كتاب العقيدة الإسلامية....اعرف دينك من خلاله

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
1010.png





zd11.gif



العقيدة الإسلامية

العقيدة حُكم لا يقبل الشك، ورباط يُوثِّق صلة الإنسان بدينه أو فرقته أو
مذهبه. والمبادئ التي يُؤمن بها الإنسان، ويدافع عنها. وقد ظهرت عقائدُ مختلفة على مدار التاريخ، واتخذ فيها الناس آلهة يعبدونها؛ فمنهم من عبد الأوثان والكواكب، ومنهم من عبد الملوك والشياطين، وكان كل فريق يتعصَّب لما
يعتقده -وإن كان يعلم أنه لا يضرُّه ولا ينفعه- ويقول: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. ومنهم من عبد الله الواحد الأحد على الحنيفية السمحة.
والمسلم يبذل نفسه وماله، وكل غالٍ ورخيص فى سبيل عقيدته التى آمن بها وصدَّق بأركانها، ويُؤمن بأن عقيدته قولٌ باللسان، وتصديق بالجَنان، وعمل بالأركان. وأنها منهاج شامل يُجيب عن كل تساؤلات الإنسان.
والعقيدة الإسلامية واضحة، وليس فيها طلاسم غير مفهومة، وليس فيها لَبْس ولا التواء، وقد وجد فيها الكثيرون من أتباع العقائد الأخرى ما يُقنع عقولهم، ويشبع أنفسهم التَّوَّاقة إلى المعرفة؛ فآمنوا بها، وسلكوا طريق الحق والرشاد، فارتاحت أنفسهم الحائرة، واطمأنَّتْ إلى ذلك النور المبين.

zd11.gif


 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإسلام والإيمان

zd11.gif


الإسلام والإيمان

سأل جبريل -عليه السلام- الرسول ( عن الإسلام؟ فقال
:) (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا). فسأله عن الإيمان؟ فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) [مسلم].
وعندما أتى وفد قبيلة عبد القيس إلى رسول الله ( رحَّبَ بهم، ودعاهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، فقال: (أتدرون ما الإيمانُ بالله وحدَهُ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، وصيامُ رمضانَ، وأن تعطوا من المغنم الخُمُسِ) [متفق عليه]. والرسول ( في هذا الحديث يُعرِّف الإيمان بتعريف الإسلام.
إذن إذا ذكر الإسلام مع الإيمان -كما جاء في حديث جبريل- قُصِدَ بالإسلام العبادات الظاهرة من صلاة وصيام وزكاة وحج..الخ، وقصد بالإيمان اعتقاد القلب بالله وملائكته ورسله وكتبه.. الخ، أما إذا ذكر الإيمان وحده شمل الإسلام، وإذا جاء الإسلام وحده شمل الإيمان كما في قوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين . فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} [الذاريات: 35-36].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
أركان الإسلام

zd11.gif


أركان الإسلام

شبَّه الرسول ( الإسلام بالبناء الضخم، القائم على أسس وأعمدة قوية متينة، قال :) بُنِي الإسلامُ على خمسٍ؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِِ الزَّكاةِ، والحجِّ، وصَوْمِ رمضان) [متفق عليه].
وهذه القواعد هي أقوى ما في البناء، وهي التي تحمله، ولكنها ليست كلَّ شيء في الإسلام، فهناك أشياء تكمل صرح الإسلام العالي؛ فعندما سئل :) أي الإسلام خير؟ قال: (تُطْعِمُ الطَّعامَ، وتَقْرأُ السَّلامَ على من عَرَفْتَ ومن لم تَعْرِفُ) [البخاري].
وقال :) (المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانِهِ ويدِهِ...)
[متفق عليه].
ويمكن القول بأن الإسلام والإيمان وجهان لعملة واحدة، فالعمل الصالح يدل على وجود الإيمان، ووجود الإيمان يدفع إلى العمل الصالح، والرسول ( جعل صلاح الأعضاء مرتبطًا بصلاح القلب، فقال :) (ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجسدُ كلُّهُ، أَلاَ وهي القلبُ) [متفق عليه].
وجعل الأعمال الصالحة من الإيمان فقال :) (الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شُعْبَةً، أعلاها قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأَذى عن الطَّريق).
[متفق عليه].
والصلاة -على سبيل المثال وهي من أركان الإسلام- سمَّاها الله إيمانًا، فقال تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143].
والصلاة يشترط لها النية، والنية من أعمال القلب، وفيها قراءة ما تيسر من القرآن وهذا من الإيمان بالكتب التي أنزلها الله، وينطق المسلم فيها بالشهادتين وهما من أركان الإسلام، وفيها غير ذلك، فهي إذن تشتمل على أعمال الإيمان، وأعمال الإسلام، فالإسلام بدون إيمان لا ينفع، فمن آمن بقلبه ولم يعمل بأعمال الإسلام لم يكن من المؤمنين حقًّا، ومن قام بأعمال الإسلام ولم يؤمن قلبه، فلن تنفعه هذه الأعمال.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
أركان الإيمان

zd11.gif


أركان الإيمان

عقيدة المسلم الحق راسخة قوية، إنها تشبه الموتور (المحرك)، فهي تحرك كل شيء في حياته، وتدفع النفس لعمل الخيرات والسعي إلى الصالحات، وقد أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل؛ ليبيِّنُوا للناس العقيدة الصحيحة، التي لا تهتز ولا تضعف. وهؤلاء الناس أمام الله -عز وجل- فريقان، فريق تمسك بالعقيدة الصحيحة، فهو في حياة سعيدة مطمئنة وفي النعيم المقيم في الآخرة، وفريق آخر بلا عقيدة، أو صاحب عقيدة ضالة، فهو في حياة شقية، وفي العذاب المهين يوم القيامة.
والرسول ( يأخذ بأيدينا نحو الفهم الصحيح للعقيدة السليمة، ويبين لنا أركان تلك العقيدة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فمن تمسك بهذه الأركان وحققها في نفسه، وعاش في ظلالها، واحتمى بحصنها، نُجِّي من مهالك الشرك، وسعد في الدنيا، وفاز بالنعيم في الآخرة. فما هي عقيدة المسلم التي يجب عليه أن يتمسك بها؟
الغلام المؤمن:
في لحظة من لحظات الصفاء.. اتصلت القلوب بالله، وتعلقت النفوس بربها، ففاضت بالإيمان الذي استقر فيها.. فهتف الناس جميعًا: آمنا برب الغلام. كيف حدث ذلك؟!.. كان في الأمم السابقة ملك معروف بالظلم والجور، وبلغ به الأمر أن ادَّعى الألوهية، وكان لهذا الملك ساحر عجوز.
وفي يوم من الأيام جاء الساحر إلى الملك، وقال له: أنت تعلم يا مولاي أني قد كبرت، فأرسل لي غلامًا أعلمه السحر، حتى لا تبقى البلاد بدون
ساحر. فاستجاب له الملك، وبعث له غلامًا معروفًا بالذكاء، وكان الغلام كلما ذهب إلى الساحر مرَّ في طريقه على صومعة بها راهب يعبد الله.
وذات يوم جلس الغلام عند الراهب، فأعجبه كلامه، فاعتاد أن يقعد عنده كل يوم، وهكذا كان الساحر يُعَلِّم الغلام السحر، وكان الراهب يعلمه التوحيد والإيمان بالله تعالى، فتنازع الخير والشر في قلب الغلام، وذات يوم جاء حيوان ضخم كبير، وهاجم القرية التي فيها الغلام، فخاف منه الناس ودخلوا بيوتهم، ولم يستطيعوا الخروج.
فوجد الغلام أن هذا الموقف فرصة طيبة ليعرف مَنْ الأفضل، الساحر أم الراهب؟ فأخذ حجرًا، ثم قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة بهذا الحجر حتى يطمئن الناس، ثم رماها بالحجر، فقتلها بإذن
الله -تعالى- ورجع الغلام إلى الراهب يقص عليه ما حدث، فقال له الراهب في تواضع عظيم: أي بني، أنت الآن أفضل مني، والله -عز وجل- اختصك وحباك بكرامات عظيمة، وسوف يمتحنك الله ويختبرك في إيمانك.
وطلب الراهب من الغلام ألا يدل أحدًا على أنه هو الذي علَّمه التوحيد؛ حتى لا يصيبه الملك بأذى، وأخذ الغلام يشفي المرضى بإذن الله، ويبرئ الأكمه (الذي يولد أعمى) والأبرص بإذن الله، وكان من بين حاشية الملك رجل أعمى فسمع بأمر الغلام، فذهب إليه، وحمل معه هدايا كثيرة، وقال: كل هذا لك إن أنت شفيتني. فقال له الغلام: أنا لا أشفي، ولكن الذي يشفي هو الله -عز وجل-، فإن شئت آمنت به، فدعوت الله -عز وجل- فشفاك. فآمن جليس
الملك؛ فشفاه الله.
وفي اليوم التالي ذهب الجليس إلى مجلس الملك كما كان يجلس سابقًا، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال:ربي. قال الملك: أولك رب غيري؟ قال الجليس: ربي وربك الله. فأخذه الملك وظل يعذبه حتى دله على الغلام، فأرسل الجنود وأحضروا الغلام، وظلوا يعذبونه حتى أخبرهم عن الراهب، فأحضروا الراهب، وقيل له: ارجع عن دينك فرفض، فأمر الملك جنوده بإحضار المنشار، ووضعوه على رأس الراهب فشقوه نصفين، ثم أحضروا جليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك، فرفض، فجاءوا بالمنشار ووضعوه على رأسه وشقوه نصفين. ثم جاءوا بالغلام فقال له الملك:ارجع عن دينك، فرفض الغلام. فقال الملك لبعض جنده: خذوه فاصعدوا به فوق الجبل، فإذا وصلتم قمته فاطلبوا منه أن يرجع عن دينه، فإن رفض؛ فألقوا به من فوق الجبل.
وصعد الجنود بالغلام إلى قمة الجبل، ولما وصلوا إلى أعلى مكان في الجبل، دعا الغلام ربه -عز وجل- فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتز الجبل وارتعد، وسقط جنود الملك من فوق الجبل، ونزل الغلام من على الجبل وهو يحمد الله، ثم ذهب إلى الملك. فقال له الملك: ماذا فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله.
فأمر الملك بالقبض عليه ثم أعطاه لمجموعة من الجنود الأشداء، وقال لهم: خذوه وضعوه في قارب، وادخلوا به إلى وسط البحر، وقولوا له: ارجع عن دينك، فإن لم يفعل فألقوه في البحر. فأخذ الجنود الغلام، وذهبوا به إلى وسط البحر، وهناك دعا الغلام الله -عز وجل- كما قال في المرة السابقة: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانقلب القارب، وغرق الجنود كلهم، وأنقذ الله الغلام، فعاد إلى البر.
وحدَّث الغلام نفسه: أنا آخر مؤمن في هذا المكان، فقد قُتِلَ جليس الملك، وقد قُتِلَ الراهب، ولم يبق إلا أنا ومعي أمانة لابد أن أبلغها، إنها دعوة الناس إلى الإيمان بالله -عز وجل -، وهدى الله الغلام لفكرة صائبة، فذهب إلى الملك، وقال له: أيها الملك، إنك لن تقتلني حتى تفعل شيئًا بسيطًا آمرك به.
فتعجب الملك؛ وقال: وما هو؟ قال الغلام: تجمع الناس في مكان فسيح، ثم تصلبني على جذع بحيث يراني كل الناس، ثم تأخذ سهمًا من سهامي، ثم تضع هذا السهم وسط القوس، وتقول بصوت عال: باسم الله رب الغلام، ثم ترميني بهذا السهم، فإن فعلت ذلك قتلتني.
فجمع الملك الناس في مكان واحد، وصلب الغلام على جذع، ثم أخذ سهمًا من سهام الغلام، ثم رماه، فوقع السهم على صدغ الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه ومات، فحدث ما كان يخشاه الملك، فقد هتف الناس جميعًا: آمنا برب الغلام ! آمنا برب الغلام! [مسلم].
أصول العقيدة:
والإيمان بالله تعالى هو الركن الأول من أركان الإيمان التي أوضحها الرسول
(، وذلك عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله...) [مسلم].
والإيمان بالله هو روح الإسلام، وأهم ركن من أركان العقيدة الصحيحة، ومعنى الإيمان بالله هو أن يعتقد المسلم أن الله هو رب كل شيء في هذا الوجود، ولا رب سواه، وأن الله خالق كل شيء ولا خالق غيره، وهو المحي والمميت، والنافع والضار، وهو وحده -سبحانه- الذي يستحق العبادة. ويعتقد المسلم أن
الله -تعالى- متصف بكل صفات الكمال، مُنزَّه عن كل صفات النقص.
والإيمان بالله هو أصل العقيدة وأول أركانها، فهي تدور في فلكه، وتستقي من منابعه، فالمسلم إذا آمن بالله ربًّا فسوف يؤمن بملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، فلن يكون هناك إيمان بالرسل إلا إذا وُجد الإيمان بالله -عز وجل- الذي أرسلهم، ولن يكون إيمان بيوم الحساب إلا بعد الإيمان بالله. والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالله

zd11.gif


الإيمان بالله

الإيمان بوجود الله تعالى:
المسلم يؤمن بأن وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس والمشاهدة.
الفطرة تنطق بوجود الله:
كانت الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب، عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه، ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس:22] .
وهكذا فطرة البشر تلجأ إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله -عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]. قال :) (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه (يجعلانه يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)، أو يمجِّسَانه (يجعلانه مجوسيًّا) [البخاري].
والمسلم يؤمن بوجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من هؤلاء الزنادقة إلى الإمام
الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم (الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر: حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟
قال: بل رجوت السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجود الله:
سأل بعض القدرية- الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله -عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.
وقد سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
والمسلم يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون . أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون} [الطور: 35-37].


