما يقرب به المسلم إلى ربه ..


فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» [أخرجه مسلم] . وليس معنى هذا أن نهمل المساكين بحجة الإنفاق على الأهل .


وأحرج الطبراني في المعجم الكبير : عَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جلده وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ".


وقال صلى الله عليه وسلم :« وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ» [أخرجه البخاري ومسلم] ، وتأمل :«تبتغي بها وجه الله» لتخرج من أسر العادات ، أنفق على أهلك واحتسب ثواب ذلك من ربك ، لقول نبينا صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم :«إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» . قال العرباض بن سارية رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر» . قال : فأتيتها ، فسقيتها ، وحدثتها بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . [أخرجه الإمام أحمد في مسنده] . ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إهمال النفقة على الأهل والولد فقال في سنن أبي داود :«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» أي : من يلزومه قوته ونفقته . وفي رواية للنسائي في الكبرى قال صلى الله عليه وسلم :« كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول» .


وفي الحديث أنّ الله أوكل أمور تدبير الكون للملائكة الكرام عليهم السلام ، كما قال سبحانه :} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا{ ، فأقسم الله تعالى بالملائكة الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيرا من أمور العالم العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار ، وغير ذلك.


وفيه أنّ العبد الصالح يُرزق من حيث لا يحتسب ، فهذا المتصدق رزق أمرين :


الأول : رزق من ماء السماء .


الثاني : من يخبره بما يدل على مكانته عند الله . ولو شاء الله لما هيأ له هذا المخبر .


أكتفي بهذا القدر ، سائلاً الله أن يجعلنا من خير عباده المنفقين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله .

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
قصة الرجل الدي سيخلصه الله بعد ان ينشر له 99 سجلا .ببطاقة الشهادتين

zd11.gif



قصة الرجل الدي سيخلصه الله بعد ان ينشر له 99 سجلا .ببطاقة (اشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله)


بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذه هي القصة السابعة من القصص التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ..


وهذه القصة سمعها ورواها عن سول الله صلى الله عليه وسلم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ؛ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ . فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟! فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ . فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ –ويجوز بكسر الكاف-، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ . فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» .


أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأخرجه أحمد وابن ماجة .


وأقف أولاً مع الألفاظ الغريبة :


معنى سيخلص : يميزه عن سائر الناس ويكون في معزل عنهم .


والسجل الكتاب الكبير .


إنّ أول فائدة تشد الانتباه إليها هي فضل كلمة لا إله إلا الله . هذه الكلمة التي قال عنها نوحٌ عليه السلام لابنه عند موته :" آمرك بلا إله إلا الله ؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجَحت بهم لا إله إلا الله ، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة فصمتهن لا إله إلا الله".


وعند الحاكم والنسائي في الكبرى يُروى أنّ موسى عليه السلام قال : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : يا موسى قل : لا إله إلا الله ، قال : يا رب كل عبادك ، يقول هذا ، قال : قل : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئا تخصني به ، قال : يا موسى لو أنّ السماوات السبع وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ».


لهذه الكلمة المباركة قام سوق الجنة والنار كما قال العلماء، وسل سيف الجهاد في سبيل الله ، فمن قالها عُصم دمه وماله وحسابه على الله كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


يوم القيامة كله في السؤال عنها وعن حقوقها .


ولما كانت هذه الكلمة بتلك الأهمية لم يكن مستغرباً أن أستطرد قليلاً في الحديث عنها .


إنّ خير كلمة تذكر بها ربك : لا إله إلا الله ، قال صلى الله عليه وسلم :« خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أخرجه الترمذي ، وله أيضاً :« أَفْضَلُ الذِّكْرِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .


وفي صحيح البخاري رحمه الله أنّ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ :«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :« وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ » .


ولا يخفى على المستمع الكريم أنّ دخول الجنة على قسمين :


الأول دخول بدون عذاب .


الثاني : دخول بعذاب .


ولذا فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على ما حرم الله تعالى .


إنّ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .


وحتى ينتفع المسلم بهذه الكلمة فينبغي عليه أن يتنبه لسبعة أمور :


1/ عليك أن تعلم أنّ معنى لا إله إلا الله أي : لا معبود بحق إلا الله . فإنّ كثيراً من الآلهة عُبدت بالباطل كما قال تعالى :} ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل{ وفي آيةٍ أخرى :} هو الباطل { . وكلمة (بحق) لابد من تقديرها، فحذف خبر لا النافية للجنس شائع سائغ ، قال في الألفية :


وشاع في ذا الباب إسقاط الخبرْ إذ المراد مع سقوطه ظهرْ


2/ ينبغي أن لا تشط فيما دلت عليه من إفراد الله بالألوهية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [أخرجه مسلم] .


3/ لابد من الإخلاص فيها ، فمن قالها رياءً لم تنفعه ، ففي البخاري حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم :«إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل» ، فمفهوم الحديث أنّ من يخلص لم يحرمه الله على النار ، والله أغنى الشركاء عن الشرك والرياء .


4/ لابد من الصدق حتى ننتفع بها ، أن نقولها بصدق ، فمن قالها نفاقاً لم تقبل منه .


قال أنسُ بْنُ مَالِكٍ : كان معاذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ :«يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ :«يَا مُعَاذُ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . -ثَلَاثًا - قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» [أخرجه البخاري] .


5/ لابد من محبة هذه الكلمة ومحبة ما دلت عليه .


ففي الصحيحن قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» .


ولابد من الانقياد لها وقبولها .


واعلم – وفقك الله لكل خير – أنّه لابد من الكفر بالآلهة التي تعبد من دون الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» [أخرجه مسلم] .


واسمح لي أيها المستمع الكريم أن أطرح سؤالاً قبل أن أغادر هذه الفائدة إلى فائدة أخرى من فوائد هذه القصة .


أرايت لو أنّ إنساناً قال لا إله إلا الله ولكنه يدعو غير الله هل تنفعه لا إله إلا الله ؟


لا أظنك ستقول إلا : لا . لن ينتفع بها .


لماذا ؟


الجواب : قول هذه الكلمة عمل صالح كما لا يخفى ، والأعمال الصالحة تبطل بالشرك ، قال تعالى :} وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ .


يا أيها المستمعون .. يا أيها الأحبة في الله .. يا أيها الأكارم، يا ايها الأخوات ..


أرايتم لو كان لأب ابنين ، سليم ومعاق . فسقط قلم الأب ، فطلب إلى الابن المعاق أن يرفعه وترك ابنه السليم ، ا تقولون في هذا . لا شك أنه سفه في العقل .


أرأيتم لو كان المعاق غائباً والسليم حاضراً وطلب إلى المعاق الغائب وترك السليم الحاضر ؟ لا شك أنه أشد سفهاً .


فكيف نترك الله المجيب القريب ونعلق حاجاتنا بغير الله ، وندعوا الأموات الذين لا يسمعون ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم كما قال ربكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير . نسأل الله العافية .


وفي هذه القصة المباركة إثبات البعث والنشور ، والإيمان بذلك من أركان الإيمان بالله .


وفيها كلام الله لعباده يوم القيامة .


وفيها أنّ الله منزه عن الظلم ؛ لكمال عدله سبحانه ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ الله قال :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا".


والآيات في هذا المعنى كثيرة .


وفي الحديث إثبات الوزن والميزان ، وأنّ له كفتين ، وأنّ الذي يوزن سجل العمل ، وقد دلت بعض النصوص أنّ الذي يوزن العمل ، ودلت كذلك على أن الذي يوزن العامل ، كما في حيث ابن مسعود لما ضحك الصحابة من دقة ساقيه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد» ، وسواء وزن العمل أم العامل فلا ظلم يخشاه العبد ، إنما هي أعمالنا نجدها عند ربنا ، فلنحرص على أن تثقل موازيننا.


وفي الحديث عظيم رحمة الله تعالى ، وأنّ الله واسع المغفرة .


بقيت مسألة أخيرة ، وهي أنّ كل مسلم يملك هذه البطاقة ولكنه قد لا ينتفع بها ، يقول ابن القيم رحمه الله :" فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض ، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ، وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب ، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات : لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل . وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى فانظر إلى ذكر من امتلأ قلبه بمحبتك وذكر من هو معرض عنك هل يكون ذكرهما واحداً ؟ وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره ويعالج سكرات الموت ، وقريب من هذا : ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش يأكل الثرى ، فقام بقلبها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها ، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر ، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذى جرت عادة الناس بضربه ، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً ؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء ، فغفر لها ، فهكذا الأعمال والعمال عند الله ، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهباً والله المستعان"انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير.


أكتفي بهذا القدر ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله .

zd11.gif
 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
9- قصة الرجل الدي خسفت به الارض وهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة


zd11.gif



قصة الرجل الدي خسفت به الارض وهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء التاسع ، وفيه يكون الحديث عن حادثة سبقت عهد النبي صلى الله عليه وسلم رواها لأصحابه ؛ ليأخذوا العبرة منها ، وقد خرجها الشيخان في الصحيحين .. ورواها من الصحابة ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » .


هذه رواية البخاري . رواية الإمام مسلم :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .


وكالعادة لابد أولاً من وقفةٍ لشرح الغريب ..


قوله صلى الله عليه وسلم من الخيلاء : أي من الكبر ، « خُسِفَ بِهِ»: الخسف : ابتلعته الأرض ، « يَتَجَلْجَلُ»: يغوص في أعماقها ، والْجَلْجَلَة : الحركة في صوت، والمراد : يَسُوخ فِي الْأَرْض مَعَ اِضْطِرَاب شَدِيد وَيَنْدَفِع مِنْ شِقّ إِلَى شِقّ.


«قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ» : «جُمَّته» : بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم : هِيَ مُجْتَمَع الشَّعْر إِذَا تَدَلَّى مِنْ الرَّأْس إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَجَاوَز الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَة .


في هذه القصة النبوية المباركة فوائد :


منها : خطر التكبر ..


وقد نهى الله عنه في عدد من النصوص القرآنية ، قال تعالى : } وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً { أي : متبختراً متكبراً ، وقال :} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ { .


وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ :«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ» .


والمتكبر لا يدخل جنة الله .. فقد ثبت عن سيِّد المتواضعين أنه قال :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[مسلم].


والمتكبر مأواه جهنم وساءت مصيراً .. قال صلى الله عليه وسلم :«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر» [البخاري ومسلم] ، وقال في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه :«الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما شيئاً أُلقيه في النار» أخرجه الإمام أحمد . فالتكبر من صفات الله وهو له لا يقتضي نقصاً بوجه من الوجوه ، وعليه : فإن صفات الخالق قد تكون كمالاً في المخلوق كالعلم والقدرة ، وقد تكون نقصاً ، فليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق .


واستمع أخي الكريم إلى هذا الحديث ..


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ . وَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» [أخرجه مسلم] .


هل تعلمون أيها المستمعون كيف يُحشر المتكبرون ؟


يخبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» [أخرجه الترمذي] .


وقد ثبت في الحديث أَنَّ أَبَا دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» .


يا مظهرَ الكِبر إِعجاباً بصورتِه * انظرْ خلاءكَ إِن النتنَ تَثْريبُ


- لو فكرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ * ما استشعرَ الكبرَ شانٌ ولا شيبُ


- هل في ابنِ آدمَ غيرُ الرأسِ مكرمةً * وهو بخمسٍ من الأقذارِ مضروبُ


- أنفٌ يسيلُ وأذنٌ ريحُها سَهِكٌ * والعينُ مرصةً والثغرُ ملعوبُ


- يابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً * أقصرْ فإِنكَ مأكولٌ ومَشْروبُ


من لم يعرف نفسه وتعالى على الناس ينبغي عليه أن يعلم أنّه من نطفة مذرة ، ومآله إلى جيفة قذرة ، وهو في حياته يحمل العذرة .. فعلام التكبر ؟


تتكبر بوظيفتك ؟ بنسبك ، بمالك ، كل هذا لا اعتبار له عند الله ..


أحلام ليل أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع


فيا أخي المسلم تحلى بالتواضع ، واطرد عنك أعمال الشيطان من الكبر والاستطالة على الناس ..


تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع


ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه إلى طبقات الجو وهو وضيـع


وهذا الرجل قيل إنه قارون ، فيكون الحديث مطابقاً لقول الله تعالى :} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ{ ، وقيل : غيره ، والعلم عند الله .


وَإِنَّمَا خُصَّ الْإِزَار بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَظْهَر بِهِ الْخُيَلَاء غَالِبًا كما أفاده ابن حجر رحمه الله .


وفي القصة إثبات عقوبة الخسف ، والخسف أن تأخذ الأرض من فيها ، قال تعالى :} فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ .


وجاء في فتح الباري إشارة إلى لطيفة بقوله :" وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْأَرْض لَا تَأْكُل جَسَد هَذَا الرَّجُل فَيُمْكِن أَنْ يُلْغَز بِهِ فَيُقَال : كَافِر لَا يَبْلَى جَسَده بَعْد الْمَوْت" .


جعلنا الله من خير عباده المتواضعين . وأختم مصلياً مسلماً على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وأستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله .

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
10- قصة تميم الداري ولقاءه بالجساسة و المسيح الدجال

zd11.gif


قصة تميم الداري ولقاءه بالجساسة والمسيح الدجال




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذه هي القصة العاشرة من القصص التي حدث بها سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتختلف عن سابقاتها بكون النبي صلى الله عليه وسلم رواها عن صحابيٍّ وهو تميم الداري .. فقد ثبت في صحيح مسلم عن فاطمةَ بنت ِقيس قالت : سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي : الصَّلَاةَ جَامِعَةً . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ،فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ (لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ))، ثُمَّ قَالَ(أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ))؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ (إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . قَالَ : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ . قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ ؟ قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ . قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ . قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ . قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا - قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم َ وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ - أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ))؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ . قال (فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ )) .



لفظ المسيح من الأضداد ، يُطلق على الصِّدِّيق والضِّليل ، وسُمِّي المسيح مسيحاً لأنه ممسوحُ العين كما ثبت في حديث نبي الله صلى الله عليه وسلم .


وصفة المسيح الدجال بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرةٍ في الصحيحين وفي غيرهما ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ شعره قَطَطٌ يعني شديد الجعودة[SUP])[/SUP]، غزير ، وأنه شاب أحمر جسيم ، قصير ، أجلى الجبهة قد انحسر شعره عن مقدَّمة رأسه ، عريض النَّحر[SUP]))[/SUP]، فيه دَفَأ يعني انحناء ، أعور العين اليمنى كأنها عنبة بارزة ، وأعور اليسرىكما عند مسلمٍ ، ولكنَّ العور في اليمنى أظهر ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤها الكاتب وغير الكاتب . كل ذلك في سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لئلا يغتر الناس به ، وليعلموا إذا خرج عليهم أنه الدجال الذي حذر منه .


من أين يخرج الدجال ؟


قال صلى الله عليه وسلم :«الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ)) [أخرجه أحمد] ، وفي المسند أيضاً قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ».


فمن أتباعه ؟


أتباعه اليهود . قال صلى الله عليه وسلم ( يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ» [أخرجه مسلم] ، وكثير من أتباعه من النساء ، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك ( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ َإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ )) [خرجه الإمام أحمد] .



فكيف يفتن الناس ؟


صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم :« مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ» ، ومن فتنته أن يأمر الأرض فتخرج كنوزها ، ويمر على القوم يؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويمر على من يردون قوله ويكذبون حديثه فيصيبهم القحط ؛ ابتلاء واختباراً من الله تعالى ، ومن فتنته ما جاء في خبر الصادق المصدق المصدوق صلى الله عليه وسلم عند مسلم ( ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ» .



كم يلبث المسيح الدجال في الأرض ؟


سؤال سأله الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت الإجابة ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ)) فقالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ (لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))[خرجه مسلم] .



فكيف يتقي المسلم هذه الفتنة ؟


تُتقى بأمور :


الأول : بتصحيح المعتقد في الله . فمن علم أسماء الله وصفاته علم أن لله عينين وأنه ليس بأعور والدجال أعور ، وعلم أن الله تعالى لا يأكل ولا يشرب والدجال يأكل ويشرب ، والله لا يُرى في الدنيا والدجال يُرى .


الثاني : بالاستقامة على دين الله وسلوك سبيل الصالحين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)) [مسلم] أي : والله يتولى المسلم ، والمسلم الذي يحظى بحفظ الله هو الصالح ، قال تعالى :} وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{ . وقد ثبت في سنن ابن ماجه أنَّ شاباً صالحاً لا يقدر الدجال على زعزعة إيمانه بشبهاته ، قال صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا وَيَنْشُرَهَا بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقَى شِقَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُولَ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الْآنَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي . فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ وَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، أَنْتَ الدَّجَّالُ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ)) إن الإيمان إذا تمكن من القلب لهو أرسخ فيها من رسوخ الجبال في الأرض .



الثالث : أن يُتعوَّذ بالله بعد التشهد في الصلاة من فتنته ، قال صلى الله عليه وسلم ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) [البخاري ومسلم] .



الرابع : حفظ عشر آيات من أول الكهف . لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) وفي راوية ((من آخر)) وهما في صحيح مسلم، وله أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) ، وحري بالمسلم أن يحفظ هذه السورة كلها ويرددها كل جمعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) [الحاكم] .



الخامس : الفرار منه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ)) [أحمد وأبو داود] .



فكيف يهلك الدجال ؟ وكيف موته ؟


هلاك الدجال على يد عيسى ابن مريم عليه السلام عند باب لد ، فإذا قُتل خنس أتباعه من اليهود ، فاختبئوا وراء الحجر والشجر فيُنطق الله الحجر والشجر . قال صلى الله عليه وسلم ( فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ- أي إلى عيسى - ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا ، وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ ، فَيَقْتُلُهُ ، فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ ، إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ ، إِلَّا قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ)) [مسلم] .

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
11- قصة الرجلين العابد الدي دخل جهنم والمدنب الدي دخل الجنة برحمة الله


zd11.gif



قصة الرجلين العابد الدي دخل جهنم والمدنب الدي دخل الجنة برحمة الله

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء الحادي عشر نلتقي فيه وإياكم بالصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه ليحدثنا عن قصة غابرةٍ رواها عن سيد الأنام رسولِنا عليه الصلاة والسلام يقول فيها :« كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ : أَقْصِرْ . فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ . فَقَالَ : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ . فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا ، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ لِهَذَا : الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا ؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي . وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ » .


قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .


حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده وأبو دود في سننه .


قول رسولنا صلى الله عليه وسلم :« مُتَوَاخِيَيْنِ» : أَيْ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْقَصْد وَالسَّعْي ، فَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الْخَيْر ، وَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الشَّرّ .


من فوائد هذه القصة :


أنّ الناس قسمان ، منهم من يسلك طريق عبادة الله ، ومنهم من يؤثر جانب الغفلة ، قال سبحانه :} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا{ [الإنسان3] .


ومما أوضحته القصة : سوءُ عاقبة الغضب .. فإن المجتهد لم يقل ما قاله إلا بالغضب ، ولذا حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيراً مؤكَّداً ، فلقد جاء إليه رجل فقال : َ أَوْصِنِي . قَالَ : «لَا تَغْضَبْ» . فَرَدَّدَ مِرَارًا ، قَالَ :«لَا تَغْضَبْ» ، لم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله : لا تغضب . ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا إذا انتهكت حرمات لله غضب لله ، وكان من دعائه :« اللهم إني أسألك كَلِمَة الحقِّ في الغضب والرِّضا» . قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم معلقاً على هذه الدعوة :" وهذا عزيز جداً ، وهو أنَّ الإنسان لا يقول سوى الحقِّ سواءٌ غَضِبَ أو رضي ، فإنَّ أكثرَ الناس إذا غَضِبَ لا يَتوقَّفُ فيما يقول ". وهذه القصة مما تؤكد قوله ولذا جاء بها بعد كلامه هذا .


وتشبه هذه القصة ما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم :« أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ . وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» .


وفي القصة أنّ الله غفر للمقصر بدون توبة ، قال الإمام النووي رحمه الله :" وَفِيهِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة فِي غُفْرَان الذُّنُوب بِلَا تَوْبَة إِذَا شَاءَ اللَّه غُفْرَانهَا ". فعقيدتنا : أنّ كل ذنب سوى الشرك فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله عفا عنه ، وإن شاء أخذ به ، أما الشرك فقد سبقت فيه كلمة الله :} إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء{ .


ولو نظرنا إلى القصة بعين التأمل لوجدنا أنّ كثرة العبادة تورث تعظيم الله ، كما سبقت الإشارة إليه في قصة من قتل مائة نفس .


ولعلّ كلام المقصر للعابد : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا . يدل على أنّ الإنكار كان بنوع من الشدة ، ومما يقوي هذا الاحتمال حدتُه التي فاحت رائحتها لما قال : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ .


ومما لا ريب فيه أنّ مما يمنع من هذا التألي على الله أن يمتلأ القلب حال إنكار المنكر بالشفقة على المذنبين ، وأن ينظر المرء إليهم بعين الرحمة كما هو حال سيد المرسلين ، فلقد قال له رب العالمين : }لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ{ [الشعراء: 3] ، وتكرر هذا المعنى في القرآن في مواضع: قال تعالى : }وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ{ [الحجر: 88] وفي الكهف: }فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً{ [الكهف: 6]. وفي فاطر: }فَلاتَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ{ [فاطر: 8]. وفي النحل: }إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلّ{ [النحل: 37]. إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة ، ومحبته لإسلامهم ، وشدة حرصه على هدايتهم .


فمتى ما امتلأ قلب المنكِر بذلك كان مانعاً من التلفظ بهذه العبارات التي تُسخِطُ الله تعالى .


إنّ القصة كما دلت على سعة رحمة الله وعظيم مغفرته دلت على أنّه قد يأخذ بالذنب ولو لم يكن شركاً ، فلقد غفر للمقصر ، وعاقب المجتهد بكلمة دون الشرك به ، ولذا نعت سبحانه نفسه بقوله :} نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ{ .. ألا .. فلا ينبغي لأحد أن يتكل على رحمة الله ويدعَ العمل ، سدِّد ، وقارب ، واستقم ، ثم أحسن الظن بربك ، فإن المؤمن قد جمع خوفاً وإحساناً ، والمنافق قد جمع أمناً وإساءةً .


إنّ هذه القصة لتحذرنا من أن نقحم أنفسنا بين الله وعباده ، وأن ننصبها حكماً على عباد الله ، فالله هو الذي يحكم بين عباده ، وهذا من رحمته بنا ، فلو وكل الله أمرنا إلى غيره لهو الهلاك بعينه .


إنّ من أجل الدروس في هذه القصة أنْ يحذرَ الإنسان من لسانه ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .


وقد كثرت النصوص التي تأمر بحفظ هذه الجارحة ..


قال تعالى :} مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيدٌ {[ ق : 18 ] .


وفي الحديث المتفق على صحته يقول نبينا صلى الله عليه وسلم :« مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » . وقال :«منْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» ، وقال لمعاذ :«كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» . وأمسك بلسان نفسه ، فقال معاذ : يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ – وهي كلمة كانت العرب تقولها ولا تريد معناها- !قال :«وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» [رواه الترمذي] .


وفي البخاري قال صلى الله عليه وسلم:«إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ » . وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) [رواه الترمذي]. تكفر اللسان : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ.


قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين :" اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَماً ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ".


وفي القصة أنّ الأعمال بالخواتيم ، وفيها معنى ما قاله سيد النبيين صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» .


اللهم أحسن خاتمة أمرنا ، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة .

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
قصة الاسراء والمعراج


zd11.gif



قصة الاسراء والمعراج



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء الثاني عشر ، وقصة اليوم هي قصة الإسراء والمعراج ، ولكني سأقف مع عبرها دون سرد أحداثها ، لأن وقتَ هذا البرنامج لا يفي لسرد وقائعها ، وهي معلومة لدى الجميع .


هذه الآية التي أيّد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم اشتملت على دروس عديدة .. منها :


أولاً :كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، والحكمة في ذلك والعلم عند الله أنّ الأنبياء السابقين كان بيت المقدس مهاجرهم ، فأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ليُجمع له بين أشتاتا الفضائل .


ثانياً : كان الذهاب بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليلاً لأنه زمن يأنس فيه المسلم بالله منقطعاً عن الدنيا وشواغلها.


ثالثاً : اختلف العلماء في تأريخ الإسراء والمعراج اختلافاً عظيماً ، فذكر السيوطي –رحمه الله- في مصنفه الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا لذلك خمسة عشر قولاً .


وهذه فائدة تتفرع عنها الفائدة التالية ، وهي الرابعة :


أنه لا يُشرع للإنسان أن يخصَّ ليلة المعراج بقيام من بين الليالي ، ولا نهارها بصيام من بين الأيام ؛ إذ لو كان ذلك من الشرع في شيء لما اختُلف في تحديدها هذا الاختلاف ، إذ كيف تُشرع عبادة في ليلة لا نصَّ في تحديدها ألبتة ، وإنما هي أقوال دون إثباتها خرط القتاد !! قال ابن رجب الحنبلي :" و أما الإسراء فقيل : كان في رجب ، و ضعفه غير واحد".


ويجب علينا أيها الأحبة في الله أن نُفرِّق بين فعل العبادة ، وبين تخصيصها بزمان أو مكان ، فالذي اعتاد أن يصوم صوماً لو وافق صومه ليلة المعراج –لو فرضنا أنَّ تأريخها معلوم- فله أن يصومها ، لا لكونها ليلة المعراج ، وإنما لكون صومه وافق ذلك . وهكذا قل في شأن القيام . أما أن يخص الإنسان ليلةً أو يوماً بقيام أو صيام لم يدل الشرع على تخصيصها فهذا مما لا يُشرع . ومن الأدلة على التفريق بين فعل العبادة وبين تخصيصها بزمانٍ أو مكان قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن عبادة الصيام والقيام ، وإنما ينهى عن تخصيص العبادة بيوم لم يشهد له الشرع باعتبار ، ونحن لا ننهى عن الصيام والقيام، وإنما ننهى عن تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذلك .


خامساً : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الإسراء به كان بالبراق ، وهو دون الحمار ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، وأخبر في صحيح مسلم بأن قريشاً كذبته ، وهذان أمران دالان على أنّ الإسراء والمعراج كان بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بروحه فقط ، وإلا لما احتاج غلى ركوب البراق ، ولا تنكر عقول المشركين أن الروح تجوب الآفاق في ساعة من زمان .


سادساً :أن أفضلَ الأنبياء نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه تقدم عليهم وصلَّى بهم ، وبلغ في المعراج مبلغاً لم يبلغه أحد منهم. وهذا مما لا ينازع فيه أحد .


سابعاً : بعض الناس –هداهم الله- يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج ، وقد اصطلحوا على أنَّها ليلة السابع والعشرين من رجب ! وفي تقديري أنه لو كان لابد من إبداء المشاعر لكان إبداء مشاعر الحزن أولى من إظهار الابتهاج والفرح ؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به إلى بيت المقدس .. فأين بيت المقدس الآن ؟؟ ثم إنَّا نستسمح المحتفلين أن نسألَ سؤالاً : هل احتفل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذا الليلة ؟؟ فإن قالوا : نعم . قلنا : } هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ . وإن قالوا : لا . قلنا : ((أحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم » . فليسعْنا ما وسِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه .


ثامناً : لقي النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الأولى : آدم ، وفي الثانية : عيسى ويحيى ، وفي الثالثة : يوسف ، وفي الرابعة: إدريس ، وفي الخامسة : هارون ، وفي السادسة : موسى ، وفي السابعة : إبراهيم –عليهم صلوات الله وتسليماته- كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم عندما حدث أصحابه بتفاصيل هذه القصة .


والحكمة في اختيار هؤلاء الأنبياء –والله أعلم- أنه بمقابلة آدم –عليه السلام- يتذكر أنه أُخرج من موطنه وعاد إليه ، فيتسلى بذلك إذا أخرجه قومه من موطنه . وأما عيسى ويحيى –عليهما السلام- فلما لاقاهما من شدة عداوة اليهود ، وهذا أمر سيلقاه النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته . وأما يوسف فلما أصابه من ظلم إخوته له ، فصبر عليهم ، وقد طَرد أهلُ مكة النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله. وأما إدريس فلرفعة مكانه التي تشحذ الهمة لنيل أعلى الدرجات عند رب السماوات . وأما هارون فلأن قومه عادوه ثم عادوا لمحبته . وأما موسى فلشدة ما أُوذي به من قومه ، حتى إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال في ذلك (يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى ؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) . وفي ملاقاة إبراهيم –عليه السلام- في آخر السماوات مسنداً ظهره للبيت المعمور إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم سيختم عمره الشريف بحج البيت العتيق .