دلالة الشرع على وجود الله:
والمسلم يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله موجود، والأحكام التي فيها دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله} [النحل: 36]. وقال: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]. وقال: {وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 85] وقال: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله} [المؤمنون: 23]. وقال: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16].
دلالة المشاهدة على وجود الله:
والمسلم يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم، وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].
وزكريا -عليه السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90] .
وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول ( يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فأخذ الرسول ( يدعو وهو رافع يديه، فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل ( يديه، حتى إن المطر كان ينزل على رسول الله (، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع الرسول ( يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا علينا) فتوقف المطر. [متفق عليه].
معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:
اجتمع المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول ( أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم: (إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا- فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1].
والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما أيَّد الله به نبيه موسى -عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة، بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} [البقرة: 60].
وبينما يوجد في كل شيء في هذا الكون دليل على وجود الله تعالى، نجد الملحدين المنكرين لوجود الله ولا دليل من أي نوع معهم ولا حجة في أيديهم. وفطرة الإنسان وعقله يدلان على وجود الله -عز وجل- ويأتي الشرع ليؤكد هذه الدلالة، ويرشد الإنسان إلى أن خيره وسعادته في توحيد الله.
الإيمان بوحدانية الله:
قسم العلماء توحيد الله إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
1- توحيد الألوهية:
أحد.. أحد، إنها كلمات بلال التي يوحد بها ربه، عندما أرقده المشركون، وألقوا على صدره حجرًا كبيرًا يكتم أنفاسه في صحراء مكة، على الرمال الملتهبة في وقت الظهيرة. وهذا هو حال المسلم الحق، يوحد الله بأداء العبادة له وحده، فهو سبحانه المعبود بحق، ولا معبود غيره، فنصلى له، ونزكي له، ولا نعبد إلا إياه ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، فهو سبحانه المتصرف في الكون المستحق للعبادة.
والمسلم يعلم أن ألوهية شيء آخر غير الله باطلة، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62].
والنصارى ما عبدوا الله -عز وجل-، ولكن عبدوا ثلاثة أقانيم (أي: الإله الأب، والإله الابن، وروح القدس)، فقال عنهم الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد} [المائدة: 73].
والعرب وغيرهم اعترفوا لله بالخلق، ولكنهم أشركوا مع الله غيره في العبادة، فقال عنهم الله -عز وجل-: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
[يوسف: 106].
بل إن البشرية في أول ضلالها لم تمتنع عن عبادة الله، ولكنها عبدت الله، وعبدت معه آلهة أخرى، وكانت حجتهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر:3]. فكان الردُّ: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزغ عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 22-23].
وتوحيد الألوهية هو أول أمر دعا الرسل أقوامهم إليه. فكان أول ما يدعو النبي قومه يقول لهم: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 84].
ولما بعث الرسولُ ( معاذًا قاضيا على اليمن، قال له: (إِنَّكَ تَقْدُمُ على قومٍ من أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا
اللهَ -تعالى- فَإذا عَرَفُوا ذلك، فأخبِرْهُم أن الله فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن اللهَ افترضَ عليهم زكاةً تُؤْخَذُ منْ غَنِيِّهم فتردُّ على فَقيرِهم، فإذا أقرُّوا ذلك، فخذْ منهم، وتوقَّ -تجنب- كرائِمَ أموالِ النَّاس) [البخاري].
وتوحيد الله -عز وجل- حقيقة يدركها العقل السليم، فالله -عز وجل- إله واحد ليس معه إله آخر، وهو رب كل شيء ومليكه، ولا رب سواه، فماذا يحدث لو كان معه آلهة أخرى؟ هذه الآلهة لن تخرج عن شيئين؛ إما أنها ستتفق في تصريف الكون وإما ستختلف، فإن اتفقت فإما أن تتفق أن تعمل برأي إله منها، فلا معنى إذن لوجود الباقين، وإما أن يعمل كل إله بما يريد، وهذا يستلزم أن يختلفوا
ويتنازعوا، وتكون النتيجة أن تفسد السماوات والأرض، وقد قدم لنا
الله -عز وجل- هذه الحقيقة فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 22].
وقال: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [سورة الإخلاص: 1-4].
وإن كان توحيد الألوهية جوهر الإيمان فإن لا إله إلا الله، هي جوهر التوحيد.
كلمة التوحيد:
هي كلمة التقوى، أرسل الله الرسل من أجلها، وأنزل الكتب للدعوة إليها، وقام سوق الجنة والنار من أجلها، وانقسم الناس في الآخرة من أجلها فريقين؛ فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2].
لا إله إلا الله:
هي مفتاح الجنة، وتوجب المغفرة؛ لأن الرسول ( قال يومًا لأصحابه: (ارفعوا أيديكم بالدعاء، وقولوا: لا إله إلا الله)، فرفعوا أيديهم ساعة، فوضع رسول الله ( يده، وقال: (الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد)، ثم قال: (أبشروا فإن الله قد غفر لكم) [أحمد].
وهي أفضل ما قاله النبيون، قال :) (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) [مالك]. ومعنى (لا إله إلا الله) أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مقصود إلا هو، ولا مشرع سواه، وهي تتضمن نفي الألوهية عن كل الآلهة الباطلة وإثباتها لله- عز وجل-.
وهي سبب شفاعة الرسول ( للمؤمنين، قال :) (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ونفسه) [البخاري]. وهي (القول الثابت) الذي يثبت الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27]. وهي (العروة الوثقى) التي أمر الله عباده أن يتمسكوا بها. قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} [البقرة: 256].
وهي سبب النجاة في الآخرة، قال :) (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛حرّم الله عليه النار) [مسلم].
ولا إله إلا الله ليست كلمة تُنطق باللسان فحسب، بل لها شروط لقبولها من صاحبها، وهي:
* العلم بحقيقتها المنافي للجهل بها، فالمسلم يعلم معنى لا إله إلا الله، وحقيقتها، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].
* الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال :) (منْ قال: لا إله إلا الله. مُصدِّقًا بها قلبه؛ دخل الجنة) [مسلم].
* الإخلاص المنافي للرياء، وهو أن يقولها خالصًا من قلبه قال :) (من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه، دخل الجنة) [البزار].
* القبول لها والانقياد لمدلولاتها، فلا يكفي مجرد النطق بها، ولكن لابد من القيام بمقتضياتها حتى يقبلها الله من المسلم. فقد خاطب الرسول ( أبا هريرة فقال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، بشِّرْهُ بالجنة) [مسلم].
* المحبة لها ولأهلها، والمعاداة من أجلها، فالمسلم يحب كل من يعبد الله -عز وجل- ويطيعه، ويبغض أهل الشرك وكل من يعصي الله -عز وجل-، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71].
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) لها مقتضيات تدل عليها، ومن مقتضياتها أن يمتنع صاحبها عن فعل المعاصي، ويتقرب إلى الله تعالى بالعبادة الخالصة، ومن مقتضياتها أن يمتثل العبد أوامر الله، وينتهي عن نواهيه.
والمسلم يعلم أن (لا إله إلا الله) هي اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فقد سمع الرسول ( رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال :) (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) [الترمذي].
وقال :) (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}. وفاتحة آل عمران: {ألم . الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [رواه الترمذي وابن ماجه].
2- توحيد الربوبـية:
قال الله -عز وجل- على لسان موسى -عليه السلام -: {كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62].
والإيمان بربوبية الله -عز وجل- هو أن يعتقد المسلم أن الله رب كل شيء
وخالقه ولا رب سواه، وأنه -سبحانه- بيده الرزق والخلق والإحياء والإماتة، وهو -سبحانه- الخافض الرافع المعز المذل المحيي القادر على كل شيء. قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54].
والخلق والإحياء والإماتة...إلخ، هي أفعال الله -عز وجل-، فيمكن أن نعرف الإيمان بربوبية الله -عز وجل- بأنه توحيد الله بأفعاله هو، وكان المشركون في الجاهلية يعترفون بأن الله هو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع، وهو الضار، ولكنهم لم يطيعوه، ولم يؤمنوا به، فلم ينفعهم ذلك الاعتراف بربوبيته دون ألوهيته، قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} [العنكبوت: 61].
وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84-89].
وهنا سؤال؟! هل الإيمان بربوبية الله، أو الاعتراف لله بالخلق والإعادة ينقل الإنسان من الكفر إلى الإيمان؟ والإجابة أن ذلك وحده لا يكفي، فمن آمن بوجود الله، وقدرته على الخلق، ثم لم يعبد الله ولم يوحده في ألوهيته، فليس مؤمنًا، ودليل ذلك أن مشركي مكة كانوا يعترفون لله بالربوبية، ومع ذلك كانوا مشركين، وقد أنكر توحيد الربوبية طائفتان الأولى تسمى بـ (الدهرية)، كما حكى الله قولهم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24].
فهم بذلك قد نسبوا الموت والحياة إلى الدهر، ولم ينسبوها إلى الله -عز وجل-. والأخرى ظهرت في العصر الحديث وتسمى بـ (الشيوعية): والشيوعيون هم الذين ينكرون وجود الله، ويقولون: لا إله، والكون مادة. (أي: لا إله موجود والكون جاء وحده بدون خالق). ولكن المسلم يتعجب من تفكير هؤلاء الضالين ويحمد الله -عز وجل- على نعمة الإيمان والإسلام. والمسلم عندما يؤمن بأن الله هو النافع وهو الضار، فهذا يطمئنه لأنه يؤمن بمن في يديه النفع والضر، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه، ويرضى بقضائه وقدره، ويوحده في ألوهيته.
3- توحيد الأسماء والصفات:
والمسلم يؤمن بأن لله صفات عليا وأسماء حسنى، ذكر البعض منها في القرآن، وبعضها في الحديث، ولم نُخبر ببعضها، واستأثر الله بها في علمه، كما كان ( يقول في دعائه: (اللهمَّ إنِّي أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سمَّيْتَ به نَفْسَكَ، أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ بهِ في علمِ الغيبِ عِنْدَكَ) [أحمد].
والمسلم يتعرف على أسماء الله ويدعوه بها، قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]. وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوها بها} [الأعراف: 180].
وهذه الأسماء عددها تسعة وتسعون اسمًا، قال :) (إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) [متفق عليه]. وأسماء الله خاصة به فلا يسمى -سبحانه- إلا بما سمى به نفسه، ولا يوصف إلا بما وصف نفسه، أو وصفه رسول الله ( به، وهذه الأسماء هي: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، الجامع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور.
ولقد وردت آيات وأحاديث تضيف أسماء لله تعالى غير المذكورة من هذه الأسماء:
* عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا} [الجن: 26].
وقال: {عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} [الأنعام: 73].
* سريع الحساب، قال تعالى: {إن الله سريع الحساب} [إبراهيم:51].
* مقلب القلوب، فالمسلم يعلم أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكان النبي ( يدعو ويقول: (اللهمّ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنَا على دِينِكَ)) [الترمذي وأحمد].
والمسلم دائمًا يطلب من ربه -عز وجل- الثبات على الإيمان: قال تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}
[آل عمران: 8].
* رفيع الدرجات، قال تعالى: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} [غافر: 15].
والرسول ( يقول: (إن اللَّهَ رفيقٌ يحبُّ الرفقَ، ويعطي عليه ما لا يُعْطِي على العُنْفِ) [مسلم].
وقال- أيضًا-: (إن اللَّهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ) [مسلم].
وقال: (إِنَّ اللَّهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجودَ، ويحبُّ معالي الأخلاقِ، ويكْرَهُ سِفاسفها) [البيهقي].
وقال (إن الله -عز وجل- حليم حيي سِتِّيرٌ ، يحبُّ الحياءَ والسَّتْرَ) [أبو داود والنسائي وأحمد].
* والمسلم يؤمن بأسماء الله على الوجه الذي يرضاه الله -عز وجل-، فالله عليم لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماوات، وكل علم من علوم البشر إنما هو مستمدٌّ من علم الله الذي لا يحصيه أحد، وأن أسماءه هي على ما يليق
بالله -جل وعلا- من معنى، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85].
صفات الله:
المسلم يؤمن بأن لله صفات عليا، كما أن له أسماء حسني، وأن هذه الصفات هي من لوازم ربوبيته وعظمة ألوهيته، والمسلم يعلم أن لهذه الأسماء إشراقة تظهر في القلوب، وهذه الصفات منها صفات كمال وصفات جلال، والبعض يقسم الصفات إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية.
أما صفات الكمال -أو الصفات السلبية- فهي التي تنزه الله عن كل نقص لا يليق بجلاله وكماله، أو هي التي سلبت عنه ما لا يليق بكماله، وهي أبرز ما تكون في الأسماء التي ذكرت أضدادها مثل: الأول والآخر، والظاهر والباطن، والضار والنافع، والمعز والمذل، والعفو والمنتقم، والمحيي والمميت...
الأول: فالله سبحانه وتعالى أول بلا بداية، وجوده غير مسبوق بعدم، قال تعالى: {هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3].
وقال :) (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض..) [البخاري].
الآخر: فالله سبحانه لا آخر لوجوده، فهو الآخر بلا نهاية، لا يسبقه عدم ولا يلحقه فناء. قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88].
وقال تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
[الرحمن: 26-27].
وقال :) (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) [مسلم].
* ليس كمثله شيء: بمعنى أنه لا يمكن أن يكون مشابهًا لشيء مما يخلق، قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم يعلم أن الله منزه عن مماثلة غيره، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وأن الكون بأرضه وسمائه وما فيهما وما بينهما ملك لله -عز وجل-، ولما سُئِلَ الرسول ( عن وصف الله، أنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
* الأحد: أي أن الله واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله.
* وحدة الذات: تعني أن ذاته الكريمة ليست مركبة من أجزاء، وأنه واحد لا شريك له في ملكه، قال تعالى: {سبحانه هو الله الواحد القهار} [الزمر: 4].
* وحدة الصفات: تعني أنه ليس لأحد من خلقه صفة تشبه صفة من صفاته، وإذا كان فهي صفة محدودة بحدود الطاقة الإنسانية لا يتعداها، وإن أطلقت على الإنسان فلا تشابه بينها إلا في اللفظ، فمثلا يقال: إن فلانًا رحيم. هل معنى ذلك أن رحمته كرحمة الله، أو يقال عن فلان إنه كريم، فليس بحال أن يكون كرمه مثل كرم الله.
* وحدة الأفعال: تعني أن الله فعَّال لما يريد، وليس لأحد فعل يشبه فعله تعالى، فالله يفعل ما يشاء ويختار، ولا يحتاج إلى مزاولة الفعل، فهو خالق مبدع لكل شيء، قال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص: 68].
وقال: {فعال لما يريد} [البروج: 16].
* أما الصفات الثبوتية: هي ما أثبته الله -تعالى- لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله (، ومن هذه الصفات:
* القدرة: المسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- قادر لا يعجزه شيء، وهذا الكون خير دليل على قدرته، وأنه سبحانه قادر على إيجاد كل شيء وإعدامه، وأنه صاحب القهر والسلطان، له الأمر في السماوات والأرض وبيده مقادير الكون كله.
قال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} [ق: 38]. وقال: {أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} [فصلت: 15].
* العلم: المسلم يؤمن بأن الله بكل شيء عليم، وأنه أحاط بكل شيء علمًا، سواء أكان هذا العلم في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فالزمن لا يؤثر في علم الله، لأن علمه لم يسبقه جهل، وعلمه سبحانه بالجزئيات كعلمه بالكليات، وهو سبحانه لا ينسى شيئًا أبدًا، ولقد جاء في القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى -عليه السلام- قوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} [طه: 52]، وقال تعالى: {وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 101].
وعلمه سبحانه محيط بالأشياء جميعًا، ولا تخفى عليه خافية في هذا الكون، قال تعالى: {وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطبًا ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59].
وعلم الله قديم أزلي، يعلم الأشياء قبل وقوعها، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، خلافًا لما يقوله بعض الجهلاء من أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا} [الكهف: 5].
* الإرادة: المسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- يفعل في ملكه ما يشاء، فلا يقع في ملكه شيء إلا بقدرته وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يحدث شيء في الكون كبيرًا كان أو صغيرًا إلا وفق مشيئته سبحانه. والمسلم يؤمن أن من إرادة الله ما يقع حتمًا، وهي إرادته إذا تعلقت بالأمور الكونية، قال تعالى: {فإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [غافر: 68].
ومنها ما جعل الله إرادة العبد شرطًا منه، كالتوبة مثلا، والله تعالى يقول: {والله يريد أن يتوب عليكم} [النساء: 27]. فالله -عز وجل- يريد للناس أن يتوبوا، ورغم هذا قد يتوب البعض دون البعض الآخر، لأن الله أراد أن يتوب الناس إليه ليتوب عليهم.
* الحياة: والمسلم يؤمن بأن الله حي لا يموت، وأن حياته لا تشبه حياة المخلوقين، فلا يقضي عليها بالفناء ولا يسبقها عدم. قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58]
وقال: {هو الحي لا إله إلا هو فاعبدوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} [غافر: 65].
* السمع: والمسلم يؤمن بأن الله سميع، وأن سمعه ليس كسمع المخلوقين، إنه يسمع الأصوات كلها في وقت واحد، فلا يخفى عليه شيء، ولا يحجبه عن الأصوات شيء. قال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع عليم بصير} [المجادلة: 1].
وكان الرسول ( مع أصحابه في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال لهم النبي :) (أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسِكُمْ (ارفقوا بها)، إنَّكُم ليس تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا، إنَّكُم تَدْعُونَ سميعًا قريبًا وهو مَعكم) [مسلم].
* البصر: المسلم يؤمن بأن الله بصير، ولكن بصره تعالى لا يشبه بصر المخلوقين، وهو سبحانه يرى كل شيء رؤية شاملة تستوعب كل المدركات، ولا يخفى على الله شيء وإن دق (صغر)، ولا يخفى عنه شيء وإن بعد، ولا يحجب عنه الرؤية حاجب، يقول تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: 103]. وقال سبحانه لموسى وهارون: {إني معكما أسمع وأرى}
[طه: 46].
* الضحك: والمسلم يؤمن بصفات الله كلها، ومن هذه الصفات أن الله-عز وجل- متصف بصفة الضحك على الوجه الذي يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
فالمسلم لا يشبِّه صفات الله بصفات المخلوقين، فضحك الله ليس كضحك المخلوقين، ولا يصف كيفية صفة ضحك الله -عز وجل-، ولا يبحث عن كيفيتها، ولكنه مع ذلك يؤمن بصفة الضحك لله.
فقد جاء رجل إلى الرسول ( يطلب طعامًا عندما أصابه الجهد من شدة الجوع، فأرسل الرسول إلى نسائه يسألهن عن طعام، فلم يجد، فقال لأصحابه: (من يضيِّفُ هذا؟). فقام أبو طلحة قال: أنا يا رسول الله. ثم ذهب به إلى بيته ولكنه لم يجد طعامًا غير طعام أطفاله الصغار، فقال أبو طلحة لزوجته: داعبي الأطفال ليناموا، حتى يأكل ضيف رسول الله (. ففعلت وأكل الضيف.
وبات أبو طلحة وزوجته جائعين حتى لكرمهما ضيف رسول الله (، وذهب أبو طلحة في الصباح إلى رسول الله ( فقال له الرسول :) (ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعلكما)، أنزل الله -عز وجل-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].
* الغيرة: الله يغار عندما تُنتهك محارمه، ولذلك فقد حرم الله الفواحش، ونهى عنها. قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربتُه بالسيف. فبلغ ذلك النبي ( فقال: (تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منِّي، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..) [البخاري].
* رؤية المسلم: والمسلم يؤمن بأن المؤمنين سيرون الله -عز وجل- في الآخرة، قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23]. وقال :) (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته..) [متفق عليه].
وقال :) (إنكم سترون ربكم عيانًا) [البخاري].
* الكلام: والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يتكلم بكلام، لقوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليمًا} [النساء: 164]، ولكنه لا يعلم كيفية هذا الكلام؛ لأن
الله -عز وجل- لم يخبرنا بها، ولكن المسلم يعلم أنه من أساليب خطاب الله للبشر أن يوحي إلى رسوله أو يكلمه من وراء حجاب. قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51]. إن الله -عز وجل- سيكلم المؤمنين في الآخرة، وسيكلم الناس جميعًا ليس بينه وبينهم ترجمان.
والمسلم يؤمن بكل صفات الله الثابتة عنه، ويعلم أنه لا يجوز وصف
الله -عز وجل- إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به الرسول (، كما يؤمن بصفات ذات الله كالحياة أو القدرة، ويؤمن أيضًا بصفات فعل الله كالإحياء والإماتة والرزق والخلق، كما يؤمن بكل صفة ثبتت عن الله -عز وجل، كاستوائه على العرش ومجيئه ونزوله، وأنه سبحانه له يد ووجه وقدم، على الوجه الذي يليق بجلاله وكماله، فلا يشبهه شيء.
فالمسلم يؤمن بهذه الصفات من غير تفكير في كيفيتها من حيث التجسيم أو التشبيه، فهو يؤمن مثلا بأن الله - عز وجل- له وجه لقوله تعالى: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل: 20].
وقوله تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26-27].
ولكنه لا يزيد على ذلك، فلا يذكر كيفية لهذا الوجه ولا يجسمه، فالله تعالى أخبر أن له وجهًا، فالمسلم يؤمن بذلك ولا يزيد عليه، ويذكر أسماء الله وصفاته ويحبها، ويعلم أن محبة الله تأتي بمحبة أسمائه وكثرة ذكره.
وقد بعث النبي ( رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1].
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي (، فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال :)(أخبروه أن الله يحبه) [متفق عليه].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
خصائص الإيمان

zd11.gif


خصائص الإيمان

كلنا يتمنى السعادة ويبحث عنها، وهذه السعادة قد يراها البعض في كثرة المال، أو في الجاه أو في السلطان، ولكن بلالا- رضي الله عنه- رآها في الإيمان بالله وهو يردد أَحَدٌ..أَحَدٌ، وهو ملقي على رمال مكة الملتهبة، في الصحراء الحارة وقت الظهيرة، وقد وضع المشركون حجرًا كبيرًا على صدره، يطارد أنفاسه، ويمنعها من الخروج، وهذه السعادة رآها (ابن تيمية) -رحمه الله- فقال: ماذا يصنع أعدائي بي؟ جنتي في صدري، لا يستطيعون أن ينزعوها مني، فإن نفوني فنفيي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، في صدري كتاب الله وسنة رسوله.
فالإيمان له حلاوة لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، والرسول ( يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( رسولا) [مسلم].
ويقول: (ثلاث مَنْ كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) [متفق عليه].
وقال بعض الصالحين عن أعدائه: لو علموا ما في صدرونا من الإيمان؛ لقاتلونا عليه. فمن أراد السعادة في الدنيا فعليه بالإيمان، ومن أراد الآخرة فعليه بالإيمان، ومن أراد الأمان فعليه بالإيمان.
يقول الشاعر:
قُل للّذِي يبْغِي السَّعَادَةَ
هَلْ عَلِمْتَ مَن السَّعِيدْ؟
إِنَّ السَّعَادةَ أن نعيشَ
لفكرةِ الحقِّ التَّلِيدْ
لِعَقيدةٍ شــمَّـاءَ تَهْزَأُ
بالبُروقِ وبالرُّعُودْ
ما الإيمان؟
الإيمان في اللغة يعني التصديق ويتضح هذا المعنى من قصة يوسف عليه السلام، فعندما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم يعقوب -عليه السلام- بعدما وضعوا يوسف في البئر، قالوا له: إن الذئب قد أكل يوسف، وجاءوا بقميصه وقد لطخوه بالدماء،ولكنهم أحسوا أنه لا يصدقهم، فقالوا له: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} [يوسف: 17]. أي: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين.
أما الإيمان في الشرع فهو إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، وهذا الإيمان له خصائص يختص بها. وهي:
1- الإيمان شرط لقبول الأعمال:
خرج الرسول ( قبل غزوة بدر، وفي الطريق لحق بهم رجل قد عرفت عنه الجرأة والقوة والشجاعة، ففرح أصحاب رسول الله حين رأوه، فاقترب الرجل من الرسول ( وقال له: جئت لأتبعك وأُصِيب معك. قال له رسول الله :) (تؤمن بالله ورسوله)، فقال الرجل: لا. قال :) (فارجع فلن أستعين بمشرك). فتركهم الرجل.
وبعد فترة عاد ولحق بهم، وقال للرسول ( كما قال أول مرة: فقال له النبي ( كما قال من قبل، فتركهم الرجل ثم عاد فلحق بهم مرة ثالثة، وقال كما قال أول مرة، فقال له النبي :) (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: نعم. فقال له :) (فانطلق) [مسلم].
يقول تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نفيرًا } [النساء: 124]. ويقول أيضًا: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا }
[الإسراء: 19].
2- الإيمان لا يكون باللسان فقط:
كان عبد الله بن أُبَي بن سلول -كبير المنافقين- يأتي إلى الرسول ( يشيد به (يمدحه)، ويعلن أمامه الإيمان بالله ورسوله (، فإذا خرج من عنده عاب الرسول ( وسبه، وكان يأمر المنافقين ألا يطيعوا الله ورسوله، فهؤلاء المنافقون أظهروا الإسلام ومتابعة الرسول (، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسوله، فقال الله عنهم: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا } [النساء: 145].
وقال أيضًا عنهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1].
3- الإيمان يدفع إلى العمل الصالح ويزيد منه:
الإيمان والعمل الصالح كالتوأم، قرن الله بينهما في القرآن الكريم ستين مرة، فكما أن الإيمان يكمل بالعمل الصالح، فإن العمل الصالح دليل على صدق الإيمان، قال :) (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) [الترمذي].
وهؤلاء هم أصحاب رسول الله ( يولدون في بيئة جاهلية لا تستغني عن شرب الخمر وإدمانها، ولكن عندما نزل قول الله -تعالى-: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]. وأمر الله -عز وجل- بالانتهاء عنها، وقال: {فهل أنتم منتهون} [المائدة:91]. فلما سمعوا ذلك؛ ألقوا كئوس الخمر من أيديهم حتى إن بعضهم كانت كأسه تكاد تلامس شفتيه، فلما جاءه الأمر من الله بالانتهاء، ألقى الكأس التي كان يشربها؛ طاعة وإذعانًا لأمر الله -تعالى-، وذهب كل واحد إلى بيته، وأراق ما فيه من خمر، حتى امتلأت شوارع المدينة برائحة الخمر لفترة طويلة.
لقد فعل الإيمان ما عجزت الدول الكبرى عن فعله، وأنفقت عليه المليارات، فقد أنفقت إحدى الدول الكبرى آلاف الملايين من أموالها حتى تقضي على مشكلة إدمان الخمور، ومع ذلك باءت جهودها بالفشل.
4- الإيمان يمنع من المعصية ويقللها:
والمعصية لا تُذهب الإيمان ولا تضيعه، وإن كانت تؤثِّر فيه وتضعفه، والإيمان يقلل من المعصية ويمنعها، فهذا رجل من الأمم السابقة يخرج في سفر مع ثلاثة نفر من أصحابه، وعندما أظلهم الليل، أرادوا المبيت، فدخلوا إلى غار في جبل ليقضوا فيه ليلتهم، وفجأة انحدرت صخرة عظيمة فسدَّت عليهم باب الغار، فقالوا: لن ينجيكم من هذا الموقف العصيب إلا أن تدعوا الله-عز وجل- بصالح أعمالكم.
فتقدم الأول ودعا الله-عز وجل-بأحسن أعماله، فانفرجت الصخرة قليلاً غير أنهم لا يستطيعون الخروج، وتقدم الثاني ودعا فزاد انفراج الصخرة، ولكنهم ما زالوا لا يستطيعون الخروج أيضًا، فتقدم الثالث وقال: يارب إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم، وكنت أحبها حبًّا شديدًا، فكانت أَحَبَّ الناس إلي، فأردتُ أن أفعل معها مثل ما يفعل الرجل مع زوجته، فراودتُها عن نفسها، ولكنها امتنعت مني، ومرت السنوات وأحاط بها الفقر من كل جانب، فجاءت إلى وطلبت مني مالا فأعطيتها المال على أن تجيبني إلى ما طلبت منها من قبل، بأن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلتُ، حتى إذا قدرتُ عليها قالت وهي ترتجف وترتعد: يا عبد الله اتق الله ولا تَفُضَّ الخاتم إلا بحقه- أي لا يحل لك أن تستمتع بي إلا بالزواج الحلال-، فقمتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركتُ لها المال الذي أعطيتُها.. اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، فافرج ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهكذا منعه الإيمان من ارتكاب فاحشة الزنى. والمؤمن إذا همَّ بعمل يغضب الله، تذكَّر أنه -سبحانه وتعالى- مطلع عليه ومراقبه، فيمتنع عما يغضب
الله -عز وجل-.
5- المؤمن يستمد قوته وعونه من الله:
فقد جاء أهل قريش إلى أبي طالب عم النبي ( يشكون إليه الرسول (، وقالوا له يا أبا طالب: إن ابن أخيك قد سفَّه أحلامنا وعاب آلهتنا، وفرَّق بيننا وبين أولادنا، وإن كان ابن أخيك يريد مالا جمعنا له حتى جعلناه أغنانا، وإن كان يريد مُلكًا سوَّدناه ونصبناه ملكًا علينا، وإن كان يعاني مرضًا جئنا له بأمهر الأطباء حتى يشفى.
فرد عليهم الرسول ( في يقين المؤمن القوي بالله الذي لا يخضع للإغراء، ولا يبيع إيمانه مهما كان الثمن الدنيوي عظيمًا: (والله يا عم.. لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر (الإسلام) ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) [ابن هشام].
وقد حفر الكافرون للمؤمنين أخاديد كبيرة في الأرض (حُفَرًا عظيمة) وأشعلوا فيها النيران، وألقوا فيها المؤمنين الذين آمنوا بربهم ولم يتنازلوا عن هذا الإيمان مع أن الثمن هو موتهم.
قال تعالى: {قتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} [البروج: 4-8].
ولما أحضر فرعون السحرة ليهزموا موسى -عليه السلام- فلما رأوا معجزة الله وقدرته، خروا لله ساجدين: {قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} [الأعراف: 121-122]. فتوعدهم فرعون بأن يقطع أيديهم وأرجلهم، لأنهم آمنوا بإله موسى وكفروا بفرعون، ولكن الإيمان تمكن من قلوبهم وملأها، وزادهم قوة ويقينًا، فقالوا: {لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون} [الشعراء: 50].
6- الإيمان والابتلاء:
الابتلاء سنة من سنن الله في خلقه، فالله -سبحانه- يختبر الناس بالخير والشر، حتى يميز بين المؤمنين الصادقين المنافقين الكاذبين، قال تعالى: {ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت: 1-3].
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلتُ: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [الترمذي وابن ماجه].
*وهذا خبيب بن عدي -رضي الله عنه- يأسره المشركون، ويذهبون به ليصلبوه، فيقول لهم: دعوني حتى أصلى ركعتين. فتركوه، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم أقبل عليهم فقال: والله لولا تظنون أني خائف من الموت لاستكثرت من الصلاة، ثم رفعوه على خشبة وقيدوه، ثم سأله المشركون: يا خبيب أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت معافى في بيتك؟ فيقول: لا، والله ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه، ثم ينشد قائلاً:
ولستُ أُبالي حينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
على أي جَنبٍ كانَ في اللَّهِ مَصْرَعِي
ولست بِمُبْدٍ للعـدوِّ تخشُّعًـا
ولا جَزَعًا إِنِّي إلى اللَّهِ مَرْجِعِــي
وَذلكَ فِي ذَاتِ الإِلهِ وَإِنْ يَشَـأْ
يُبَارِكْ على أَوْصالِ شِلْوٍ ممـــزَّعِ
وشلوٍ ممزع: (جسم ممزق الأعضاء).
*وهذه سُمية يعذبها المشركون هي وزوجها وابنها، والرسول ( يمر عليهم ويقول: (صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) [ابن هشام]، فالمؤمن يصبر على ابتلاء الله -عز وجل- ويتوكل عليه، وهذا ما طلبه الله من المؤمنين حين قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200]. والرسول ( يقول: (الصبر نصف الإيمان) [أبو نعيم].
ويقول أيضًا: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ (شيء يحبه) شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء (شيء يكرهه) صبر، فكان خيرًا له) [مسلم].
والإيمان يزيد بالمداومة على العمل الصالح، وينقص بالمعصية والتقصير في حق الله. قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2].
وقال: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [آل عمران: 173].
*لقى حنظلةُ بن الربيع أبا بكر الصديق - رضي الله عنه-، فقال حنظلة: نافَقَ حنظلة. فقال أبوبكر: سبحان الله! ما تقول؟ فقال حنظلة: نكون عند رسول الله ( يذكرنا بالجنة والنار، فكأنَّا رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ( جامعنا الأزواج، ولاعبنا الأولاد، واهتممنا بأمور دنيانا.
فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: فوالله، إن حالنا مثل حالك. ثم ذهب حنظلة
وأبو بكر -رضي الله عنهما- إلى رسول الله ( فقال حنظلة لرسول الله ( : نافق حنظلة، يا رسول الله. فسأله الرسول ( عن سبب قوله، فقال حنظلة للرسول ( مثلما قال لأبي بكر. فابتسم الرسول ( وقال: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة). وكررها رسول الله ( ثلاث مرات. [مسلم].
وكان أبو الدرداء- رضي الله عنه- يقول: من فقه العبد أن يتعهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص.
ولزيادة الإيمان أسباب منها: العلم والعمل والتفكر، وغير ذلك، فالاستزادة من العلم سبب في زيادة الإيمان، وكان ابن عمر يقول: تعلمنا الإيمان، فلما تعلمنا القرآن زدنا إيمانًا، فالعلم بأسماء الله -عز وجل- وما يتضمنه كل اسم لا شك أنه يزيد من إيمان المسلم، وكذلك التعرف على سيرة الرسول ( وأخلاقه ومعاملته وجهاده وعبادته، كل ذلك يزيد الإيمان ويقويه.
وقد مدح الله -عز وجل- العلماء في كثير من المواضع فقال: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9].
وقد روي أن الحارث بن مالك الأنصاري مرَّ بالرسول ( فقال له: (كيف أصبحت يا حارثة؟)قال: أصبحت مؤمنًا حقَّا! قال:(انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟) فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرتُ ليلِي وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال الرسول: (يا حارثة، عرفتَ فالزم (ثلاثًا)) [الطبراني].
وإذا كان العلم سببًا في زيادة الإيمان، فالعمل أيضًا من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه، فكما أن العمل الصالح والطاعة يزيدان الإيمان، فإن الانغماس في المعاصي والشهوات يضعف الإيمان وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحرصون على زيادة إيمانهم، فهذا عمر يقول: هلموا نزدد إيمانًا. فيذكرون الله -عز وجل-. وكان عبد الله بن رواحة يأخذ بيد الرجل من أصحابه، ويقول: قم بنا نؤمن ساعة، فنجلس في مجلس ذكر.
وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه؛ ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ؛ ذكرته في ملأ خير منهم)
[متفق عليه].
ومن أسباب زيادة الإيمان التفكر الدائم في مخلوقات الله -عز وجل-، ألا ترى لو أن أحدًا حدَّثك عن مهارة شخص في صناعة ما، فإن إحساسك بهذه المهارة يزداد إذا رأيت بعينيك نموذجًا من صناعته؟! فإذا شاهدت منها أكثر من نموذج، ازداد ذلك الإحساس، فإذا قمت بتفحص هذه الصناعات والتدقيق فيها ازداد يقينك في مهارته وصدقه!
وقدرة الله واضحة جلية للجميع في هذا الكون الفسيح، فهذه سماء بلا عمد ظاهر، ونجوم وكواكب، وهذه الأرض يلقي فيها البذر فيخرج منه الحلو والمالح، وذلك مما يجعل الإنسان المؤمن صاحب القلب التقي لا يملك نفسه، ويهتف بعظمة الله وبديع صنعه قائلا: إنه الله القدير.
يقول الشاعر:
انْظُـــرْ لتلكَ الشَّجـــرَةْ
ذَاتِ الغُصونِ النَّضِــرَةْ
كَيْفَ نَمَتْ مَن حبَّــــــةٍ
وَكَيْفَ صارتْ شَجَــرَةْ
انْظُـــرْ وقــلْ من ذا الذِي
أَخْرَجَ مِنْهَا الثَّمَــــرَةْ
ذَاكَ هُــــوَ اللَّـــــهُ
الّذِي أَنْعُمُهُ مُنْهَمِــــرَةْ
والتفكر وكثرة التأمل في مخلوقات الله -عز وجل- من صفات المؤمنين. قال تعالى: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} [آل عمران: 191].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
ثمرات الإيمان