تاسعاً : وفي قصة المعراج أنَّ جبريل كان يستفتح أبواب السماء ، فيقال له : "من"؟ فيقول :"جبريل". ففيه دليل على أنَّ المستأذن إذا قيل له : من ؟ سمَّى نفسه بما يُعرفُ به ، ولا يقول : أنا . لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب ، فقال (من ذا)) ؟ فقلت : أنا . فقال (أنا أنا))!! كأنه كرهها .


تاسعاً : حديث المعراج دليل من مئات الأدلة التي تدل على علو الله تعالى على جميع مخلوقاته ؛ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم حجابه بعد السماء السابعة .


عاشراً : وجد النبي صلى الله عليه وسلم أبواب السماء مغلقة وكانت تُفتح لهما ، وفي هذا من الإكرام له ما لا يخفى ؛ "لأنه لو رآها مفتحة لظنَّ أنَّها كذلك " .


حادي عشر : تعلمنا منها سوء عاقبة الغيبة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ )).


ثاني عشر : الحادثة بجملتها فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما امتلأت جوانب حياته بسحائب الكآبة والأحزان ، فكانت هذه الحادثة التي اضمحلت أمامها تلال الغموم الناتجة من ازدراء قومه له وتكذيبهم به . إنَّ المرء إذا أراد أن يُقنع الناس بمبدأ معينٍ وتصدى أهله وعشيرته لتكذيبه والنيل منه بسبب ذلك واجه من الأحزان قدراً لا يحيط به إلا الله تعالى ؛ لأن باقي الناس ممن ليسوا بأهله أولى بتكذيبه واستهجان طرحه ..


وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهنَّد


ومن هذا يُستفاد : أن مع العسر يسراً ، وأن من الضيق فرجاً ، وبالشدة رخاءً.


ومن دروسها عظيم مكانة الصلاة فإن الله فرضها بلا واسطة ، وبركة النصيحة ، فبنصيحة موسى خففها الله غلى خمسين صلاة .


وختام هذه الوقفات : أنَّ الله تعالى كلَّم نبينا صلى الله عليه وسلم كما كلَّم موسى عليه السلام ، والذي يقف على الخصائص المحمدية –على صاحبها أزكى صلاة وأتم سلام- يعلم أنه ما من نبي أيده الله بآية إلا وأيد نبينا صلى الله عليه وسلم بمثلها أو أفضل منها. لقد ايد الله سليمان عليه السلام بما قال حكاية عنه :} علمنا منطق الطير{ ، ولقد علم تكلم بعير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه قلة العلف وكثرة العمل . وزادج على سليمان عليه السلام أن الله أنطق الجماد له ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :« إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»، وحنّ الجذع إليه ولم يسكن إلا بعدما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .



فاعرفوا قدر نبيكم ، وسلوا الله الاجتماع به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

zd11.gif
 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
13- قصة نبوية جليلة القدر تتحدث عن الشهداء

zd11.gif



قصة نبوية جليلة القدر تتحدث عن الشهداء



بسم الله الرحمن الرحيم






الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء الثالث عشر ، والموعد اليوم مع قصة نبوية جليلة القدر . قال جابر بنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : " لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي ](يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا))؟ قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ (أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ))؟ قَالَ :قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ : يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً . قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ . قال : يا رب فأبلغ من ورائي . فنزلت هَذِهِ الْآيَةُ :} وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةَ{ .


أخرجها الترمذي وابن ماجة .


عجيب أمرك أيها الإنسان ..


قد يوصلك إيمانك بالله إلى أن ترقى أعلى الدرجات ويُراق دمك في سبيل الله من أجل دينك وعقيدتك ودعوة الناس إلى الله .


إننا نريد اليوم أن نلج روضات الشهداء، وأن نستأنس بالحديث عنهم ، ونتشرف بكلامنا عن مآثرهم التي جاء بها كتاب ربنا ونطقت بها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم . ولكن قبل ذلك، لماذا سُمي الشهيد شهيداً ؟


يقول الإمام النووي رحمه الله :" وأما سبب تسميته شهيداً فقال النضر بن شميل : لأنه حي؛ فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار الإسلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة. وقال ابن الأنباري : إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة. وقيل : لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة .وفي المسألة أقول أخرى .


الشهداء أحياء في قبورهم ، أحياء لا يموتون ، قال تعالى : }وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ{ . وقال :} وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ{.


وهي اصطفاء من الله ، كرامة لا يمكن أن يحظى بها كل أحد ، هيأ الله أصحابها لها ، وأورثهم الجنة بها :} وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء{ .


ولما أراد الله أن يشحذ همم العباد لطاعته وطاعة نبيه ذكرهم بأن عاقبة ذلك أن يكونوا مع الشهداء ، فقال : }وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا{.


يكفي أن نعلم أنّ كل ميت يعلم أنَّ مآله إلى الجنة لا يمكن - إذا خيِّر بين البقاء في قبره والرجوع إلى أهله - أن يختار الرجوع إلى الدنيا؛ لما أعده الله له من واسع فضله وعظيم نعمته .. إلا الشهيد ، إنه يتمنى أن يرجع لترتوي الأرض بدمائه مرة بعد مرة ، إنه يتمنى أن تُمزق أحشاؤه في سبيل دينه فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى)) [أخرجه البخاري ومسلم] .


إنّ الشهادة رتبة تمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ» ولا يخفى عليكم أيها المستمعون أنّ من علمائنا من جنح إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مات شهيداً من اثر سمِّ يهود ؛ ومرتبة الأنبياء أكمل بلا ريب ، ولكن أُريد أن يُجمع له بين أشتات الفضائل .


ولقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بما للشهيد من فضل وكرامة عند ربه فقال –والحديث في المسند- :« لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ» .


وسأل سائل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : ِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ ؟ قَالَ(كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً)) . كفى بصوت الطلقات والدبابات على رأسه فتنة، كفى بصوت الراجمات والصواريخ وقذائف الهاوند والآر بي جي فتنةً، كفى بالكيماويات السامة فتنةً .


إنَّ من أفضل المناقبِ التي ينالها الشهداء ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ)) . وأيم الله لو قُتل تحت حديد الدبابات فلن يجد من مسِّ القتل إلا ما ذُكر لنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم } وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{.


لقد آتت هذه النصوص النبوية أكلها في شحذ همم أصحابه للسعي في نيل الشهادة ، واستمع أيها المستمع الكريم لها بقلبك وفؤادك ..


في غزوة بدرٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ)) . فقال عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ !!؟ قَالَ (نَعَمْ)). قَالَ : بَخٍ بَخٍ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ))؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا . قَالَ (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا)). فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.


فمن هو الشهيد ؟


لا يظننَّ ظان أن الشهيد هو من قُتل في ساحات الوغى فحسب، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ))؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ . قَالَ (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ)). قَالُوا : فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ (مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ)) وزاد في رواية ((وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ)). ومن الشهداء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم : صاحب السل، ومن مات بذات الجنب، والحريق، وصاحب الهدم، والمرأة تموت جمعاء،ابنها في بطنها، والنُّفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه.


الإخوة الأكارم :


أبشروا .. وأملوا .. واطمعوا في فضل ربكم .. فلقد ثبن في الحديث الصحيح قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» . } وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ .


وفي القصة من الفوائد :


أن تعزية المصابين من هدي سيد المرسلين عليه الصلاة والتسليم . فلقد رأى جابراً منكسراً فعزاه ، والتعزية : الحمل على الصبر بوعد الأجر مع الدعاء للميت ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« من عزى أخاه المؤمن في مصيبة كساه الله حلة خضراء يحبر بها» . قيل : ما يحبر بها ؟ قال : «يغبط بها» .


وفيها أنّ الحزن على الميت لا ينافي الصبر ، فلقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم وقام بقلبه ، وإنما يعذب الله باللسان كما أخبر سيد الأنام.


منها : أنّ الله لم يكلم أحداً بغير حجاب إلا عبد الله بن حرام بعدما قتل في سبيل الله .



ومنها أنّ من مات فلا يمكن أن يرجع للدنيا ، لقول الله تعالى :« إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ» ، فمن الخطأ أن نعتقد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يحضر في اليوم الذي يوافق مولده ويحتفل مع الناس .

zd11.gif
 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
14- قصة تضمنتها رؤيا نبوية كريمة عن عداب البرزخ


zd11.gif



قصة تضمنتها رؤيا نبوية كريمة عن عداب البرزخ




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء الرابع عشر ، ونقف فيه مع أحداث قصة تضمنتها رؤية نبوية كريمة ، ففي مستدرك الحاكم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بِضَبْعَيْ، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي : اصعد . فقلت : « إني لا أطيقه » ، فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت : « ما هذه الأصوات » ؟ قالوا : هذا عُوَاء أهل النار . ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً ، قال : قلت : « من هؤلاء ؟ » قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم .


عُواء: صُراخ وصياح .


سواء الجبل : وسط الجبل . قال تعالى :} فاطلع فرآه في سواء الجحيم{ : أي في وسطها .


الشَّدْق : جانب الفم مما تحت الخد .


فبل تحلة صومهم : قبل أن يحل الفطر لهم بغروب الشمس .


ثلاث قضايا رئيسة سيكون الحديث عنها من خلال هذه القصة التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم .


القضية الأولى : الفطر في رمضان عمداً بدون عذر .. اشتملت القصة على بيان نوع من أنواع المفطرين في رمضان ؟ فما هي أنواعهم؟


اعلم أخي المستمع الكريم أنّ المفطرينَ في رمضان منقسمون إلى أقسام ..