zd11.gif


ثمرات الإيمان

لو اقتصرت ثمرات الإيمان على رضا الله لكفى بها مكسبًا ومغنمًا، ولكن
الله -عز وجل- أنعم على المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأفاض عليهم من الخيرات والثمرات المباركة جزاء إيمانهم، ولِمَ لا؟! والمؤمنون هم أهل الله في الأرض، وهم أولياؤه، وأحباؤه، والإيمان خير للفرد في دنياه وآخرته، وخير للجماعة لتعيش حياة هانئة سعيدة. وللإيمان ثمرات كثيرة، منها:
1- دفاع الله عن المؤمنين:
فمن سنة الله في خلقه، أن يأتي النبي إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله وطاعته، فيؤمن البعض، ويكذب البعض، فينجي الله المؤمنين، ويهلك المكذبين، فها هو ذا نوح- عليه السلام- ينجيه الله ويغرق الكافرين، وهذا إبراهيم -عليه السلام- ينجيه الله من النيران، وهذا موسى- عليه السلام- ينجيه الله -عز وجل- والذين آمنوا معه من فرعون وجنوده.
وهذا جريج.. كان عابداً من عُبَّاد بني إسرائيل، يضْرَب به المثل في الزهد والعبادة، يجلس الناس يحكون عن عبادته، وتريد إحدى النساء أن تغويه وتصده عن الطريق المستقيم، فتعرض عليه نفسها، فيرفض ذلك، فتذهب إلى راعٍ يرعى غنمه، فتمكنه من نفسها، وتلد طفلها من الزنى، وتدَّعي أنه ابن جريج العابد، فيذهب الناس إليه، ويمسكون به ويضربونه، ويهدمون صومعته، فيقول لهم في هدوء المؤمن: دعوني أصلى ركعتين.
فيصلي ويدعو الله -عز وجل-، ثم يأمر بإحضار الرضيع، فيضع يده على بطنه، ويسأله: من أبوك؟ فيرد الطفل الرضيع: أنا ابن الراعي. فيقبل الناس على جريج يرجونه أن يعفو عنهم، ويقولون له: سوف نبني لك صومعة من ذهب. ولكنه يقول: أعيدوها من طين كما كانت. هذا هو دفاع الله عن المؤمنين، {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: 38]، وهذا هو نصر الله -عز وجل- لهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51].
2- استغفار الملائكة للمؤمنين:
قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. والرسول ( يقول: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أَعْطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعْطِ ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
ويقول أيضًا: (والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلى فيه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه. ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخاري].
3- الإيمان يحقق الرضا:
فالمؤمن يعرف أن كل ما يأتيه يكون بأمر الله، سواء أكان قليلاً أم كثيرًا،خيرًا أم شرًّا، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، لذلك فهو يرضى دائمًا بقضاء الله وقدره، يقول :) (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير،وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له) [مسلم].
وقال الحسن البصري: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي.
4- الإيمان يحقق الفوز:
قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً} [الكهف: 107]. وفي الحديث القدسي: قال الله -تعالى-: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فاقرءوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}) [متفق عليه].
5- الإيمان يحقق الأمن:
أخذ الرسول ( بيد ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو غلام صغير، وقال له: (يا غلامُ إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف) [الترمذي].
6- البركة في الرزق:
والله -عز وجل- يبارك للمؤمن في حياته كلها: في ماله، وبدنه، و طعامه. ذات يوم، ذهب نضرة بن الحارث- وكان مشركًا- إلى رسول الله ( يريد طعامًا، فحلب الرسول ( له سبع شياه، فشرب الرجل لبنها كله، ثم عرض عليه الرسول ( الإسلام، فأسلم، فمسح الرسول ( على صدره، ولما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها، فقال له :) (ماذا بك؟) قال: والذي بعثك بالحق لقد رُويت، قال :) (إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معي واحد) [أحمد]. وهذا هو المسلم كما وصفه الرسول :) (يأكل المسلم في معي واحد،والكافر في سبعة أمعاء) [متفق عليه].
7- السعادة للفرد والأسرة والمجتمع:
فإذا التزم المسلم الإيمان في أخلاقه وسلوكياته فأحسن إلى الجار، ورفع الأذى عن الطريق، وأبرَّ والديه، وعطف على المساكين، واستحيا أن يراه الله حيث نهاه، أو أن يفقده حيث أمره، لعاش الفرد في سعادة كبيرة، ولو عاش المجتمع في ظلال القرآن، فأحل ما أحل الله، وحرم ما حرم الله؛ لعاش في سعادة أيضًا، ونزلت عليه البركة، وذهبت عنه الهموم، وانفكت عنه الكروب.
قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} [الأعراف: 96].
8- ولاية الله للمؤمنين:
الله -عز وجل- يهدي المؤمنين إليه، ويتولاهم برحمته، ويقربهم منه، ويوفقهم في أمورهم كلها. يقول تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة: 257]، وقال أيضًا: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: 62-63].
9- نصر الله المؤمنين:
إن الله -عز وجل- يؤيد المؤمنين، وينصرهم، كما حدث في غزوة بدر للمؤمنين، قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}
[آل عمران: 123]، وهذا هو وعد الله لرسله، ومن آمن معهم، {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51].
10- الأمان يوم الفزع الأكبر:
قال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون. لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 101-103].
11- ستر الله للمؤمنين يوم القيامة:
فالله -عز وجل- يعرض على المؤمن عمله يوم القيامة، ويقربه منه، ويطلعه على سيئاته بحيث لا يطلع عليها أحد غيره، ثم يعفو عنه، ويأمر به إلى الجنة.
12- الشرب من حوض النبي :)
يشرب المـؤمنون من حوض النبي (، وهو حوض ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى وأعذب من العسل، وريحه أطيب من المسك، من يشرب منه، لا يظمأ أبدًا بعدها.
13- الفوز بالجنة:
قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً} [الكهف: 107].
وقال أيضًا: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ. من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود. لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} [ق: 31-35]. والله -عز وجل- أعد للمؤمنين الكثير من الخيرات في الجنة مما لا يخطر على بال، كما قال تعالى في حديثه القدسي: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذُنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر). [متفق عليه].
14- رؤية الله في الآخرة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن ناساً قالوا لرسول الله :) هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله :) (هل تمارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟) قالوا: لا يا رسول الله. قال: (فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا يا رسول الله. قال: (فإنكم ترونه كذلك) [متفق عليه].
ويقول ( أيضًا: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول
الله -عز وجل-: تريدون شيئًا أزيدُكم؟ فيقولون: ألم تبيضْ وجوهنا، ألم تدخلْنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشَف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم) [مسلم].
15- النعيم برضوان الله:
قال :) (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنَّة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) [متفق عليه].
وهكذا المؤمن، سعيد في دنياه، سعيد في أخراه، يبارك الله له في رزقه، يتنقل من راحة إلى راحة، لا يضل في الدنيا كما أنه لا يشقى في الآخرة.
الإيمان الكامل:
المسلم يعلم أن العمل الصالح كله من الإيمان، فكل ما يحبه الله -عز وجل- فهو من الإيمان، والمسلم يعلم أن هناك أشياء كثيرة من مكملات الإيمان، منها:
1- حب الرسول :)
فالرسول ( يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) [مسلم]. وكان عمر -رضي الله عنه- جالسًا فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من الناس جميعًا إلا نفسي، فقال الرسول :) (لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك).
فقال عمر -رضي الله عنه-: والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من نفسي. فقال :) الآن يا عمر) (أي الآن كمل الإيمان) [مسلم].
والمسلم يكون محبًا للرسول ( باتباعه، والاقتداء بسنته، وإعلاء قدره (، ولا تكون المحبة مجرد كلام يقال دون واقع ملموس، فإن قومًا ادَّعوا محبة الله -عز وجل-، فاختبرهم الله -عز وجل-، وطلب منهم الدليل على ذلك الحب، وأخبرهم بأن الدليل هو الاتباع لأوامر الله.
قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]. والله جعل الطريق التي توصل إلى الجنة هي اتباع سنته ( والاقتداء به، قال :) (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى (رفض)) قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)
[البخاري].
وقد أمر الله -عز وجل- المؤمنين بطاعة الرسول ( فقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] وقال: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران: 32].


2- حب الخير للناس:
ومن الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فإن وجد في قلبه غير ذلك فهذا نقصان في الإيمان. قال :) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [البخاري].
3- إطعام الطعام وإفشاء السلام:
المسلم يطعم الفقراء والمساكين لوجه الله -تعالى-، قال تعالى: {ويطمعون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا} [الإنسان: 8-9].
والمسلم يلقي السلام على من يعرف ومن لا يعرف، فهذا ينشر الحب والألفة بين المسلمين، فقد جاء رجل يسأل الرسول :) أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتَقْرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف) [متفق عليه].
وقال :) (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) [مسلم].
4- توفير الأمان للناس:
المسلم لا يؤذي أخاه بالقول أو بالفعل، لأن ذلك يغضب الله -عز وجل-، فقد سأل رجل الرسول :) أي المسلمين خير؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) [مسلم].



5- الإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وقول الخير:
المسلم يحسن إلى جاره؛ لأنه أقرب الناس إليه، ويكرم ضيفه، ولا يتكلم إلا في الخير، قال :) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) [الجماعة].
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
المسلم يحب الخير ويدعو إليه، ويكره الشر وينهي عنه، ويريد أن يأخذ بيد الناس إلى الجنة، ويتمنى أن يبعدهم عن النار؛ لذا فهو يفعل المعروف، ويأمر الناس به، وينهي عن المنكر ويأمر الناس بالانتهاء عنه حسب مقدرته، قال :) (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [مسلم].
وقال :) (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون -أصحاب-، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) [مسلم].
7- الحب في الله والبغض في الله:
المسلم يحب مَنْ يحب الله ورسوله، ويكره مَنْ يكره الله ورسوله، والحب في الله من أوثق عرى الإيمان،قال :) (الحب في الله والبغض في الله من الإيمان) [البخاري].
والله -عز وجل- يظل المتحابين في ظـله،يوم لا ظل إلا ظله، ويقول في حديثه القدسي: (أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلي) [مسلم]، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه) [متفق عليه].
8- النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم:
المسلم دائم النصح لغيره من المسلمين، وفي الحديث قال :) (الدين النصيحة) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [مسلم].
والمسلم ينصح لله بأن يعبده ولا يشرك به شيئًا، وأن يصفه بكل صفات الكمال، وينزهه عن كل صفات النقص، وأن يعترف بفضله ونعمه، وأن يشكره على هذه النعم، وينصح لكتابه، بتعظيمه وتلاوته بالليل والنهار، ويتبع أوامره، ويتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، وينصح لجميع المسلمين ويرشدهم إلى الخير، فالمسلم يحب الناس جميعًا ويخاف عليهم، ويتمنى لهم الفلاح والتوفيق في الدنيا والآخرة.
9- التحلي بالحياء:
المسلم يستحي من الله ومن الناس، فمن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله، والحياء كله خير، فقد مر الرسول ( على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال :)(دعه، فإن الحياء من الإيمان) [متفق عليه]، وقال :) (الحياء شعبة من الإيمان) [متفق عليه].
10- إزالة الأذى عن الطريق:
المسلم يحرص على سلامة الناس، ولذلك فهو يزيل من الطريق كل ما يعوقهم، حسب استطاعته، وهو يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، قال :) (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها لا إله إلا الله،وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) [متفق عليه].
فهذه نماذج لبعض أعمال الإيمان التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، فإذا حافظ المسلم عليها كان مؤمنًا صادقًا، أما إن قصر في هذه الأعمال فإن إيمانه ينقص بقدر تقصيره، فعلى المسلم أن يحرص عليها، ويتخلق بها، حتى يكون من المؤمنين الفائزين في الدنيا والآخرة.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالملائكة

zd11.gif


الإيمان بالملائكة

ما منعك يا أبا جهل أن تقتل محمدًا؟!
دخل أبو جهل الكعبة ذات يوم فوجد الرسول ( ساجدًا لله يصلي، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: واللات والعزى لو رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأضعن وجهه في التراب ولأقتلنه. ولكن الرسول ( لم يعبأ بتهديدات أبي جهل، وعاود صلاته فأسرع أبو جهل لينفذ وعيده، ولكنه سرعان ما عاد، فتعجب مشركو قريش وسألوا أبا جهل: ما منعك يا أبا الحكم أن تقتل محمدًا؟! فيرتعد أبو جهل، ويقول: كلما اقتربت من محمد حال بينى وبينه خندق من نار وأجنحة وأهوال عظيمة. فقال ( : (والله لو دنا (اقترب) لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بما أخبر الله -عز وجل- عن الملائكة وعن خلقهم ووظائفهم، وهو يتطلع إلى معرفة المزيد عن هذه المخلوقات الغيبية.
خلق الملائكة:
الملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيه إلا الله، خلقهم الله من النور، وطبعهم على الخير، فهم لا يعرفون الشر ولا يفعلونه ولا يأمرون به، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون من عبادة الله - عز وجل-.
أخبر الرسول ( عن مادة خلقهم، فقال: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) [مسلم]. والملائكة يتفاوتون في الخلق تفاوتًا كبيرًا؛ فقد صح أن جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح.
عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
ومما يدل على عظم خلق الملائكة، ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ( قال: (رأيت جبريل مهبطًا قد ملأ الخافقين (المشرق والمغرب)، عليه ثياب سندس، معلق بها اللؤلؤ والياقوت) [أحمد].
الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا:
الله -عز وجل- خلق الملائكة خلقًا خاصًا، فهم لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولكنهم عباد مكرمون. قال الله -عز وجل- منددًا بالكافرين: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} [الزخرف: 19].
وقال تعالى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى. وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}.
[النجم: 27- 28]. فالمسلم يؤمن أن الله خلق الملائكة خلقًا خاصًّا، وأن وصفهم بالأنوثة افتراء وكذبًا، لا يتفق مع ما يعتقده المسلم.
عصمة الملائكة:
الله -عز وجل- فطر الملائكة على الطاعة، فهم يسبحون بحمد الله، ويعبدونه دائمًا، ويذكرونه آناء الليل وأطراف النهار، يقول الله- عز وجل- عن الملائكة: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 26-27].
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
قال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فلم يكن سؤال الملائكة اعتراضًا، ولكنه سؤال واستفسار عمَّا خفي عليهم من الحكمة في ذلك، فيأتي الجواب من الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
الملائكة لها أشكال مختلفة:
كان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى الرسول ( على صورة أعرابي، كما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (، إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد.
وسأل الرسول ( عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأماراتها... إلى أن قال عمر: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال رسول الله ( : (يا عمر، أتدري من السائل؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم) [متفق عليه].
وكان جبريل يتمثل للرسول ( ويوحى إليه كما جاء في حديث كيفية الوحي، قال رسول الله :) (وأحيانا يتمثل لي الملك، فيكلمني، فأعي ما يقول) [متفق عليه].
والملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- كانوا على هيئة بشر. قال تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قالوا سلام قوم منكرون. فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: 24-28].
*وعندما جاء جبريل -عليه السلام- إلى مريم جاءها في صورة بشر سويِّ الخلق كامل البنية، يبشرها بكلمة الله عيسى عليه السلام. قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17].
وفي حديث الثلاثة؛ الأبرص والأقرع والأعمى الذين أراد الله أن يختبرهم في شكرهم لنعمته أرسل الله إليهم ملكًا في صورة إنسان ؛ كما جاء في الحديث: (إن ثلاثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم
مَلَكًا -في صورة رجل- فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس (أي: تباعدوا عني وكرهوني بسببه). فمسحه، فذهب عنه قذره وأعطى لونًا حسنًا ...) [متفق عليه].
والله -عز وجل- جعل للملائكة القدرة على أن يتمثلوا في صورة البشر بإذنه، وذلك لأن البشر غير معتادين على رؤية الملائكة.
مسكن الملائكة:
عن أبي ذر- رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء (أى: ظهر منها صوت) وحق لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله...)
[الترمذى وابن ماجه وأحمد].
وفي حديث المعراج، قال :) (... فرُفع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك) [متفق عليه].
صلاة الملائكة:
يقول الله تعالى: {والصافات صفًا. فالزاجرات زجرًا. فالتاليات ذكرًا. إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1-4].
فالله -عز وجل- يقسم بالصافات؛ وهى الملائكة التي تصطفُّ للصلاة والعبادة بين يديه، والرسول ( يقول للصحابة: (ألا تُصفُّون كما تُصفُّ الملائكة عند ربها؟). قالوا: وكيف تُصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمُّون الصفوف الأُوَلَ، ويتراصَّون في الصف) [مسلم]. والله -عز وجل- يقول على لسان الملائكة: {وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}
[الصافات: 165- 166].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أُقيمت الصلاة، استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، واستووا قيامًا، يريد الله -تعالى- بكم هدى الملائكة، ثم يقول: وإنا لنحن الصافون. ثم يقول عمر -رضي الله عنه-: تأخر يا فلان، تقدم يا فلان ، ثم يتقدم- إمامًا - فيكبِّر.
خوف الملائكة:
الملائكة يخافون الله -عز وجل- خوف إجلال وتعظيم، فالخوف من الله يكون على قدر معرفة العبد لربه، فكلما كان العبد أقرب إلى الله تعالى كان أشد خوفًا منه.
قال الحارث المحاسبى- رحمه الله تعالى-: خوف المقربين- من الأنبياء والملائكة- خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى.
جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي ( ، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين). فقال جبريل: (وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) [البخارى]. فالملائكة يتفاضلون فيما بينهم، فمن رؤساء الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، ولكل منهم أعمال ووظائف، يقوم بها بأمر الله تعالى.
سُئِلت عائشة - رضي الله عنها-: بأي شيء كان رسول الله ( يفتتح الصلاة إذا قام الليل؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) [مسلم].
وفي هذه الأحاديث الشريفة دلالة على أفضلية هؤلاء الملائكة، وكرامتهم عند الله تبارك وتعالى، أما جبريل -عليه السلام-، ويُسَمَّى بروح القدس أيضًا، وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة فقال: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
وخصَّه بأشرف وظيفة، وهى السفارة بينه -تعالى- وبين رسله -عليهم السلام-، فكان ينزل بالوحي عليهم كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. علي قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 192-194].
وصح عن النبي ( أن جبريل -عليه السلام- رافقه في أعظم رحلة تمت في الوجود؛ وهى إسراء النبي ( من مكة إلى المسجد الأقصى، ومعراجه منه إلى سدرة المنتهى بالملكوت الأعلى.
وأما ميكائيل -عليه السلام- فقد وكَّله الله -عز وجل- بالمطر الذي فيه حياة الأرض والنبات والإنسان والحيوان .
وأما إسرافيل - عليه السلام-، فقد وكَّله الله -عز وجل- بالنفخ في الصور؛ حيث يحيي الله -تعالى- الموتى حين ينفخ إسرافيل، فإذا هم قيام ينظرون. قال تعالى: {إذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 13-16]. أما ملك الموت -عليه السلام- فهو الموكل بقبض الأرواح.
أصناف الملائكة:
الملائكة -عليهم السلام- أصناف، وكل صنف موكَّل بوظائف يقوم بها بأمر الله تعالى، قال سبحانه: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27]. ومن أصنافهم ووظائفهم:
حملة العرش:
هناك ملائكة يحملون عرش الرحمن ويسبحون بحمده. قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. وقال عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17].
وهم يحملون عرش الرحمن عز وجل، والرسول ( أخبرنا بضخامة أجسامهم فقال: (أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه (كتفه) مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
الحافون من حول العرش:
ومن أصناف الملائكة الحافون من حول عرش الرحمن، وهؤلاء يسبحون بحمد الله، ويقدسونه، ويمجدونه آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].

ملائكة الجنة:
ومنهم خزنة الجنة، وهم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، ويهنئونهم بها، ويدخلون عليهم مُسَلِّمين، ويبشرونهم برضوان الله والخلود في النعيم.
قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار} [الرعد: 23-24].
وفي الحديث الشريف أن الرسول ( قال: (آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ؟ فأقول: محمد. فيقول الخازن: بك أُمرت (أي: أمرني الله ألا أفتح لأحد قبلك) [مسلم وأحمد].
ملائكة النار:
ومنهم خزنة النار، وهم الزبانية، وهم تسعة عشر مَلَكًا وكَّلهم الله -تعالى- بالنار، يعذِّبون أهلها، ويُذيقونهم أشد العذاب، قال تعالى: {سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر. وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 26- 31]. ومن خزنة النار: مالك الذي يناديه أهل النار، ويستغيثون به ويتمنُّون أن يقضي الله عليهم بالموت فيجيبهم بعد زمن بعيد: إنكم ماكثون. قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر 49 -50].
الملائكة رسل الوحى:
الله -عز وجل- اختار من الملائكة رسلا، ليكونوا سفراء بينه وبين رسله، واختار من الناس رسلا ليبلغوا رسالته إلى الناس. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
والرسول الكريم هو جبريل- عليه السلام- الذي وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة، وجعله سفيرًا بينه وبين أنبيائه، قال تعالى: {إنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين}
[الشعراء: 192-195].
الملائكة الموكلون بالأجنة:
عندما يستقر الإنسان في رحم أمه يكون أول ما يكون نطفة، فيوكِّل الله به ملائكة يطورون هذه النطفة وتصوير ما في الأرحام، ويكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، وفي الحديث أن الرسول ( قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات:
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أى: الذي كتب وهو في الرحم) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) [البخارى ومسلم]
وفي الحديث: (وكَّل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه) [متفق عليه].
الملائكة الكرام الكاتبون:
ومهمتهم كتابة أعمال البشر، وإحصاؤها عليهم، فعن يمين كل إنسان ملك يكتب صالح أعماله ، وعن يساره ملك يكتب سيئات عمله. قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كرامًا كاتبين. يعملون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]. وقال عز وجل: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
[الزخرف: 80]. وإذا علم الإنسان أن له حافظًا من الملائكة موكَّلا به، يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحف تنشر يوم العرض الأكبر على الناس جميعًا، كان ذلك زاجرًا له (مانعًا) عن فعل المعاصي وحافزًا له لعمل الخيرات.
الملائكة الحفظة:
وهم موكَّلون بحفظ الإنسان من الشيطان، والعاهات والآفات ومن جميع الأشياء الضارة. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله} [الرعد: 11]. قال ابن عباس في تفسيرها: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: يحفظونه في نومه وفي يقظته من الجن والإنس.
قرناء بني آدم من الملائكة:
والله جعل من الملائكة قرناء يصحبون الإنسان، وهدفهم هداية البشر وإسعادهم ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على الهدى والصلاح، واجتناب الشر والضلال. ففي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) [مسلم وأحمد].
وفي الحديث أيضًا: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاز بالخير، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268].
فعلى المسلم العاقل أن يصغي لنداء الملائكة فيفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات، وأن يحذر كل الحذر مما يلقيه الشيطان في روعه ويعوذ بالله منه.
الملائكة المسخرون بقبض الأرواح:
قال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقال عز وجل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} [السجدة: 11]. وقال سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32].
فالله وكَّلهم بقبض أرواح عباده، فإذا كان العبد من المؤمنين جاءته الملائكة بيض الوجوه حتى يُجلسوه، ويُخرجوا روحه فيقولون: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان. وإذا كان العبد من الكافرين جاءته ملائكة سُود الوجوه فيقولون: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سَخَط الله.
كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ( في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد، فجلس رسول الله ( وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال : (استعيذوا بالله من عذاب القبر). مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.. إلى أن يقول: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ...) [أحمد].
وفي الحديث الشريف: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلَّ على راهب (عابد) فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط . فأتاهم ملك بصورة آدمي، فجعلوه بينهم (أى: جعلوه حكمًا بينهم، وقد أرسله الله تعالى ليحكم بينهم بحكم الله تعالى) فقال: قيسوا ما بين الأرضين (أي التي خرج منها، والتي قصدها) فإلى أيتهما كان أدنى (أى: أقرب) فهو لها فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [مسلم].
ملائكة السؤال في القبر:
قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
فالله -عز وجل- يثبت المؤمنين على كلمة التوحيد في حياتهم لا تزحزحهم عنها المحن ولا الفتن، ويثبتهم عليها في الآخرة (أى: عند الموت) فالموت هو أول منزل من منازل الآخرة، وكذلك في مواقف القيامة فيثبتهم الله عز وجل، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن ربهم ودينهم ورسولهم فهم آمنون حين يخاف الناس، لا تفزعهم الشدائد والأهوال. وفي الحديث الشريف: (المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}) [رواه النسائى].
ويتولى السؤال في القبر ملكان كما قال ( : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى (انصرف) عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (محمد ( ) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة . فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس (أي: غير معتقد به) فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ (أي: لا علمت ما هو الحق ولا اتبعت الناجين) ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [متفق عليه].
وفي الحديث الشريف: أن النبي ( حمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شيء لم أكن أُرِيتُه إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار، فأوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال: يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، (أو الموقن) فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا، هو محمد (ثلاثًا). فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت لموقنا به . وأما المنافق (أو المرتاب) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُه) [متفق عليه].
فعلى المؤمن أن يستجيب لدعوة النبي ( ، ويهتدى بهديه حتى يحسن الجواب إذا سُئل في القبر فيقول آمنا واتبعنا الرسول، وهذا لا يتحقق إلا باتباع النبي ( في الدنيا، فمن يثبت على أمر الله في الدنيا ثبته الله -عز وجل- عند السؤال ويوم تزول الأقدام.
الملائكة الموكلون بتدبير أمور الجبال:
الله -عز وجل- خلق الجبال بعد خلق الأرض لتثبتها ولتكون رواسي لها، وقد خصَّ الله ملائكة بتدبير أمور الجبال، فلما رفضت قريش الدعوة ذهب ( إلى الطائف فردوا دعوته وآذوه، فأرسل الله -عز وجل- جبريل ومعه ملك الجبال فنادى الرسول ( : (يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبـين (جبلين بمكة)). فقال النبي ( : (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) [البخارى ومسلم].


أعمال الملائكة:
من أعمال الملائكة أنهم يصلون على النبي ( قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56].
الملائكة يبلغون الرسول السلام:
وقال :) (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني من أمتي السلام) [أحمد].
والملائكة تصلي على من يصلي على النبي ( كما جاء في الحديث: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها) [ابن ماجه].
الملائكة تدعو للمؤمنين وتستغفر لهم:
ومن وظائف الملائكة الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
وقال: {هو الذين يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43].
والصلاة من الله -تعالى- رحمة، ومن الملائكة دعاء واستغفار وفي الحديث:
(... والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه) [البخارى] . وفي الحديث أيضًا :(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) [متفق عليه].
فالمؤمن الذي آمن بالله ربَّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( نبيًّا ورسولا وجعل حياته كما يريدها الله عز وجل، ثم استقام على ذلك حتى يلقى ربه فإن الملائكة تدعو له. قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والاستقامة تشمل توحيد الله بعدم الشرك به، كما أنها تشمل طاعة الله باجتناب ما نهى الله عنه. وفي الحديث: (استقيموا ولن تحصوا) [ابن ماجه ومالك وأحمد].
حضور الملائكة صلاة الجمعة:
قال ( : (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) [البخارى].
تأمين الملائكة لفاتحة الكتاب:
كما في الحديث: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
وفي رواية :(إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه) [البخارى].
كما قال ( : (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة. غُفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
حضور الملائكة مجالس الذكر:
جعل الله -عز وجل- ملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون مجالس القرآن الكريم، ومجالس العلم ومجالس التسبيح والتحميد والتهليل، ومجالس الاستغفار والدعاء فيحضرونها .
كما قال ( : (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم: ما يقول عبادى؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر
لك تسبيحًا.
قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة. قال: فَمِمَّ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة.
قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم)
[متفق عليه].
الله يباهى الملائكة بعباده الذاكرين:
كما في الحديث: أن رسول الله ( خرج على حلقة من أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟). قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟). قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال ( : (أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله -عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
الملائكة تحف الذين يتلون كتاب الله تعالى:
كما في الحديث: (... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
وكان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بحبلين فتغشته سحابه، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر . فلما أصبح أتى النبي (، فذكر ذلك له. فقال: (تلك السكينة تنزلت للقرآن) [البخارى].
الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم:
فالملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم تكريمًا له، ورضًا بما يصنع، كما قال :) (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم) [أبو داود].

الملائكة يصلون على من يعلم الناس الخير:
ذكر لرسول الله ( رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم. فقال رسول الله ( : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم قال رسول الله ( : (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على مُعَلِّمى الناس الخير) [الترمذى].
تأمين الملك على دعاء المؤمن لأخيه:
قال ( : (من دعا لأخيه بظـهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله (أى: بمثل ما دعوت لأخيك)) [مسلم] . وفي حديث آخر: ( إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا) [متفق عليه].
فعلى المسلم أن يتوجه بالدعاء عند صياحها رجاء أن تؤمن الملائكة على دعائه وتستغفر له، عسى أن يكون من المقبولين والملائكة تؤمن على الدعاء عند المريض والمحتضر (من أشرف على الموت) يقول الرسول ( : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) [مسلم].
الملائكة تحمل البشرى للمؤمنين:
كان زكريا -عليه السلام- كلما دخل على مريم في محرابها التي كانت تعبد الله تعالى فيه، وجد عندها طعامًا دون أن يدخل عليها أحد، فتعجب من ذلك، فقال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فدعا زكريا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فنزلت الملائكة بالبشرى، قال تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيـى مصدقًا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] .
ولقد حملت الملائكة البشرى لإبراهيم وزوجته. قال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشري} [هود: 69].
فرسل الله هنا هم الملائكة، ولقد جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- على صورة رجال وبشروه بإسحاق ويعقوب، وقال تعالى في امرأته سارة: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71].
وقد تبشر الملائكة غير الرسل والأنبياء كما جاء في الحديث في بشارة الملك لمن زار أخًا له في الله تعالى، كما في الحديث عن رسول الله ( : (أنَّ رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرجته (أي في طريقه) مَلَكًا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ (أى: يقوم بها، وتسعى في صلاحها) قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببتَه فيه) [مسلم].
الملائكة تظل الشهداء بأجنحتها:
عن جابر بن عبد الله قال: أصيب أبي يوم أحد، فجعلتُ أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا ينهوني، ورسول الله ( لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمر تبكيه، فقال رسول الله :) (تبكيه أو لا تبكيه (أي: سواء أبكت عليه أم لا)، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، حتى رفعتموه) [مسلم].

الملائكة تحب من يحبه الله:
كما جاء في الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه. فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض) [البخاري ومسلم].
من تلعنه الملائكة:
تلعن الملائكة من أشار إلى أخيه بسلاح يقصد إيذاءه؛ كالسكين والسيف ونحوهما، قال :) (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه) [مسلم].
كما تلعن الملائكة المرأة الرافضة فراش زوجها، قال :) (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [فتح الباري].
كما تلعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها وزوجها كاره، قال ( : (إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع) [الطبراني].
صعود الملائكة بالكلم الطيب والعمل الصالح:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد إذا قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه، وصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن. ثم تلا قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
ما تنفر منه ملائكة الرحمة وتبعد عنه:
الصور (لما فيه روح) لحديث الرسول ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فقام النبي ( بالباب يدخل، فلم يدخل، فقالت عائشة: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ( : (ما هذه النمرقة؟) فقالت: لتجلس عليها وتوسَّدها. فقال رسول الله ( : (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) [البخارى] . وقال ( : (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير) [متفق عليه] . وقال ( : (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: واعد رسول الله ( جبريل -عليه السلام- في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأتِهِ، وكان ( في يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: (ما يخلف الله وعده ولا رسله) ثم التفت فإذا جَرْوُ (كلب) تحت سريره، فقال: (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا؟) فقالت: والله ما دريتُ. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ( : (واعدتَنى فجلستُ لك فلم تأتِ). فقال: (منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنَّا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) [مسلم].
الملائكة جنود النصر للمؤمنين:
قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} [آل عمران: 123-125]. وقال الله -عز وجل- في يوم الأحزاب: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} [الأحزاب: 9].
وعن عائشة -رضي الله عنها-: لما رجع الرسول ( من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل -عليه السلام- فقال: قد وضعت السلاح ووالله ما وضعناه، فاخرج إليهم . قال: (فإلى أين؟). قال: هاهنا. وأشار إلى قريظة فخرج ( إليهم. [البخاري].
الملائكة تشيع جنازة المسلم:
أُتِىَ النبي ( بدابة، وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتى بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشونَ، فلما ذهبوا ركبتُ) [أبو داود].
وخرج الرسول ( في جنازة، فرأى ركبانًا، فقال: (ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب) [الترمذى].
الملائكة يقفون صفوفًا يوم القيامة:
تقف الملائكة يوم القيامة صفوفًا كما قال الله -عز وجل- في وصف أهوال يوم القيامة: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا} [النبأ: 38].
وقال تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكًا. وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 21-23].

ثمرات الإيمان بالملائكة
الله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 1-3] .
وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:
عدم الوقوع في الخرافات:
فعندما أطلعنا الله -عز وجل- على أمر هذه الأرواح المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الشكر الدائم للمولى -عز وجل- على عنايته بعباده.
الاستقامة على أمر الله عز وجل:
فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟
الطمأنينة:
فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شر: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد :11].
حب الله عز وجل:
فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته.
الصبر على طاعة الله:
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
العلم بعظمة الله -عز وجل- وقوته وسلطانه:
ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله وهو يعلم أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن مَلَكًا واحدًا يستطيع -بقدرة الله- أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28]. ولكن المؤمن يعرف عظمة الله ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالجن

zd11.gif


الإيمان بالجن

كان النبي ( يصلي ذات مرة، فطلع عليه جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي ( من هذا الجان، فأمسك به وأراد ( أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد حتى يشاهده الناس فى الصباح، ولكن النبي ( تذكر دعوة سليمان -عليه السلام-: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]. فترك الجان وعفا عنه. [متفق عليه].
والجن من مخلوقات الله -عز وجل- والمسلم يؤمن بأن الجن خلقوا من النار، قال تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15] . وقال :) (خُلقتْ الملائكة من نور، وخُلقتْ الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) [مسلم].
وقد خلق الله -عز وجل- الجن قبل الإنس، قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [الحجر: 26- 27].
والمسلم يؤمن بأن الجن مأمور مثل الإنسان بطاعة الله، وأن يجعلوا حياتهم كلها طبقًا لما أراده الله، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
[الذاريات: 56]. وقال سبحانه مخاطبًا الجن والإنس: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأنعام: 130].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- أرسل نبيَّه محمدًا ( إلى كل من الإنس والجن، قال :) (وأرسلت إلى الخلق كافة) [مسلم]. وقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم. ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين} [الأحقاف: 29- 32].
طوائف الجن:
والمسلم يؤمن بأن الجن طوائف كثيرة مثل الإنس تمامًا، فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، ومنهم الصالحون ومنهم المفسدون، ومنهم الشياطين، ومنهم العفاريت، قال تعالى: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدًا. وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} [الجن:14-15]. وقال أيضًا: {وأنا منا الصالحون ومن دون ذلك كنا طرائق قددًا} [الجن: 11]، وقال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا} [الأنعام: 112]. والجن أنواع مختلفة، لكل نوع ميزات يتميز بها عن غيره، فهناك الجن الطيار والغواص والفحَّار وغير ذلك.
قدرات الجن:
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- منح الجن قدرات خاصة لم يمنحها للإنس جميعًا، ومن هذه القدرات سرعة التنقل الفائق، والقوة العظيمة التى تدل على عظمة الخالق -سبحانه-، كما جاء فى قصة سليمان ( عندما أراد أن يثبت لملكة سبأ عـظم ما أعطاه الله -عز وجل- له من نعم عظيمة وآلاء جليلة، قال تعالى: {قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}
[النمل: 38- 40].
والمسلم يؤمن بأن الجن يستطيعون التحليق فى الفضاء الخارجى، وكانوا يستمعون إلى السماء، وينقلون أخبارها إلى الكهنة بعد إضافة كثير من الأكاذيب إليها، فلما بعث الله -عز وجل- النبي ( حُرِسَت السماء بالشهب والملائكة، يقول الله -عز وجل- على لسان أحد الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} [الجن: 8-9].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- قد سخر الجنَّ لسليمان، يغوصون فى البحر، ويستخرجون له من خيراته، ويبنون له القصور الشامخات، وقد جعلهم
الله -عز وجل- من جنود سليمان عليه السلام، قال تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون} [النمل: 17].
وقال تعالى: {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرًا وقليل من عبادي الشكور}
[سبأ: 12-13].
وقال: {ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين} [الأنبياء: 82]. والمسلم يؤمن أن للجن قدرة على تغيير أشكالهم، فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أنه قال: وكلني رسول الله ( بحفظ زكاة رمضان، فأتانى آت، فجعل يحثو (يسرق) من الطعام، فأخذته، وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله (. قال: إنى محتاج، وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة. قال: فخليت عنه.
فأصبحت، فقال النبي :) (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟) قال: فقلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته، وخليت سبيله. فقال :) (أما إنه قد كذبك وسيعود). فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله ( إنه سيعود، فرصدته، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله (. فقال: دعنى، فإنى محتاج، وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمته، فخليت سبيله.
فأصبحت، فقال لي رسول الله :) (يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟) قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله. قال: (أما إنه قد كذبك وسيعود). فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ( وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني، أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: وما هى؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى: الله لا إله إلا هو الحى القيوم.. حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله.
فأصبحت، فقال لي رسول الله :) (ما فعل أسيرك البارحة؟) قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، فقال :) (ما هي؟) قلت: قال لى: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الآية، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال رسول الله :) (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟). قلت: لا. فقال: (ذاك شيطان) [البخارى].
والرسول ( يقول: (إن عفريتًا من الجن، تَفَلت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه، وأردتُ أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35]. فرده الله خاسئًا) [متفق عليه].
مساكن الجن:
المسلم يؤمن بأن للجن مساكن يسكنون فيها، مثل: الأماكن الخربة، والصحارى، والأماكن النجسة، والأماكن المظلمة. فقد كان فتى على عهد رسول الله ( حديث عهد بعرس - تزوج حديثًا-، فخرج مع رسول الله ( إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله ( بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا، فقال له: (خذ عليك سلاحك، فإنى أخشى عليك قريظة). فأخذ الفتى سلاحه ثم رجع، فوجد امرأته واقفة أمام حجرتها، فدخل البيت فوجد حية عظيمة على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فضربها به ثم خرج من الحجرة، ولكن الحية أسرعت نحوه، وأمسكت به، فما يُدرى أيهما كان أسرع موتًا، الحية أم الفتى، فذُكِرَ ذلك لرسول الله (، فقال: (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم (ظهر) بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان) [مسلم].
طعام الجن:
والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن طعام الجن، وهو العظم والروثة، فقد سُئل الرسول ( عنهما، فقال: (هما من طعام الجن) [متفق عليه]. وعنه ( أنه قال: (أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن). ثم انطلق رسول الله ( بأصحابه فأراهم آثار الجن، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد (الطعام) فقال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم). ثم قال رسول الله :) (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم) [مسلم وأبوداود وأحمد].
والمسلم يعلم أن الشياطين يأكلون مع الإنسان إذا لم يذكر اسم الله -تعالى-، فالشيطان يحضر موائد البشر، يأكل مما يتساقط منها قال :) (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط (يزيل) ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدرى فى أي طعامه تكون البركة) [مسلم].
ولكي يحترس المسلم من وجود الشيطان معه عند الطعام، فعليه أن يلتزم بآداب الإسلام فى تناول الطعام بأن يبدأ باسم الله -تعالى-، ويأكل بيمينه، ولا يأكل بشماله؛ حتى لا يشاركه الشيطان فى أكله، قال :) (لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن مصير الكافرين من الجن هو نفس مصير الكافرين من الإنس، فهم مكلفون بالإيمان بالله وطاعته، وسوف يحاسبون على ما يعملون فى الدنيا، قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس} [الأعراف: 179]. وقال: {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13].
الجن والإنس:
المسلم يؤمن بأن الكافرين من الجن يوسوسون إلى الإنسان، ويزينون له المعاصى، ويشككون المسلم فى الله -عز وجل- قال :) (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: مَنْ خلق كذا؟ ومَنْ خلق كذا؟ حتى يقول: مَنْ خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينْته) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- يحفظه من مس الجن وإيذائه، بالتزام الطاعات، أما الذين يبتعدون عن طريق الله، فمن السهل على الجن أن يؤذوهم بالصرع والجنون، قال أبي بن كعب: كنت عند النبي (، فجاء أعرابي، فقال: يا نبى الله إن لي أخًا به وَجَعٌ. قال: (وما وجعه؟) قال: به لمم (أي: أصيب بمس الجن). قال: (فأتني به). فأتاه به، فوضعه بين يديه، فعَوَّذَه بفاتحة الكتاب، فقام الرجل كأن لم يَشْكُ شيئًا قط [أحمد والحاكم].
ومن ذلك ما رواه يعلي بن مرة، قال: خرجت مع النبي ( فى سفر، فلما كنا ببعض الطريق، مررنا بامرأة ومعها صبي لها، فقالت، يا رسول الله، هذا صبي أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، فإنه يصرع فى اليوم أكثر من مرة. قال: (ناولينه). فأعطته إياه، ففتح فمه، فنفث فيه ثلاثًا، وقال: (باسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله). ثم أعطاه للمرأة، وقال: (تنتظرينا هنا ونحن راجعون، فتخبرينا بما فعل). قال يعلي: فذهبنا ثم عدنا إلى هذا المكان، فوجدناها ومعها ثلاث شياه، فقال :) (ما فعل صبيك؟). قالت: والذى بعثك بالحق ما رأينا منه شيئًا إلى هذه الساعة، وخذ من هذه الشياه، فقال :) (انزل فخذ منها واحدة ورُدَّ لها البقية) [أحمد]. وقال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275].
والمسلم يعلم أنه فى معركة مستمرة مع الشياطين وأعوانهم من شياطين الإنس والجن، الذين يفسدون فى الأرض ولا يطيعون الله -عز وجل-. والمسلم يعرف أعداءه جيدًا، وأول عدو يجب أن يحترس منه هو الشيطان، قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا} [فاطر: 6]. وقال: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 60].
فالمسلم لا يتبع الشيطان فى طريق غوايته، بل يحذر دائمًا من وسوسته؛ لأنه سبب الضلال فى كل وقت وفى أي مكان، فهو الذى زين للأمم السابقة طرق الشرك بالله -تعالى-، ودعاهم إلى تكذيب الرسل، وقد أخذ على نفسه العهد أن يضل الناس جميعًا إلا المخلصين المؤمنين، فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين} [ص: 82-83].
وقال -سبحانه- عن إضلال إبليس للأمم السابقة: {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون} [النمل: 24]. والشيطان يلازم الإنسان فى كل حركاته وسكناته، فكلما همَّ بطاعة الله صرفه عنها، وكلما ابتعد عن معصية الله قَرَّبَهُ منها، فهو يكره أن يرى الإنسان فى طاعة لله -عز وجل-، ويوسوس للإنسان فى صلاته ودعائه وقراءة القرآن، بل وفى كل طاعة.
فعلى المسلم أن يتعوذ بالله من الشيطان حينما يشعر بوسوسة منه، قال تعالى: {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
[فصلت: 36].
قال ( : (إذا نودى بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها (أي أقيمت) أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر (يوسوس) بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أو أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو أربعًا سجد سجدتي السهو) [متفق عليه].
والمسلم يعلم أن الشيطان يحاول أن يوقعه فى الشرك بالله، وهى أكبر جريمة يرتكبها الإنسان فى حق الله، فإن لم يستطع أن يوقعه فى الشرك أوقعه فى كبائر الذنوب، والبدع، وإن لم يستطع حاول أن يوقعه فى صغائر الذنوب، فهو لا يمل أبدًا من إضلال الإنسان، قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}
[البقرة: 268].
والشيطان يسعى بين الناس بالفساد، وتقطيع الأرحام، ونشر الحقد والحسد والضغينة بينهم، قال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}
[المائدة: 91].
والمسلم يعلم أن إبليس يبعث جنوده من الشياطين للفساد فى الأرض، ويكون أكثرهم فسادًا أقربهم إليه منزلة. قال ( : (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه (أي: جنوده للفتنة)، فأدناهم (أقربهم) منه منزلة أعظمهم فتنة، ويجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئًا. ثم يجىء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، يمدحه فيقول: نعم أنت) [مسلم]. فالشيطان يفرح بخراب البيوت العامرة، وتشريد النفوس الآمنة.
والمسلم يعلم ملازمة الشيطان وإصراره على غوايته، فعليه أن يذكر الله عند دخوله إلى بيته حتى لا يدخل الشيطان معه، وعند طعامه حتى لا يأكل الشيطان معه، وفى كل أمور حياته ليبعد عنه الشيطان، والمسلم يعلم أنه إن لم يفعل ذلك أكل وشرب ونام معه الشيطان، قال ( : (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) [مسلم].
والمسلم يعلم أن الشيطان عدو للأنبياء والمرسلين. قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا} [الأنعام: 112].
وتسأل عائشة الرسول :) يا رسول الله، أو معي شيطان؟ قال: (نعم). قلت: ومع كل إنسان؟ قال: (نعم). قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: (نعم). ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) [مسلم].
والمسلم يعلم أن السحر حقيقة لا ريب فيها، يقول الله فى سحرة فرعون: {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: 116]. وقال سبحانه: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102].
وقد سُحِرَ الرسول ( على يد لبيد بن الأعصم اليهودي، كما قالت عائشة -رضى الله عنها-: (سَحَر رسولَ الله يهودىٌّ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان ( يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم، دعا رسول الله ( مرات، ثم قال: (أُشْعِرْتُ أن الله أفتاني فيما فيه شفائي (أي: أجابني فيما طلبت)؛ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب (أي: مسحور) قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في ماذا؟ قال: في مُشط ومُشاطة (أي: شعر سقط من التسريح) وجُفَّ طلعة ذكر (أي غشاء الطلع) قال: فأين هو؟ قال: فى بئر
ذى ذروان. قالت: فخرج إليها النبي ( ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع: (نخلها كأنه رءوس الشياطين). فقلتُ: استخرجته؟ قال: (لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيتُ يثير ذلك على الناس شرًّا ثُمَّ دفنت البئر) [متفق عليه].
فالمسلم يدعو ربه دائمًا ويستغفره، ويتعوذ به من شرور الشياطين، قال تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون}
[المؤمنون: 97-98].
وهو يعلم أن الله -عز وجل- يحمى عباده المؤمنين من مكائد الشيطان، وأنه قد بشرهم بالحفظ من كيد الشيطان فقال: {إن عبادي ليس لك عليم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حينما يسير فى طريق، يلتمس الشيطان طريقًا آخر خوفًا من عمر، لأنه كان عبدًا مخلصًا لله. والمسلم يعلم أن الجن لا تقدر على شيء إلا بإرادة الله، كما أنها لا تعلم من غيب الله شيئًا، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} [الجن: 26- 27]. فعلى المسلم أن يكون دائم الصلة بالله -عز وجل-، فمن كان فى كنف الله -عز وجل- حماه الله من شياطين الإنس والجن فهو نعم المولى ونعم النصير.
والمسلم يعلم أن إبليس تكبر على أمر الله -عز وجل- عندما أمره بالسجود لآدم تكريمًا له، وقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف: 12]. فغضب الله عليه، وأنزله من السماء، وأخرجه من رحمته: {قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين} [الأعراف: 18].
والجن مكلفون بالعبادة والطاعة لله -عز وجل- مثل الإنس ، يدل على ذلك خطاب الله -عز وجل- لهم فى القرآن، وما ورد عن الرسول ( أنه خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: (لقد قرأتها على الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: {فبأي آلا ربكما تكذبان} [الرحمن: 13]. قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد) [الترمذي].
علم إبليس أن الله خلقه، وكلَّفه وأمره، ولكنه استكبر على أمر الله. والمسلم لا يفعل هذا أبدًا، ففي يوم القيامة يرى الناس رجلا فى النار، فيسألوه: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا أعمله، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
والمسلم يجب أن يعلم أن الشيطان سوف يتبرأ من أوليائه يوم القيامة، قال تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22].
والذين ينكرون الجن ليس لهم حجة ولا سند، فإن كانوا لا يؤمنون بالغيب فإن هناك أشياء من الغيب لا ندركها، ولكن ندرك تأثيرها، فالكهرباء -مثلا- لا نراها، ولكن ندرك تأثيرها، وكذلك الجاذبية والروح، فإن كانوا ينكرون هذه الأشياء، فليمسك أحدهم بسلك من الكهرباء، ويزعم أنه غير موجود لأنه لا يراه، هذا إن أرادوا دليلا عقليًّا، فإن أرادوا دليلا من الشرع، فيكفيهم أن
الله -عز وجل- أنزل سورة كاملة، وسماها سورة الجن، وذكرهم فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالكتب السماوية

zd11.gif


الإيمان بالكتب السماوية

القرآن الكريم:
في غار حراء بعيدًا عن الناس، نزل جبريل على نبيِّنا محمد ( وهو يتعبد لله الواحد الأحد، وقال له: اقرأ. فرد عليه: (ما أنا بقارئ). فضمه جبريل بشدة، وقال له: اقرأ. فقال ( وهو يرتعد ويرتجف: (ما أنا بقارئ). فاحتضنه جبريل بشدة مرة ثانية وهو يأمره: اقرأ. فأجاب وهو يرتجف ويرتعش: (ما أنا بقارئ)، فيضمه جبريل إلى صدره للمرة الثالثة ثم يتركه ويقول له: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1].
وينتهي ذلك الموقف، ويختفي جبريل، فيسرع محمد ( إلى بيته مرتجفًا مرتعدًا يتصبب عرقًا، ويدخل على زوجته خديجة وهو يقول: (زملوني، زملوني (أي ضعوا على غطاء)) [البخارى]. فتضع خديجة عليه أغطية الصوف، وتمسح العرق عن جبينه.
لقد نفذت مشيئة الله، وتم اختيار آخر الأنبياء في الأرض لتبليغ دعوة الله إلى العباد. وكانت هذه الآية هي أول ما أنزل الله -سبحانه- على رسوله ( من القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي اختاره الله -عز وجل- ليكون معجزة خالدة، وحجة واضحة مع خاتم النبيين. وهذا الكتاب ليس الوحيد الذي أنزله الله، بل هناك كتب أخرى مثل: التوراة والإنجيل والزبور والصحف.
والمسلم يؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، كما آمن بالقرآن الذي أنزله الله على محمد (، ومن هذه الكتب ما ذكره الله لنا في القرآن الكريم، ومنها ما لم يذكره، يقول الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} [البقرة 213].
ومن الكتب التي ذكرها الله- عز وجل- في القرآن الكريم:
صحف إبراهيم وموسى- عليهما السلام-:
هي التي أنزلها الله -عز وجل- على إبراهيم وموسى -عليهما السلام- قال تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى. وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 36-37]. وقال سبحانه: {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى}
[الأعلى: 18-19].
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم -عليه السلام-؟ قال: (كانت أمثالا كلها؛ أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لتردَّ عنَّي دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل- ما لم يكن مغلوبًا على عقله ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله -عز وجل-، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل ألا يكون ظاعنًا إلا لثلاث: تزوّد لمعاد، أو مرمَّة -أي إصلاح- لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلا على شأنه، وحافظًا للسانه.. ومن حسب كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه).
قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى -عليه السلام-؟ قال: (كانت عبرًا كلها: عجبتُ لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبتُ لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب (أي يتعب) عجبتُ لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها. عجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم لا يعمل)
[ابن حبان والحاكم].
التوراة:
وهي الكتاب الذي أنزله الله على موسى -عليه السلام- وأمر النبيين من بعده أن يقيموا أحكامه، لأن الله -عز وجل- أرسلهم ولم يرسل معهم كتبًا، بل جعل التوراة، كتابهم وشرعتهم، قال تعالى : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44]. وقد سمَّى الله -عز وجل- التوراة في القرآن بالفرقان.
الزبور:
من الكتب السماوية، أنزله الله -عز وجل- على داود -عليه السلام- قال تعالى: {وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55]. وكان داود كثير القراءة في الزبور، الذي سماه الرسول ( قرآنًا للتشابه بينهما في الإعجاز، فقال :) (خُفِّف على داود -عليه السلام- القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده) [البخارى].
وأنزل الله -عز وجل- في الزبور المواعظ الغالية، والثناء عليه -سبحانه-، ولم ينزل الله فيه أحكام الحلال والحرام؛ لأنهم كانوا يأخذون أحكامهم من التوراة.
الإنجيل:
أنزله الله على عيسى -عليه السلام- قال تعالى: {وقفينا على آثارهم
بعيسى بن مريم مصدقًا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين} [المائدة: 46].
وقال الله -عز وجل-: {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل} [الحديد: 27].
الغاية من إنزال الكتب:
المسلم يؤمن أن هذه الكتب نزلت من عند الله، وهي تدعو إلى توحيد الله وعدم الشرك به -سبحانه-، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
ويؤمن أن الغاية من إنزال الكتب هي هداية البشر إلى طريق الله المستقيم، وإزالة ما بينهم من اختلاف، وتبشيرهم برضوان الله -عز وجل- إن أطاعوه، وبعذابه
-سبحانه- إن عصوه. وأن الرسالات السماوية -غير القرآن- لم تَبْقَ على الصورة التي أنزلها الله عليها، ولكنها تعرضت للتحريف والتبديل، واختلط فيها كلام البشر بكلام الله -عز وجل-.
صور تحريف الكتب السماوية
وقد أخذ التحريف في هذه الكتب صورًا شتى، وقد ذكر منها القرآن بعض
الصور، مثل:
إخفاء الآيات:
قال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسول يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير} [المائدة: 15].