الأول : من يفطر وعليه القضاء .


وهو المريض مرضاً يُرجى برؤه ، والمسافر ، والحائض .


الثاني : من يفطر وعليه القضاء والكفارة .


وهو من جامع أهله في نهار رمضان .


الثالث : من يفطر وعليه الفدية . والمراد بها إطعام مسكينٍ عن كل يوم أفطره .


وهم : الشيخ الكبير والمرأة المسنة اللذان لا يقوَيَان على الصيام ، والمريض مرضاً لا يُرجى برؤه – كما يقول الفقهاء- ، والحامل والمرضع ، وكثيرون يقولون بغير ذلك ، ولكن هذا هو القول الراجح إن شاء الله ، وهو مذهب ابن عباس وابن عمر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . فقد خرج الدارقطني عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا:" الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي" وصححه في الإرواء . وفي قوله تعالى :} وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين{ قال ابن عباس :" بقي حكمها للشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم . والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكيناً " أرجه الدارقطي وأبو داود . وهذا مما لا يقال عن رأي واجتهاد فله حكم الرفع كما قرره غير واحد من أهل العلم .


الرابع : من أفطر وعليه التوبة لأن ذنبه أعظم من الكفارة . وهو من أفطر بدون عذر ، هذا –كما قال العلماء – صومه للقضاء وإن دهراً لا يفي لتكفير خطيئته ، بل عليه أن يتوب . بمعنى أنّ ذنبه أعظم من الذنوب التي تكفرها الكفارات .


قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر :" الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَرْكُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، وَالْإِفْطَارُ فِيهِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ".


وفي البخاري معلقاً بغير جزم الحديث :« مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صَوْمُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» .


وقال الذهبي في الكبائر :" الكبيرة السادسة : إفطار يوم من رمضان بلا عذر".


ومن ترك صوم رمضان فإنه يُشك في إسلامه .


القضية الثانية :


اشتمل الحديث على إثبات عذاب البرزخ ، فهؤلاء الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم وقع العذاب عليهم في برزخهم كما لا يخفى . وعذاب البرزخ – وأقول البرزخ لأنه أشمل من كلمة القبر ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله :" ومما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزح، فكل من مات وهو مستحقٌ للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع، أو أُحْرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صُلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور" [الروح ص ثمان وخمسين] .


كمن حرق أو أكلته السباع – وعذاب البرزخ ثبت بأدلة لا يمكن حصرها بسهولة بالقرآن والسنة النبوية .


من أدلة القرآن قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام :} مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً{ ، ولا خلاف بين أهل اللغة في أنّ الفاء العاطفة تدل على الترتيب والتعقيب . أي : بدون مهلة ، بخلاف العطف بثم . قال ابن هشام في قطر الندى وبل الصدى :" وَ (الْفَاءِ) لِلتَرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ ".


وهنا نجد أن ربنا قال :} أغرقوا فأدخلوا{ أي في برزخهم بعد موتهم .


أما السنة فيكفي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) . ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : ((لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)) [أخرجه البخاري ومسلم].



وفيه رد قوي على من أنكر أن الجسد يُعذب في القبر ، هذا قول من لا خلاق له من فهم ، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجلين : إنهما ليعذبان ، وفي القبر جسداهما .


وينبغي أيها الإخوة أن نفرق بين مسألتين .. بين عذاب القبر ، وبين فتنة القبر . الفتنة : سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه . أما العذاب فهو ما يقع على من لم يجتز هذا الاختبار .


وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِي : إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ (صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا)). فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ [البخاري ومسلم].



وعند مسلم قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه : بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ، فَكَادَتْ تُلْقِيهِ ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ (مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ))؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا . قَالَ (فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ))؟قَالَ : مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ . فَقَالَ (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ)) . وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب القبر بعد التشهد فقال ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) .



القضية الثالثة : رؤيا الأنبياء . ولا شك أنها حق ، ولذا لما رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه شرع في تنفيذ ذلك ، قل ابن حجر رحمه الله في الفتح :" الرُّؤْيَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَحْيًا لَمَا جَازَ لِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْإِقْدَام عَلَى ذَبْح وَلَده".


وثبت من حديث عائشة أنها قالت :" كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم" [صحيح مسلم] .


وقال ابن عباس رضي الله عنهما :" رؤيا الأنبياء وحي" [أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي] .


أما رؤيا غيرهم فلا يثبت بها شرع ، فليس لأحد أن يأتيَ إلينا بتشريع ثم يقولَ : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي : افعل كذا مما لم يكن شرعه من ذي قبل .


رأى حمزة الزيات النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فعرض عليه ما سمعه من أبان، فما عرف منه إلا شيئاً يسيراً ، قال النووي :" قال القاضي عياض:" هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان، لا أنه يقطع بأمر المنام، ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ، ولا تثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء" [شرح مسلم مج الأول صفحة خمس عشرة ومائة ] .

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
16- قصة منامية عن العداب الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق وصاحب القرآن يرفضه و ....


zd11.gif



قصة منامية عن العداب الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق وصاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


هذا هو اللقاء الخامس عشر ، نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا ، فَقَالَ : « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا » ؟ قُلْنَا لاَ . قَالَ « لَكِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَأَخَذَا بِيَدِى ، فَأَخْرَجَانِى إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى شِدْقِهِ ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ . قُلْتُ :«مَا هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا .


حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ . قُلْتُ :«مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ..


فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا ، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ . فَقُلْتُ:« مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ :انْطَلِقْ .


فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِى فِى النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِى فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِى فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ . فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ .


فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِى فِى الشَّجَرَةِ ، وَأَدْخَلاَنِى دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ . قُلْتُ :«طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ» . قَالاَ: نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكِذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .


وَالَّذِى رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا . وَالشَّيْخُ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ ، وَالَّذِى يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ . وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِى دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا فَوْقِى مِثْلُ السَّحَابِ . قَالاَ ذَاكَ مَنْزِلُكَ . قُلْتُ دَعَانِى أَدْخُلْ مَنْزِلِى . قَالاَ إِنَّهُ بَقِىَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ » .


هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :


المشهد الأول :


رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .


وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".


المشهد الثاني :


رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .


من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخراً .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .


المشهد الثالث :


ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .


جمع الله لهم بين عقوبيتين :


الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .


الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .


المشهد الرابع :


انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .


وإنما ألقم حجراً والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.


المشهد الخامس :


ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية :«إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..


فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ما لا عين رأت وبين كونها صلى الله عليه وسلم قد رآها كما في هذا الحديث ؟


الجواب :


المشهد السادس :


في تلك الروضة رأى النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .


المشهد السابع:


يرى داراً أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويرى صلى الله عليه وسلم خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .


zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
16- قصة ستحدث في المستقبل ان في جريمة القتل من إثم كبير ووزر عظيم ، ومن قتل نفساً...

zd11.gif


[h=1] قصة ستحدث في المستقبل ان في جريمة القتل من إثم كبير ووزر عظيم ، ومن قتل نفساً بغير حق فقد سَاء لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا[/h]




بسم الله الرحمن الرحيم (16)


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


في اللقاء السادس عشر نقف مع أحداث قصة ستحدث في المستقبل ، حدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواها عنه ابنُ عباس رضي الله عنهما ، وأخرجها الترمذي في جامعه ، والنسائي وابن ماجة في السنن ، والطبراني في معجمه الكبير ، قال صلى الله عليه وسلم :« يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، هَذَا قَتَلَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ » .


تشخب : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا ، أَيْ تَسِيلُ .


والْأَوْدَاجُ : مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْ الْعُرُوقِ .


نستفيد من القصة ما في جريمة القتل من إثم كبير ووزر عظيم ، ومن قتل نفساً بغير حق فقد سَاء لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا.. واعلم أيها المستمع الكريم أنّ أول جريمة قتل في تاريخ البشرية ما حكاه الله تعالى بقوله :} وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [المائدة: 27-30]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» [البخاري ومسلم] .


والنصوص في تحريم هذه الكبيرة كثيرة جداً .. وهذا سرد لبعضها ..


قال تعالى : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [الأنعام:151] . وقال : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ [الإسراء :33] .


قال أبو بَكْرَةَ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ . قَالَ :«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ :«أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ »؟قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا » [البخاري ومسلم] . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» [البخاري ومسلم] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :«ما أطيبك ! وما أطيب ريحك !! ما أعظمك ! وما أعظم حرمتك !! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك» .


ولقد جاء الترهيب فمن هذه الجريمة في كثير من النصوص الشرعية أجتزئ منها ما يلي :


قال ربنا تعالى :} وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء :93] . وقال تعالى : }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا 68 يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{ [الفرقان : 68-69] .


وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» [أخرجه أبو داود وابن حبان] .


ولقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بأنّ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء كما في الصحيحين .


وفي صحيح البخاري يقول نبينا صلى الله عليه وسلم :«لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» قال ابن عمر : إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ .


وقبل أن أنتقل بكم أخي الكريم ائْذَنْ لي بأن أسمعك هاتين القصتين :


الأولى :


خرجها الشيخان في صحيحهما ، عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ –والحرقة : بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَة- قال : فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ ، وطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ . فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ :«يَا أُسَامَةُ ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؟ قُلْتُ : كَانَ مُتَعَوِّذًا . قال :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ قال : قالها مُتَعَوِّذًا مِنْ الْقَتْلِ. قال :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ قال : يا رسول الله استغفر لي . فلم يزد على قوله : :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ حتى قال أسامة : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ .


الثانية :


أخرجها ابن ماجة ، وهي –كما روى عِمران بن الحُصَين- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ قَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي –أي من قرابتي ، هكذا يقول عمران - عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ ، فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي مُسْلِمٌ . فَطَعَنَهُ ، فَقَتَلَهُ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ ؟ قَالَ : «وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ» ؟ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ» . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ. قَالَ :«فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ، وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ» ! قَالَ : فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ ، فَدَفَنَّاهُ ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَقَالُوا : لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ . فَدَفَنَّاهُ ، ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَقُلْنَا : لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا . قال : فَدَفَنَّاهُ ، ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ . فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ e فَقَالَ :« إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَكُمْ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .


اللهم باعد بيننا وبين أعراض ودماء إخواننا المسلمين كما باعدت بين المشرق والمغرب

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
17- قصة الذين اختبرهم الله سبحانه وتعالى ثَلَاثَةً من بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ ..

zd11.gif


قصة الذين اختبرهم الله سبحانه وتعالى ثَلَاثَةً من بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى



بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


هذا هو اللقاء السابع عشر .. والموعد اليوم مع قصة خرّج أحداثها الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَأَتَى الْأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي ( ) النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْإِبِلُ . فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ( ) ، فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .


فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : شَعَرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْبَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .


فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ . فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْغَنَمُ . فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا ، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا ( ) ، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ .


ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ ( ) فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي . فَقَالَ : الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .


وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .


وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، وَابْنُ سَبِيلٍ ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي ، فَخُذْ مَا شِئْتَ ، وَدَعْ مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ ( ) .


فَقَالَ : أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» .


ما أجملها من قصة ! وما أحسنها من موعظة !!


وفي القصة فوائد :


منها : أنّ الدنيا دار امتحان ، وإنما أوجدنا الله فيها ليبتلينا ، قال سبحانه : تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ .


ومنها : أنّ الملائكة يتشكلون ، وهذا ورد كثيراً في السنة .


ومنها : الترفق والتلطف في معاملة أهل البلاء ، فهؤلاء الثلاثة مما زاد البلاء عليهم اشمئزاز الناس . وهنا لطيفة لا يفوتني ذكرها .. لا شك أيها المستمع الكريم أنك تعلم أنّ من رأى مبتلى فالسنة أن يقول :« الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً» ، ولكن نص أهل العلم على أنه لا ينبغي أن يسمعه لئلا يجرحه .


ومنها : أن يحرص الإنسان على أن يكون ممن تدعوا له ملائكة الرحمن ، فلقد دعا الملك لهؤلاء الثلاثة بالبركة في المال فبارك الله لهم في أموالهم .


وممن تدعوا له الملائكة من دعا لأخي بظهر الغيب ، قال صلى الله عليه وسلم :« عند رأسه ملك موكل كلما دعا له قال : آمين ولك بمثل» .


وتتفرع عن الفائدة السابقة الفائدة اللحقة ، وهي :


أنّ الإنسان عليه أن يحذر من أن يدعو ملك عليه . وممن دعت عليهم الملائكة من أدرك رمضان ولم يغفر له ، دعا عليه جبريل ، وأمّن على الدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الدعاء لحظة صعود النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر .. فهل يُرد دعاءٌ هذا شأنه ؟


ومن الفوائد : أنّ النعم تزول بكفرانها وجحودها . وتبقى بشكرها ، قال تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ، وقال : لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ . فإن أردت بقاء ما أنعم الله به عليك فكن من القلة الشاكرة .


ومن أهم الفوائد : أنّ الإنسان عليه أن يتأدب مع الله في العبارة ، فقد قال الملك : فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ . وكثير من الناس يأتي هنا بحرف الواو الدال على التسوية ، والتسوية لا تسوغ بين الخالق والمخلوق .. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان » [رواه أحمد وأبو داود].


فلا تقل : لولا الله وفلان ، ولكن قل : لولا الله ثم فلان . لا تقل : أعوذ بلله وبك ، ولكن قل : بلله ثم بك وهكذا .


ومن الفوائد ما جاء في كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد :" أنّ الرسول  يقص علينا أنباء بني إسرائيل لأجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى، وهو أحد الأدلة لمن قال : إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه،ولا شك أن هذه قاعدة صحيحة".


ومنها عظيم قدرة الله الذي أذهب عنهم البلاء في طرفة عين .


ومنها : جواز الدعاء المعلق ، إن كنت كاذباً فصيرك الله . وفي دعاء الاستخارة :«اللهم إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر » .


ومنها : ثبوت الإرث في الأمم السابقة، لقوله : (ورثته كابرا عن كابر)


ومنها أنّ من صفات الله الرضى والسخط ونحن نثبت معناها ونفوض كيفها لأن الكيف لا يُعلم إلا بمشاهدة من أُريد تكييفه ، أو بمشاهدة مثله ، أو بخبر صادق يخبر عنه .


قال ابن حجر :" وَفِيهِ فَضْل الصَّدَقَة وَالْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامهمْ وَتَبْلِيغهمْ مَآرِبهمْ ، وَفِيهِ الزَّجْر عَنْ الْبُخْل ، لِأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبه عَلَى الْكَذِب ، وَعَلَى جَحْد نِعْمَة اللَّه تَعَالَى .


أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
18- قصة جريج العابد و الطفل الدي تكلم في المهد

zd11.gif





قصة جريج العابد و الطفل الدي تكلم في المهد





بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


القصة الثامنة يريها لنا عن نبينا أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ – ثم ذكر قصة جريج هذا فقال : - وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً ، فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ . فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ؟ قَالَ " فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ ، فَاسْتَنْزَلُوهُ ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ . فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ . فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي . قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ؟ قَالَ : لَا ، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُوا.


أخرجها البخاري في كتاب الجمعة ، باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة .


ومسلم في كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .


ما أعظمَها من قصة .


أول وقفة أقف معها أنّ من الفوائد التي تدفقت من جوانب هذه القصة أنّ العفة من سمات الإيمان .. كيف ذلك ؟ لأن الله قال :} إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا{ ، وقد دافع ها هنا عن أهل العفة ، فعُلم أنّ العفة من الإيمان .


لقد دافع الله عنهم في مواطن كثيرة .. أولئك الذين آثروا رضوان الله على شهوات أنفسهم، أولئك سادات عباد الله ، إنهم ملائكة يمشون على ظهر هذه الأرض ، سمت نفوسهم ، ورسخ الإيمان في قلوبهم، فلم تحركهم هذه النزعات الشهوانية ، جعلنا الله من أولئك الأخيار الأطهار .


من العجائب والعجائب جمَّة أن كثيراً من العفيفين اتهم في عرضه :


اتهم جريج كما في هذه القصة ..


اتهمت أمنا عائشة رضي الله عنها ، فقد أشاع المنافقون حديث الإفك ..


اتهم يوسف رمته امرأة العزيز بدائها وانسلت ، قالت لبعلها :} ما جزاء من أراد بأهلك سوء{ !!


اتهمت مريم عليها السلام .


ولكن الله تولى الدفاع عنهم ، فدافع عن جريج العبد الصالح ..


ومن العفيفين الذي دافع الله عنهم : أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولعنته على من قلاها أو سبها .


لما اتهم الناس عائشة وهي سيدة الطاهرين والطاهرات رضي الله عنها أنزل الله قرآناً يُتلى ؛ دفاعاً عنها ، فقال في ذلك :} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { .


ولما رمت امرأة العزيز يوسف بقولها :} مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ .. دافع الله عنه ، فأشهد كل من له تعلق بالقصة ببراءته ..


المرأة المراودة زوج العزيز قالت:} أنا راودته عن نفسه{ ..


زوجها الملك قال :} إنه من كيدكن { ، شهد شاهد من أهلها :} وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ{ فبان أنّ الأمر كذلك . النسوة قلن :} حاشا لله ما علمنا عليه من سوء{ . شهد بها الله وكفى بالله شهيداً :} كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ . بل شهد ببراءته إبليس عليه اللعنة لما قال :} قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ ، والله قال عن يوسف عليه السلام :} كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ ..


منهم مريم عليها السلام ، رماها قومها بالفاحشة ، } قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا{ ، فأنطق الله صبيها في مهده ليدافع عنها كما أنطق الصبي في قصة جريج ، فهاتان كرامتان ، مما يدل على أنّ العفيفين من أولياء الله ، لأن الكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله على يد أوليائه . فدافع الله عنها بقوله :} وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{ ، وقال :} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ{ .


فما أعظمَ دفاعَ الله عن العفيفين .


وكيف لا تكون العفة بهذه المكانة السامية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ» .. فهنيئاً لهؤلاء الكرام الذين طهرت نفوسهم ..


من مهمات الفوائد في هذه القصة فائدة أخاطب بها كل والد ووالدة : مهما أساء الابن إليكم ، لا تحاولوا أن تدعوا على أبنائكم ، لا تدعوا إلا بخير، ادعوا لهم بالصلاح والخير والتوفيق . فدعاء الأم والأب مستجاب سواء كان للولد أو عليه . فلا ينبغي في لحظة غضب وساعة انفعال سريعاً ما يزول لا ينبغي أن يُرفع منك دعاء على ولدك ، فإن الله إذا استجاب آلمتكم نفوسكم ، وأنبتكم ضمائركم ، وامتلأت بالأسى قلوبكم ، فلنتعقل أخي الأب وأختي الأم .


من الأحكام المهمة التي اشتملت عليها هذه القصة أن الأب أو الأم إذا نادى على ابنه وكان يصلى نافلة فالواجب عليه أن يلبي نداء والديه . وفي المسألة خلاف يرجع إليه في مظانه ، وهذا هو الصحيح ، وهو وجه في المذهب الشافعي. وقول المالكية.