التأويل الخاطئ للآيات:
قال تعالى: {وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} [آل عمران: 78].
نقل الآيات من أماكنها:
قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا} [النساء: 46].
إضافة شيء ليس من الكتاب:
قال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون. فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة: 78-79].
تحريف التوراة:
إن الإيمان بالتوراة التي أنزلها الله على موسى -عليه السلام- ركن من أركان الإيمان، والمسلم يؤمن بأنها اشتملت على كل خير، وجاءت بتوحيد
الله -عز وجل- وكانت نورًا وهدى. قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة: 44].
إلا أن التوراة التي أنزلت على موسى -عليه السلام- غير موجودة كما أنزلت، أما التوراة المتداولة الآن، فقد قام بكتابتها أكثر من كاتب، وفي أزمان مختلفة، وقد دخل عليها التحريف والتبديل.
ومن أدلة التحريف الحسية أن التوراة المتداولة لدى النصارى تخالف المتداولة عند اليهود، وقد أثبت القرآن هذا التحريف وعاب على اليهود تغييرهم وتبديلهم في التوراة. قال تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة: 75].
إنهم تجرءوا على كتاب الله، فحرفوه ليخفوا ما جاء فيه من الحق، وكل ما يثبت نبوة محمد (، وكانوا يعرفون النبي ( كما قال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: 146].
ولكنهم لم يؤمنوا به، واستكبروا، وحرفوا الكلم، قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46].
ومن أدلة التحريف في التوراة الحالية ما ورد فيهـا من وصف لا يليق بجلال الله وكماله، مثـل: (وقــال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا بالخير والشر).
وفيها أيضًا: (فحزن الرب أنه عمل الإنسان وتأسف في قلبه).
فهل يعقل أن هذا الكلام من كلام الله؟!!
هل يُعقل أن ينسب الحزن والأسف لله-عز وجل-؟! فهذا القول المزعوم يقتضي أن الله -عز وجل- لم يكن عالما بعواقب الأمور، كلا! فالله -عز وجل- منزه عن أي نقص، محيط بكل شيء، تعالى عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
ومما يدل على تحريف التوراة الحالية، ما ذكر فيها من وصف الأنبياء بأوصاف تتنافي مع عصمة الله لهم، فقد ذكروا عن إبراهيم أنه كذاب، وأن هارون دعا
بني إسرائيل إلى عبادة العجل، وسليمان عبد الأصنام إرضاءً لزوجته. فكيف يعقل أن هذا الكلام يتكلم به البشر أصحاب الفطرة المعتدلة، فضلا عن أن يُنزله
الله -عز وجل- لهداية البشر؟!
تحريف الإنجيل:
لم يسلم الإنجيل من التحريف والتبديل، ولم يبق على حالته كما أنزله
الله -عز وجل-، فأخذ النصارى يزيفون حقائق الأمور حتى يحققوا أغراضهم الدنيوية.
ويكفي دليلاً على أن الأناجيل المتداولة الآن محرفة، أنها أربعة أناجيل اختاروها من أناجيل كثيرة، وهذه الأناجيل تناولت الكتابة عن سيدنا عيسى -عليه السلام- ومؤلفوها معروفون وأسماؤهم مكتوبة عليها. وقد وجدوا في مكتبة أمير من الأمراء في باريس نسخة من الإنجيل -إنجيل برنابا- تخالف هذه الأناجيل الأربعة المختارة. وتوافق القرآن الكريم في كثير من العقائد والأصول.
فإذا علمنا أن هذه الكتب محرفة، فما معنى أن القرآن جاء مصدقًا لما تَقدَّمه من الكتب الإلهية؟ معنى ذلك أن القرآن جاء مؤيدًا للحق الذي ورد فيها من عبادة الله وحده والإيمان برسله، والتصديق بالجزاء، ورعاية الحق والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخلق بالأخلاق الصالحة.
قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم} [المائدة: 68].
فالقرآن الكريم هو السبيل الوحيد الذي نتعرف به على التعاليم الإلهية الصحيحة، فهو الكتاب الذي حُفِظَت أصوله، وسلمت تعاليمه، وتلقته الأمة عن طريق أمين الوحي جبريل -عليه السلام- الذي نزله على الرسول (، وهذا الأمر الذي لم يتوفر لكتاب غيره، وأنه يشتمل على أسمى المبادئ والمناهج والنظم. وفيه كل ما يحتاجه الإنسان من العقائد والعبادات والآداب والمعاملات، وصالح لكل زمان وكل مكان، وهو كفيل بأن يخلق فردًا مسلمًا وأسرة فاضلة، ومجتمعًا صالحًا، فمن حكم به عدل، ومن قال به صدق، ومن سار على نهجه هداه الله إلى صراط مستقيم، قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: 15-16].
خصوصية الكتب السابقة:
الكتب التي أنزلها الله- عدا القرآن- كانت لأقوام معينين في أزمان معينة، وقد وافقت القرآن الكريم في بعض الشرائع، قال تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} [المائدة: 45]. فالمسلم يؤمن بما جاء في هذه الكتب ما لم يخالف القرآن، والمسلم يؤمن أن القرآن هو دستور الناس جميعًا.
مزايا القرآن الكريم
للقرآن الكريم مزايا تميزه عن الكتب السماوية التي سبقته، ومنها أنه جاء متضمنًا لخلاصة التعاليم الإلهية التي أنزلها الله -عز وجل- في التوراة والإنجيل وسائر ما أنزل الله من وصايا، وأنه مؤيد للحق الذي جاء في هذه الكتب من عبادة الله وحده، والإيمان برسله، والتصديق بالجزاء، ووجوب إقامة الحق، والتخلق بمكارم الأخلاق، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48].
أي أن الله -عز وجل- أنزل القرآن الكريم مقترنًا بالحق في كل ما جاء به، ومصدقًا لما تقدمه من الكتب التي أنزلها الله -عز وجل-، ومهيمنًا عليها، ومبينًا ما دخل عليها من تحريف وتبديل، ثم يأمر الله نبيه أن يحكم بين الناس مسلمين أو غير مسلمين بما أنزل الله في القرآن، وألا يتبعهم في معصية الله -تعالى-.
والله -عز وجل- جعل لكل أمة شريعة وطريقة في الأحكام والمعاملات تناسب استعدادها وفطرتها، أما أصول العقائد فهي واحدة في كل الرسالات. قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13]. وجاء الإسلام فنسخ كل شريعة وجعل العقيدة واحدة والشريعة واحدة للناس جميعًا.
إن الكتب التي نزلت قبل القرآن ضاعت نُسَخُها الأصلية، ولم يبقَ في أيدي الناس إلا تراجمها، أما القرآن فما يزال محفوظًا بسوره وآياته وكلماته وحروفه كما تلاه جبريل -عليه السلام- على رسول الله (، والكتب السابقة قد اختلط فيها كلام البشر بكلام الله، فلا يعرف أحد فيها كلام الله من كلام البشر، وأما القرآن فهو جميعه كلام الله- تعالى-، ولم يختلط بحديث الرسول ( أو أقوال الصحابة أو غيرهم.
إن تلك الكتب ليس منها كتاب تصح نسبته إلى الرسول الذي أُنزل عليه، فالتوراة لم يكتبها موسى، وإنما دُوِّنت بعد موسى-عليه السلام- بقرون عديدة، أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي ثبتت نسبته بصورة قطعية إلى الرسول ( وإن لم يكتبه، فقد كان يأمر كتاب الوحي أن يدون كل ما نزل أولا بأول.
وتعاليم القرآن هي كلمة الله التي يسعد بها البشر، فأراد الله لها أن تخلد على مر الزمن، فصانها وحفظها من التبديل، قال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41-42].
وقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]. والغاية من ذلك أن تبقى حجة الله قائمة على الناس. والقرآن أنزله الله للعالمين جميعًا، وللناس كافة، وليس خاصًا لقوم معينين كما كانت الكتب السابقة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للناس بشيرًا ونذيرًا} [سبأ: 28].
والقرآن هو الهدى الموصل إلى كل خير. قال تعالى: {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 1-2]. والله -عز وجل- يريد لكلمته أن تنتشر، وتصل إلى العقول والأسماع في كل مكان، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت سهلة الحفظ والفهم، فليس في القرآن ما يصعب على الناس فهمه أو العمل به، قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17]. والقرآن معجزة الرسول (، فلو اجتمعت الدنيا بأسرها على أن تأتى بمثل ما جاء به في القرآن الكريم لأعجزهم ذلك، فهو {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42].
والقرآن دعوة إلى الفضيلة والنهي عن الرذيلة. قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} [يونس: 57].
والقرآن شفاء للنفوس. يطهرها من أمراضها، فهو شفاء لها من الكفر والضلال، وشفاء لها من الغل والحقد، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالرسل

zd11.gif


الإيمان بالرسل

بعد نزول الوحي على النبي ( في غار حراء، عاد النبي مسرعًا خائفًا إلى بيته يقول: زملوني، زملوني. فاستقبلته زوجته الوفية المخلصة السيدة خديجة -رضي الله عنها- وهَدَّأَتْ من روعه، وخفَّفت عنه ما هو فيه، فقالت له: (كلا يابن العم، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتصدق الحديث، وتعين على نوائب الحق).
ثم أخذته وذهبت مسرعة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وقصَّت عليه ما حدث لزوجها محمد، وكان (ورقة) قد اعتنق النصرانية في الجاهلية، ودرس الإنجيل، فقال ورقة للنبى :) هذا الناموس الذي نزل على موسى، وإنك لنبي هذه الأمة. [البخارى].
فالإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان التي وضحها النبي ( عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله...) [متفق عليه].
وقد أرسل الله -سبحانه- الكثيرين من الرسل، ذكر بعضَهم القرآنُ الكريم ولم يذكر الآخرين، وعلينا أن نؤمن بهم جميعًا، يقول تعالى: {فآمنوا بالله ورسله} [النساء: 171]. ويقول أيضًا: {والذين آمنوا بالله ورسوله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 152].
النبي والرسول:
النبي رجل حر من بني آدم أُوحِيَ إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول رجل حر من بني آدم أوحِىَ إليه بشرع وأمر بتبليغه، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.

عدد الرسل:
أرسل الله تعالى رسلا وأنبياء كثيرين، وذكر الله سبحانه في القرآن أسماء خمسة وعشرين نبيًّا ورسولا وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وصالح، وهود، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، ويونس، وموسى، وهارون، واليسع، وذو الكفل، وداود، وزكريا، وسليمان، وإلياس، ويحيى، وعيسى، ومحمد -(-. قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلاً من قبلك مهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافر: 78].
وظيفة الرسل:
لما أنزل الله تعالى قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]. صعد الرسول ( جبل الصفا ثم نادى: (يا صباحاه!) فاجتمع الناس إليه، فقال :) (يا بني فلان! يا بني فلان! يا بني فلان! يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب!) فاجتمعوا إليه، فقال لهم: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح (أسفل) هذا الجبل أكنتم مُصدِّقِىَّ؟) قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: (فإنى نذير لكم بين يدى عذابٍ شديد) [مسلم].
فالله سبحانه قد أرسل الرسل لدعوة الناس إلى توحيده وطاعته، فيبشرونهم برضوان الله وجنته إن آمنوا وأطاعوا، وينذرونهم من عذاب الله إن خالفوا وعصوا. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} [الأنعام: 48-49].
الأنبياء بشر:
والأنبياء بشر مثل باقي البشر يأكلون ويشربون، ويفرحون ويحزنون، ويمشون في الأسواق، وعندما كان المشركون يطلبون من الرسول ( أشياء لا يقدر عليها، كان ( يتعجب منهم، ويذكر لهم دائمًا أنه بشرٌ: {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولاً} [الإسراء: 93]. ويقول تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي} [الكهف: 110].
عصمة الأنبياء:
اختار الله الرسل وفضَّلهم على خلقه، ونزَّههم عن السيئات، وعصمهم من ارتكاب المعاصى كبيرها وصغيرها، وميَّزهم بالصفات الكريمة، والأخلاق العظيمة من حلم وصدق وأمانة؛ حتى يكونوا قدوة لغيرهم، فيسير الناس على نهجهم ويقتفوا آثارهم، لذلك فقد عصمهم الله من الإثم، ونزَّههم عن الوقوع في المعاصي، فهم خيرة خلق الله، وأفضل من عبد الله -عز وجل- وأطاعه، وهم المثل الأعلى الذي يسترشد به الناس. يقول تعالى: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر به هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 89-90].
صفات الأنبياء:
هناك صفات واجبة في حق الرسل، يتساوون فيها وإن كانوا يتفاضلون في غيرها، والصفات الواجبة في حق الرسل هي:


الصدق:
فيجب أن نعتقد بصدق الرسل جميعًا، وأنه يستحيل عليهم الكذب
والله -عز وجل- يقول: {وصدق المرسلون} [يس: 52] وسيرة الأنبياء جميعًا وصفاتهم تشهد لهم بالصدق؛ فقد كانت قريش تلقب الرسول ( قبل البعثة بالصادق الأمين.
الأمانة:
الرسل يتصفون بالأمانة، ويستحيل عليهم الخيانة؛ فهم محفوظون ظاهرًا وباطنًا من فعل أي معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 361].
الذكاء:
فالرسل يخاطبون كلَّ البشر على اختلاف عقولهم ودرجات ذكائهم، ويواجهون أصعب المواقف، وهو مطالب بدعوة كل هؤلاء والتأثير فيهم والتغيير من سلوكهم، ولذا فضل الله الرسل بنعمة الذكاء.
وفي قصة الحجر الأسود خير دليل على فطنة نبينا محمد (، فعندما تنازع زعماء القبائل من قريش فيمن يحمل الحجر الأسود ليضعه مكانه، لأن كلا منهم يريد الحصول على هذا الشرف العظيم، كادت أن تقع مشاجرة بينهم، ولكنهم اقترحوا أن يحكِّموا بينهم أول من يدخل عليهم، فكان الداخل هو الرسول (، فاطمأن الجميع لعلمهم بصدقه ورجاحة عقله. وتتجلى فطنة النبي ( وذكاؤه حينما خلع رداءه ووضع الحجر عليه، وجعل كل واحد من رؤساء القبائل يمسك من الثوب طرفًا؛ فحملوه جميعًا وانتهي الموقف دون اختلاف أو مشاجرة بذكاء نبينا محمد (.
وهذا إبراهيم ( يدعو الملك الكافر النمروذ ويقول له: {ربي الذي يحيي ويميت}. فيقول هذا المعاند: أنا أحيي وأميت. ويحضر رجلين سجينين فيقتل أحدهما ويطلق الآخر ولكن ذكاء إبراهيم -عليه السلام- قد فاجأ النمروذ بأمر لا جدال فيه فقال له: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} فوقف النمروذ عاجزًا حائرًا لا يستطيع أن يفعل هذا الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله. قال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258].
التبليغ:
يجب على الرسل إيصال كل ما أمرهم الله به وتبليغه إلى الناس، لأنه يستحيل عليهم أن يكتموا شيئًا من شرع الله سبحانه. وقد قام الرسل بدورهم خير قيام فجزاهم الله عنَّا خير الجزاء. قال تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ}
[المائدة: 99] وقال أيضًا: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}
[المائدة: 67].
وقال الله عن نوح: {ولكني رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 61-62].
وعندما نزل قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، وقف الرسول ( خطيبًا، فقال: (يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد مناف،لا أُغني عنكم من الله شيئًا. يا عباس بن عبد المطلب،لا أُغني عنكَ من الله شيئًا) [البخارى].
أولو العزم من الرسل:
فضّل الله -سبحانه- بعض الأنبياء، لأنهم صبروا وتحملوا الإيذاء والتكذيب في سبيل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله أكثر من غيرهم من بقية الرسل، وهؤلاء سماهم الله -عز وجل- بـأولى العزم من الرسل وهم: محمد، وإبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم، يقول تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} [الأحقاف: 35] . ويقول تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7].
الصفات المستحيلة في حق الرسل هي:
يستحيل على الرسل كل نقص يُخل برسالتهم، أو يؤدى إلى نفور الناس منهم، فيستحيل عليهم أن يتصفوا بالصفات الآتية:
الكذب:
فقد أرسل الرسول ( إلى هرقل ملك الروم يدعوه إلى الإسلام، وكان بالشام حينئذ أبو سفيان وبعض قريش، فأرسل هرقل في طلب من كان في بلده من العرب، فجاءه أبو سفيان وذلك قبل أن يسلم، فسأله هرقل عن النبي (، وكان مما سأله: هل يكذب؟ قال أبو سفيان: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ثم يكذب على الله. فالرسل لا يجوز في حقهم الكذب، بل كيف يصطفي الله ويؤيد من هو كاذب. فالرسل صادقون مصطفون، وعندما أُسْرِيَ بالنبي ( وأخبر المشركين بذلك، جاءوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة واحدة، والناس يذهبون في شهر، ويرجعون في شهر، فقال أبو بكر: إن قال ذلك فقد صدق.
الخيانة:
والخيانة لا تجوز في حق الرسل، فكيف يأتمن الله -عز وجل- من ليس أمينًا، فالله -سبحانه- اصطفي الرسل ليقوموا بأعظم مهمة، ألا وهي الدعوة إلى الله، قال تعالى: {إن الله اصطفي آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
[آل عمران: 33] .
عدم التبليغ (الكتمان):
كتمان الرسالة لا يجوز في حق الرسل، لأن الله -عز وجل- يأمر بأداء الأمانة، وهذا رسولنا ( يقول في حجة الوداع وهو يودع أمته: (ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد) [متفق عليه].
البلادة:
أرسل الله -عز وجل- الرسل لهداية الناس إلى صراط الله المستقيم، فيستحيل عليهم أن يتصفوا بالغباء والبلادة لأن الرسول لو كان بليدًا؛ فلن يؤثر في قومه، ولن يهدي الضالين، ولن يقتنع أحد بحجته، فلابد إذن أن يكون الرسول ذكيًّا، يدعو الناس، ويفتح قلوبهم للإيمان. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
معجزات الأنبياء