وهي فائدة تجر بأختها : أنّه إذا تزاحم واجب ومستحب قدم الواجب .


وعلى الابن أن يحذر من غضب والديه ، ففي رواية لهذه القصة :}فَغَضِبَتْ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا يَمُوتَن جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُر فِي وُجُوه الْمُومِسَات» ، فغضب الله في غضب الوالدين ، ورضاؤه في رضائهما ، أما ترى أن هذا الرجل من أولياء الله ، أجرى الله على يديه هذه الكرامة، ولكن لما غضبت أمه عليه لم يمنع صلاحه من استجابة الله لدعائها . ولذا قال الإمام مسلم رحمه الله عند هذا الحديث : باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .


والمومسة : البغي الزانية . وجمعها مومسات ، و مَوَامِيس .


وفي بداية هذه القصة قال النبي صلى الله عليه وسلم :« لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ» .. ولا يشكل علينا أنّ من وردت النصوص بأنهم تكلموا في المهد أكثر من ذلك ، فتكلم هذا الصبي ، وعيسى عليه السلام ، والشاهد في قصة يوسف ، وصبي أصحاب الأخدود ،.. أقول : لا إشكال بين هذا وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم :« لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ» ، فإما أن يُحْمَل هذا الحصر عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَعْلَم الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ كما نقله ابن حجر عن القرطبي رحمهما الله ، أو يقال : الشاهد في قصة يوسف كان كبيراً ، وأما اثر ابن عباس الذي فيه أنه تكلم في المهد فقد حكم ابن حجر عليه بالضعف ، والله أعلم.


من دروسها أنّ الحسد داء عضال ، إن قوم هذا الرجل لما لم يتمكنوا من أن يكونوا مثله فحسدوه ، وحاولوا الإضرار به، وقد قيل :" ودت الزانية أن لو زنى الناس جميعاً ".


لقد أخطأت تلك البغي في تقديرها للأمور ، وحسبت أنّ النزعة الشهوانية البهيمية تسيطر على الناس كلهم كما الحال عندها ، وما علمت أنّ من عباد الله من لا تهون عليه المعصية ولو ضُرب عنقه ومزقت أوصاله .


إنّ جريجاً هذا يذكرنا بفعل الربيع بن خثيم ، فقد حاولت بغي إغراءه في مكان لم يضمَّ غيرَهما، فلم يعبأ بها ، وقال لها في نفسها قولاً بليغاً ، فكان سبباً لتوبتها . إن من عباد الله من يرد امرأة جاءت إليه راغبةً فيه؛ لخوفه من الله ، ومنهم من يسعى بنفسه إلى مقارفة الفواحش ويبذُلُ لذلك كل جهده .. فيا بعد ما بينهما .


إنَّ التبين والتريث والتثبت أمر دلت هذه القصة على أهميته ، ولو كان في قائمة أخلاقهم لما ضُرب جريج ظلماً .. كان الأحرى أن يتبينوا منه قبل أن يقدموا على حماقاتهم هذه . ولقد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما فعل حاطب لما تحرك جيش الإسلام لفتح مكة فاستدعاه وقال له :« ما حملك على ما صنعت» وهو رسول الله يُوحى إليه . إنه لا أحد أحبُّ إليه العذر من الله كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .


من اللطائف التي تستفاد : أنّ مما يعين على العبادة أن تتخذ لها مكاناً بعيداً عن الناس ؛ لئلا ينشغل المرء بهم .


وفيها إثبات الكرامة وأنها كانت في الأمم السابقة .


وفيها أنّ الكلام في الصلاة لم يكن محرماً عندهم لقول جريج في صلاته : اللهم أمي وصلاتي . ولم يكن حراماً في ديننا في بداية الأمر حتى نزلت الآية :} وقوموا لله قانتين{ .


وفي القصة معنى قوله تعالى عن المنافقين :} وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء{ ، أُخذت من تذاكرهم لعبادة جريج .


وفيها الاستعانة بالصلاة كما قال رب العالمين :} وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ{ ؛ فإن جريجاً لما جيء له بالغلام طلب أن يصلي قبل أن يسأله .


وفيها معنى :} ويمكرون ويمكر الله {


وفيها أنّ التمسح والتبرك بالصالحين فعل من لا يقتدى بفعله ، فالذين أخذوا في ضربه هم من فعل ذلك ، ألا وإن التبرك بالصالحين ذريعة إلى الشرك وبدعة في الإسلام ، وليس من أحد يتبرك به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .


وفيها أنّ الضمان يُؤخذ ولا حرج في ذلك ؛ فقد أمرهم أن يعيدوا صومعته كما كانت .


وفيها حسن خلقه إذ لم يرض منهم أن يشيدوها من الذهب .


وفيها : سوء عاقبة الغضب ؛ فبالغضب دعت أم جريج عليه ، ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .


وفيها أنّ الزِّنا قبيح محرم في جميع الشرائع السابقة .

zd11.gif
 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
19- قصة عن ليلة القدر

zd11.gif


[h=1] قصة عن ليلة القدر[/h]


بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء العشرون .. نلتقي بعبادةَ بنِ الصامت ليحدثنا عن أمر وقصة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة :«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ –وهذه هي القصة : تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ- قال: وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» .


أخرجه البخاري رحمه الله . وهو عند غيره ، ولكنَّ الحديثَ إذا كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما .


هذه القصة اشتملت على غريب وفوائد ..


أما الغريب والكلمات التي تحتاج إلى شرح فهي كلمة واحدة (تلاحى) ، ومعناها : تخاصم .


والرجلان : قال في الفتح :" قِيلَ هُمَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي حَدْرَد ، وَكَعْب بْن مَالِكٍ . ذَكَرَهُ اِبْن دِحْيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا".


وأما ليلة القدر فسميت بذلك لأمور :


1/ أن الأمور تُقدر فيها . قال تعالى : }فيها يُفرق ...{


2/ أنها ذات قدْر وشرف . ومن عبد الله فيها كان ذا قدر .


3/ لأن الأرض تضيق بالملائكة ، قال تعالى :} فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ { يعني : لن نضيِّقَ عليه .


4/ ولأن من لم يكن ذا قدر صار بقيامها والعبادة فيها ذا قدر.


5/ ولأنه نزل فيها كتاب ذو قدر ، على أمة ذاتِ قدر ، بواسطة ملَك ذي قدر .


بقي أن أقف مع فوائد هذه القصة ، فالقصة هذه مع قصرها :« تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ» فقد حوت الكثيرَ من الفوائدِ . أذكر منها إحدى عشرة فائدة:


الأولى :


حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ما ينفعنا ، فقد خرج ولاهمّ له إلا أن يطلع الناس على موعد ليلة القدر . فهو من قال الله تعالى عنه :} لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{ .


ولقد قال صلى الله عليه وسلم :«إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَجَعَلَتْ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ» [أخرجه الشيخان] . فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته .


الثانية :


أنّ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لا يعلمون الغيب . ومن المقرر في عقائد المسلمين أن الأنبياء لا يعلمون من الغيب إلا القدر الذي أذن الله فيه ، قال تعالى :} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا{ . وقال عن سيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم :} وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{ . وهل أدلُّ على ذلك من قصة الإفك التي ترك فيها زوجَه عائشة رضي الله عنها في الفلاة لوحدها ؟


الثالثة :


أنّ الخصومة بين الناس فسادٌ وشر . ومن شؤمها أنّ الله تعالى لم يطلعنا على زمن هذه الليلة بسببها . قال الإمام البخاري في تبويب هذا الحديث :" بَابُ رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِتَلَاحِي النَّاسِ". وقد بينت النصوص الصحيحة أنّ لها آثاراً سيئة على الفرد والجماعة ..


فمن شؤمها أنّ أصحابها محجوبون عن المغفرة التي تكون ليلة النصف من شعبان . فلقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال :«إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ على جميع خلقه ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» .


ومما يجلي ذلك كذلك هذا الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم :« تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» [أخرجه مسلم] .


ومن هذه الآثار السيئة أنّها تذهب بدين الإنسان ، قال نبينا صلى الله عليه وسلم :« فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين» .


فعلى المسلم أن يبادر بالعفو عن إخوانه طلباً لمرضاة ربه ، أما يكفيك قول الله تعالى للصديق الأكبر .. لسيد الأولياء أبي بكر الصديق رضي الله عنه :} وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{


ما انتهى أبو بكر رضي الله عنه من سماعها إلا قال :" بَلَى ، وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي" . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ : "وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا" [أخرجاه في الصحيحين] .


الرابعة :


لا يُعلم وقتُ ليلة القدر تحديداً كما دل عليه هذا الحديث ، ولكن دلت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها في العشر الأخيرة من رمضان ، ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» . وفي الصحيحين قال :«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . فينبغي أن يلتمسها المسلم في العشر كلها . لأن قوله صلى الله عليه وسلم :« الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» محتمل لأمرين . قال ابن حجر رحمه الله :" يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالتَّاسِعَةِ تَاسِع لَيْلَة مِنْ الْعَشْر الْأَخِير ، فَتَكُونَ لَيْلَةَ تِسْع وَعِشْرِينَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِهَا تَاسِع لَيْلَةٍ تَبْقَى مِنْ الشَّهْر فَتَكُون لَيْلَة إِحْدَى أَوْ اِثْنَيْنِ بِحَسَبِ تَمَام الشَّهْر وَنُقْصَانِهِ... وفي المسند فِي :«تَاسِعَةٍ تَبْقَى » ". ولذا ينبغي الاجتهاد في العشر كلها.


الخامسة :


لا يمكن أن يقدر الله شراً محضاً ، ففي هذه القصة قال النبي صلى الله عليه وسلم :« فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» ، وهذا معنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«والشر ليس إليك» .


السادسة :


أنّ في رفع ليلة القدر خيراً . ولعل الحكمة في رفع ليلة القدر – أقصد رفعَ تعيينها- أن يجتهد الإنسان في العشر كلها فيكونَ ذلك خيراً له . كما أخفى على الإنسان وقت موته لشغل كل وقته بطاعة الله . قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :" فَعَسَى أَنْ يَكُون خَيْرًا " فَإِنَّ وَجْهَ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَة أَنَّ خَفَاءَهَا يَسْتَدْعِي قِيَام كُلّ الشَّهْر أَوْ الْعَشْرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ مَعْرِفَةُ تَعْيِينِهَا".


السابعة :


أنّ من علم بليلة القدر فالسنة أن لا يخبرَ بها ، لئلا يتكاسل الناس بقية الشهر ، ولأن علمه لا يعدو أن يكون ظناً . وقد أشار في الفتح لهذه الفائدة .


الثامنة :


تقدير الأمور بأسبابها ، قال :«تلاحى فرفعت» .


التاسعة :


تسلية من فاته خيرٌ يرجوه . لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» .


العاشرة :


أهمية تحري ليلة القدر .


وهذا التحري لتلك الليلة لما للعبادة من أجر عظيم فيها ، قال تعالى :} ليلة القدر خير من ألف شهر{ . أي : العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . وقد ثبت في الصحيحين قول نبينا صلى الله عليه وسلم :«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» . ومن حكم الاعتكاف في العشر : أنه يعين على تحري ليلةِ القدر .


واعلم أيها المستمع الكريم – وفقك الله- أنّ هذه الليلة لها علامات ثابتة في السنة النبوية ..


منها : ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :«تَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : « ليلةٌ سَمْحَةٌ طَلِقَةٌ ، لا حارةٌ ولا باردةٌ ، تُصبحُ الشمسُ صبيحتها ضعيفةً حمراءَ» [أخرجه ابن خزيمة والبزار] .


فهي ليلة يضاعف ثواب العمل فيها ، وليست نوراً يأتي للإنسان كما تتوهمه بعض النساء .


الفائدة الأخيرة :


أن من عقيدة أهل السنة – وهنا أشير إلى أني لا أقصد بأهل السنة جماعةً .. فأعوذ بالله أن أدعو إلى جماعة أو حزب أو طائفة أو جمعية، وإنما أُريد بهم من أخذ بالسنة وتمسك بها كما عرفهم ابن تيمية رحمه الله – أقول من عقيدتهم عدم عصمة الصحابة ، وسوف لن أجد هنا كلاماً أنقله أفضل من كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله :" وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ ؛ بَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَهُمْ مِنْ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إنْ صَدَرَ ، حَتَّى إنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ " " وَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ " ، ثُمَّ إذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ ، أَوْ أَتَى بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهُ ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ ، أَوْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا كَفَّرَ بِهِ عَنْهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ فَكَيْفَ بِالْأُمُورِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ : إنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ لَهُمْ ؟ ثُمَّ الْقَدْرُ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمِ وَبَصِيرَةٍ وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضَائِلِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ هُمْ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى".

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
20- قصة كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ...

zd11.gif



[h=1] قصة كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» .[/h]



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .


هذا هو اللقاء السادس والعشرون ، قصةٌ رواها من الصحابة جُنْدَبُ بنُ عبد الله رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» .


هذه القصة أخرجها الشيخان في الصحيحين .


وما مضى لفظ الإمام البخاري . لفظ مسلم :« إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا ، فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » .


وأقف معها ستَّ وقفات :


الوقفة الأولى في شرح الغريب .


الْقَرْحَة بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَهِيَ وَاحِدَة الْقُرُوح ، وَهِيَ حَبَّاتٌ تَخْرُجُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ . أو هي الجرح إذا دبَّ إليه الفساد . وبهذا يُجمع بين الروايتين ، فكان به جرح ثم آل إلى قَرحة .


وَالْكِنَانَةُ بِكَسْرِ الْكَاف هِيَ : جَعْبَة النُّشَّاب –هكذا بفتح الجيم- ، سُمِّيَتْ كِنَانَة ؛ لِأَنَّهَا تَكِنُّ السِّهَام ، أَيْ : تَسْتُرهَا .


ونكأها : فتحها وخرقها .


«حزّ بها يده» : قطعها . جزع : لم يصبر . «فما رقأ الدم» : لم يتوقف تدفقه .


الوقفة الثانية :


من أهم الفوائد التي أرشدت إليها هذه القصة : أنّ الانتحار من كبائر الذنوب . نهى الله عنه بقوله :} ولا تقتلوا أنفسكم{ . وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل نفسه في أحاديثَ كثيرةٍ .. ففي مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم :«مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ» ، وفي رواية :« َمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وفي أخرى :« مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وفي صحيح البخاري :« الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».


وثبت في الصحيحين قولُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم :« مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» .


واسمع هذه الحادثةَ –أخي الكريم- لتعلم خطورة الإقدام على هذه الحماقة ، حماقةَ الانتحار .


ثبت في الصحيح عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالُوا : مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا . قَالَ : فَخَرَجَ مَعَهُ ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ ، قَالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ :«وَمَا ذَاكَ» ؟ قَالَ : الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ : أَنَا لَكُمْ بِهِ . فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ :«إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .


وثبت أنّ رجلاً قتل نفسه فلم يصلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم .


الوقفة الثالثة :


الذي حمل هذا الرجل على أن يقدم على هذه الحماقة : الجزع . ولذا فالصَّبر خير عزاء لأهل البلاء ، وأيم الله أيها المستمعون ، لا يبرح الصبر قائمة أخلاقنا إلا ساء عيشنا ، وتغصت حياتنا ، والعكس بالعكس ، ولذا من درر علي رضي الله عنه :" وجدنا خير عيشنا بالصبر".


الصبر كاسمه ، مرٌّ مذاقته ، لكن عواقبه ، أحلى من العسل .


ومما يحمل على الصبر : أن يُعلم : أنّ الانتحار لن يزيل البلاء ، وإنما سيزج بأهله في النار ، وهذا بلاء ما بعده بلاء .


الذي تتراكم عليه الهموم فيصبر سيكفرُ الله عنه سيئاته ، ويدخلُه مدخلاً كريماً .


والذي يُصاب بالمصائب فيقتل نفسه انتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب جهنم .. ما أجملَ عاقبة الصبر . وما أقبحَ هذه الجريرة التي تجر بأصحابها إلى نار جهنم .


الوقفة الرابعة :


في القصة أنّ هذا الرجل استعجل الراحة فعوقب بأن حرم الله عليه الجنة ، فلم يحظ بمراده . ففيه دليل على القاعدة المعروفة : من استعجل الشيءَ قبل أوانه عوقب بحرمانه .


الوقفة الخامسة :


ليس أحاديث تحريم قتل الإنسان لنفسه دليلاً على مذهب الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الكبائر . فعقيدتنا أنّ كل ذنب سوى الشرك بالله لا يُخلد صاحبه في النار . وإنما هو تحت المشيئة ، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذب أصحابه ، ولكنهم لا يُخلدون في النار ، فلا يخلد في النار إلا الشرك بالله .


فإن قيل : كيف نوفق بين هذا وبين قول الله تعالى : حرمت عليه الجنة .


الجواب بواحد من الوجوه التالية :


1. أنّ هذا الرجل كان مستحلاً ، ومستحل الحرام كافر مخلد في النار .


2. أو يقال : حرمها عليه حين يدخلها الأبرار ، ثم يكون يدخلها بعد ذلك .


3. وَيُحْتَمَل أَنَّ شَرْع أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر تَكْفِير أَصْحَاب الْكَبَائِر


4. أو أنّ هذا الرجل كان كافراً في الأصل وعوقب بذلك زيادةً على كفره .


5. أو أنّ المراد جنةٌ معينة ، كالفردوس مثلاً .


وقيل غير ذلك . وعلى أية حال فلا يمكن أن يتمسك التكفيريون بمثل هذه النصوص . وسأورد قصةً هي قاصمة الظهر لهم ..


عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ ، وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ . فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ» [خرجها مسلم في صحيحه] .


فأين يفرون من هذه القصة ؟


الوقفة السادسة:


وأختم بها إن شاء الله :


ليس في الحديث دليلٌ للمعتزلة . ماذا يقول المعتزلة ؟ يقولون : المقتول مقطوع عليه أجله . ولولا قتل القاتل لنفسه أو لغيره لعاش المقتول .


وهذا سفه قلّ مثله . ومن عجب أنهم استدلوا بهذا الحديث .«بادرني عبدي بنفسه» . فقالوا : كان أجله إلى أبعد من ذلك فبادر به .


والرد عليهم من وجوه كثرة أجتزئ منها وجهين :


الأول : المراد بالمبادرة مباشرة الأسباب المحرمة . قال ابن حجر رحمه الله :" هي مُبَادَرَة مِنْ حَيْثُ التَّسَبُّب فِي ذَلِكَ وَالْقَصْد لَهُ وَالِاخْتِيَار ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَة لِوُجُودِ صُورَتهَا". أي : وليس المراد أنّ له أجلاً غير هذا لم يبلغه . فالقاتل يعاقب لأنه باشر الأسباب المحرمة .


الثاني : كيف يكتب الله أجلاً للإنسان ولا يبلغه؟ أجل الله لا يتقدمه أحد ولا يستأخر عنه . قال تعالى :} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ{ .

zd11.gif


 
أعلى