zd11.gif


معجزات الأنبياء

أيَّد الله سبحانه أنبياءه بمعجزات، وهي أمور خارقة، وغالبًا ما تكون من جنس ما برع فيه قوم النبي؛ فقوم موسى برعوا في السحر فجعل الله موسى يلقي عصاه فتتحول إلى ثعبان مبين، وقوم عيسى برعوا في الطب فداوى عيسى
-عليه السلام- الأبرص والأعمى وأحيا الموتى بإذن الله، وبرع العرب في البلاغة والشعر فأنزل الله إليهم القرآن، فكان معجزة لهم عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله. ومن معجزات الأنبياء:
معجزة صالح -عليه السلام-:
أرسل الله -عز وجل- صالحًا إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فطلبوا منه دليلا على صدق ما جاء به، فأيده الله بمعجزة الناقة؛ حيث أخرج لهم من بين الصخور ناقة ضخمة، فآمن البعض، وظل الأكثرون على كفرهم وعنادهم، وعزموا على قتل الناقة، فحذرهم نبي الله صالح من أن يمسوها بسوء فيحل عليهم عذاب الله، قال تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73].
معجزة إبراهيم - عليه السلام-:
كان إبراهيم لا يرضى عما يفعله قومه، فقد كانوا يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وذهب إبراهيم يومًا دون أن يراه أحد، فحطم الأصنام، فلما علم قومه أن إبراهيم هو الذي فعل ذلك أوقدوا له نارًا وألقوه فيها، لكن النار لم تحرقه، ولم تؤثر فيه حيث أمرها الله -سبحانه- ألا تحرق إبراهيم؛ وجعلها بردًا وسلامًا عليه، قال تعالى: {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم. وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 68-70].
معجزة موسى- عليه السلام-:
قال تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى. قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى. قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى} [طه: 17-20]. لقد كانت العصا إحدى المعجزات التي أيَّد الله بها موسى، فهزم بها سحرة فرعون بإذن الله، وبها خرج الماء من الحجر بإذن الله، وبها تحول البحر إلى أرض يابسة ليكتب الله تعالى النجاة للمؤمنين ويجعل العذاب على الكافرين.
معجزة عيسى - عليه السلام-:
كانت معجزة الله -تعالى- لعيسى -عليه السلام- أنه كان يداوي الأبرص والأعمى ويحيي الموتى بإذن الله، وكان يعمل تماثيل من الطين مثل الطيور، ثم ينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله. قال تعالى: {ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 49].
ومن معجزات عيسى -عليه السلام- أيضًا (نزول المائدة). فقد طلب منه قومه أن يُنزل الله عليهم مائدة من السماء حتى يزداد إيمانهم، وألحوا عليه كثيرًا في طلبهم، فحذرهم عيسى -عليه السلام- من هذا الطلب، وحاول أن يصرفهم عن هذا الأمر، ولكنهم أصروا على طلبهم، فأنزل الله -عز وجل- مائدة من السماء، لتكون معجزة لعيسى عليه السلام.
قال تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. قال عيسى ابن مريم الله ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين} [المائدة: 112-115].
معجزات النبي :)
القرآن الكريم:
تتشاور مشركو قريش.. كيف يمنعوا محمدًا من دعوة الناس إلى الإسلام؛ خاصة وأن موسم الحج قد اقترب، وفيه يعرض الرسول ( الإسلام على الناس، فاتفقت كلمتهم على أن يحذروا الناس من الاستماع إلى محمد. وكان فيمن وفد للحج والتجارة الطفيل بن عمرو الدوسي، رئيس قبيلة دوس، فحذروه من الاستماع إلى محمد، وزعموا أنه ساحر وشاعر، فكان الطفيل يضع قطنًا في أذنيه خشية أن يستمع إلى النبي (.
وذات مرة ذهب الطفيل عند الكعبة، فوجد النبي محمدًا ( يصلى ويقرأ القرآن، وأبي الله إلا أن يستمع الطفيل إليه، فلما استمع، عرف أن هذا ليس بشعر ولا سحر، وكان الطفيل شاعرًا، فلما انتهى الرسول ( من صلاته تبعه الطفيل إلى بيته، وحكى له ما قاله المشركون له، ثم طلب منه أن يعرض عليه الإسلام، فلما استمع الطفيل إلى دعوة الإسلام، آمن بالله تعالى، وبرسوله وبالكتاب الذي أنزل معه، وكان إيمان الطفيل بركة من بركات القرآن، ثم ذهب الطفيل إلى قبيلته ودعاها إلى الإسلام.
فالقرآن الكريم: هو كلام الله ومعجزته الخالدة لنبيه محمد (، أنزله في أهل البلاغة فأعجزهم، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وتحداهم أن يأتوا بآية فعجزوا، وهو حبل الله المتين، فمن تمسك به نجاه، ومن اتبعه هداه إلى صراط مستقيم.
انشقاق القمر:
جاء أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدد كبير من مشركي قريش إلى الرسول (، وقالوا: يا محمد إن كنت صادقًا فيما تقول فشق لنا القمر نصفين. فتوجه الرسول ( إلى ربه، ودعاه أن يشق القمر نصفين، فحقق الله رغبة النبي (، وانشق القمر نصفين ورآه الناس، وأشهدهم الرسول ( على ذلك، ولكنهم كذبوا.
[متفق عليه].
الإسراء والمعرج:
لما اشتد إيذاء المشركين للرسول (، أراد الله -عز وجل- أن يخفف عن رسوله، وأن يقربه منه، فكانت رحلة الإسراء والمعراج حيث جاء جبريل -عليه السلام- إلى الرسول ( ومعه البراق، فركبه الرسول (، وأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث صلى إمامًا بالأنبياء جميعًا، ثم عرج به إلى السماوات العلى، وفي تلك الرحلة المباركة فرض الله الصلاة، ثم عاد الرسول ( إلى مكة في نفس الليلة.

تكثير الطعام القليل:
في غزوة الأحزاب حاصر المشركون المدينة، وكان الرسول ( وأصحابه يحفرون خندقًا حول المدينة حتى يمنعوا المشركين من دخولها. واشتد الأمر بالمسلمين حتى نفد الطعام، وأصاب الرسول ( وأصحابه جوع شديد، فأراد جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- أن يطعم الرسول وأصحابه، وليس عنده إلا قليل من الشعير وشاة صغيرة.
فذهب جابر إلى رسول الله ( وطلب منه أن يأتي هو وعدد قليل معه، فنادى الرسول ( في الناس: (إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (طعامًا) فحيهلا بكم). وأمر الرسول ( جابرًا أن ينتظر في إعداد الطعام حتى يأتيهم، وجاء الرسول ( وبارك في الطعام، وظل الصحابة يدخلون جماعات جماعات حتى أكلوا جميعًا، وبقي الإناء كما هو، يقول جابر -رضي الله عنه-: والله لقد كانوا يومئذ ألفًا [البخاري] .
حنين جذع النخلة إليه :)
كان الرسول ( يخطب مستندًا إلى جذع نخلة، فلما صنع الصحابة له منبرًا ترك الجذع ووقف الرسول ( يخطب فوق المنبر، فسمع الصحابة صوتًا يشبه صوت الناقة، فعلم النبي ( أن الجذع يبكي حزنًا على فراق الرسول ( حتى جاء النبي ( ووضع يده عليه فسكن [أحمد والترمذي] .

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان باليوم الآخر

zd11.gif


الإيمان باليوم الآخر

قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور} [الملك: 1-2].
عذاب القبر ونعيمه:
والمسلم يؤمن باليوم الذي ينتقل فيه من الحياة الدنيا إلى الآخرة عندما يموت، ويؤمن بما أخبر به رسول ( من فتنة القبر وسؤال الملكين، فالعبد يُختبر في قبره، ويسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه (، فإن كان مؤمنًا قال: ربي الله، وديني الإسلام، ومحمد ( نبيي.
وأما المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب ويعذب. عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله :) (إنَّ العبد إذا وُضع في قبره، وتولى عنه أصحابه -وإنه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان، فيُقعدانه فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل (لمحمد ()؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبدالله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جيعًا).
قال قتادة: وذُكر لنا أنه يُفسح له في قبره، ثم رجع إلى حديث أنس قال: (وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) [البخاري].
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- يثبت المؤمنين عند السؤال في القبر، لأنهم استقاموا على أوامر الله -عز وجل- ونهجه، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- عن النبي ( قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، فقال:(نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد (، فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27] [رواه مسلم].
والمسلم يؤمن -بعد ذلك- بما أخبره الرسول ( في أن العبد وهو في قبره إما أن يكون في نعيم أو في جحيم إلى يوم القيامة، ولقد أشار
الله -عز وجل- إلى العذاب الذي يحدث بعد الموت، فقال: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}
[الأنعام: 93]. قال ابن عباس في تفسيرها: هذا عند الموت، والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم.
والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( من أحاديث كثيرة، يؤكد فيها عذاب القبر، فعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: بينما النبي ( في حائط (حديقة أو بستان) لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا بقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال :) (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟). فقال رجل: أنا. قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك. فقال: (إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه).
ثم أقبل علينا بوجهه فقال: (تعوذوا بالله من عذاب النار). قالوا: نعوذُ بالله من عذاب النار. قال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: (تعوذوا بالله من فتنة الدجال). قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال) [مسلم].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي ( على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) [مسلم].
وقال :) (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) [متفق عليه].
فهذا حال المؤمن والكافر في القبر، فالمؤمن في نعيم إلى يوم الدين، والكافر في عذاب إلى يوم القيامة، والمؤمن يتمني قيام الساعة حتى يتم له النعيم في جنة الخلد، أما الكافر فيقول: رب لا تُقم الساعة، لخوفه الشديد من عذاب الله -عز وجل- في جهنم، فعلى المسلم أن يعمل على أن يكون من الناجين من عذاب القبر بتقوى الله والعمل الصالح.
علامات الساعة:
ولا يعلم وقت الساعة إلا الله وحده، قال تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [لقمان: 34]، وقال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها} [الأعراف: 187].
وعندما جاء جبريل -عليه السلام- إلى الرسول ( يسأله عن موعد الساعة. قال له :) (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) [البخاري]. وقد أخبرنا ( بعلامات الساعة، وبين لنا أن لها علامات صغرى، وعلامات كبرى.
العلامات الصغرى: وهي مثل فساد الناس في آخر الزمان، وكثرة القتل، وبعد الناس عن شرع الله -عز وجل-، وبعثة النبي (، فقد قال :) (بُعثتُ أنا والساعة كهاتين. (وأشار بإصبعيه :السبابة والوسطى)) [متفق عليه].
وسأل رجل الرسول :) متى الساعة؟ فقال: (إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: وكيف إضاعتها؟ قال: (إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( من كثرة القتل والحروب قبل قيام الساعة، قال :) (إن بين يدي الساعة أيامًا يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهَرَج، والهرج القتل) [البخاري]. والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( أن رفع العلم وظهور الجهل وكثرة المعاصي من علامات الساعة، قال :) (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن أن الفتن تكثر في آخر الزمان، وأن الخير له في تجنبها، قال :) (ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن في آخر الزمان سوف يتمنى الإنسان الموت، ويفضله على الحياة؛ لكثرة الفتن وبُعد الناس عن الله، قال :) (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه) [متفق عليه]. والمسلم يؤمن بأن الساعة لا تقوم إلا على أكثر الناس شرًّا، قال :) (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق) [مسلم].
العلامات الكبرى:
المسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( من علامات كبرى تقع قبل الساعة مباشرة، وقد جاء عشرة منها في حديث حذيفة بن أسد الغفاري حيث قال: طلع النبي ( علينا ونحن نتذاكر، فقال: (ما تذاكرون؟) قالوا: نذكر الساعة. قال: (إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات). فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم (، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. [ مسلم].
الدجال:
خروج الدجال يكون هو المؤشر بتغير نظام الأرض، وينتهي ذلك بنزول
عيسى -عليه السلام- وقضائه عليه، ويكون خروج الشمس من مغربها هو المؤشر بتغير الأحوال العلوية للكون.
والمسلم يؤمن- أيضًا-بطلوع الشمس من مغربها، قال :) (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها، ثم قرأ الآية) [متفق عليه]. فإذا خرجت الشمس من مغربها، ورآها الناس آمنوا بالله جميعًا، ففي هذا الوقت لا ينفع الإيمان، ولا تنفع التوبة إلا أن يكون الإنسان قد آمن من قبلُ، وإلى هذا المعنى أشار
الله -عز وجل- فقال: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158].
والمسلم يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج الدابة، وهي دابة يخرجها الله -عز وجل- ويجعلها من العلامات التي تشير إلى قرب الساعة، فهي دابة تكلم الناس، وتميز بينهم، فتشير إلى المؤمن وتقول له: يا مؤمن. وتشير إلى الكافر، وتقول له: يا كافر. قال تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82].
والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن الدجال، وحذرنا منه، ويؤمن أن كل نبي حذر قومه منه،. فقد قام ( في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الدجال فقال: (إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور) [متفق عليه].
والرسول ( يبين ما يمد الله به الدجال من الخوارق التي يفتن العباد بها. قال :) (لأنا أعلم بما مع الدجال منه. معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج، فإما أَدْرَكَنَّ أحدٌ فلْيأتِ النهر الذي يراه نارًا، ولْيغمض، ثم لْيطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد. وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة -جلدة تغشى البصر- غليظة مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) [مسلم].
والمسلم يعلم كيف يقي نفسه من فتنة الدجال، قال :) (...فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) [مسلم].
وعندما سئل الرسول ( عن الفترة التي يقضيها الدجال في الأرض قال: (أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) [مسلم].
والمسلم يعلم أن الدجال سيدَّعي الألوهية، ويأتي على القوم فيدعوهم إلى عبادته، فإن أجابوه إلى ذلك كثر عندهم الخير، وإن لم يجيبوه أصبحوا في جفاف وفقر، ويأمر الأرض الخراب أن تخرج كنوزها، فتخرج. ويأمر السماء أن تمطر، فتمطر. والأرض فتنبت، وهذا كله على سبيل الفتنة للعباد، وسوف ينزل عيسى- عليه السلام- إلى الأرض في آخر الزمان قرب وقوع الساعة، أثناء وجود الدجال، فيقتله، ويحكم بشريعة الإسلام.
يأجوج ومأجوج:
والمسلم يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج أمة مفسدة في آخر الزمان، وهي يأجوج ومأجوج، قال الله -تعالى-: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين} [الأنبياء: 96-97].
وعن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن رسول الله دخل عليها يومًا فزعًا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا (حلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها)). قالت زينب بنت جحش: يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) [البخاري].
وقد أخبر الله عنهم في القرآن الكريم موضحًا ما صنعه العبد الصالح ذو القرنين معهم، وكيف حمي الناس من شرهم، قال تعالى: {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا. قال ما مكني فيه ربي خيرًا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا. آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا. فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا. قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًّا} [الكهف: 93-98].
إن الله مكن لذي القرنين في الأرض، فأخذ بالأسباب، وتجول في الأرض حتى وصل إلى قوم لا يكادون يفقهون قولا، فرأوا على وجهه علامات الصلاح، ووجدوا فيه القوة، فعرضوا عليه أن يمنع عنهم هذه الأمة المفسدة التي كانت تظلمهم، وتأخذ خيراتهم مقابل جزء من المال، فأسرع ذو القرنين- الذي يعلم أن هذه القدرة إنما هي من عند الله تعالى، فقبل أن يحميهم من شر يأجوج ومأجوج فردم الفجوة التي كانت بين السدين بالحديد والنحاس المنصهر. فلم يستطع هؤلاء المفسدون أن يقفزوا من فوق هذا السد، ولن يستطيعوا أن يهدموه، حتى تقترب الساعة فيأذن الله -عز وجل- لهؤلاء المفسدين بالخروج، فيمرون على بحيرة طبرية في فلسطين فيشربون ماءها كله لكثرة عددهم حتى إن آخرهم يتعجب ويقول لقد كان بهذه مرة ماء!!
كما قال :) (ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: قد كان بهذه مرة ماء) [مسلم].



أهوال القيامة:
والمسلم يؤمن بما أخبر الرسول ( من خروج نار من أرض الحجاز، قال :) (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن هناك مؤشرات أخرى ليوم القيامة مثلما يحدث من تغيير شامل للكون من انشقاق السماء، وتصادم الكواكب، وتفتت الأرض، وتناثر النجوم، وتخريب كل شيء، وتدمير كل ما عرفه الناس في هذا الوجود. قال تعالى: {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1]. وقال: {إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت} [الانفطار: 1-2] وقال تعالى: {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1]. وقال سبحانه: {فإذا النجوم طمست} [المرسلات: 8]. وقال: {إذا رجت الأرض رجًا. وبست الجبال بسًا. فكانت هباء منبثًا} [الواقعة: 4-6]. وقال: {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً} [المزمل: 14]. وقال: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نفسًا. فيذرها قاعًا صفصفًا. لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} [طه: 105- 107]. وقال: {وإذا البحار فجرت} [الانفطار: 3] وقال: {وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6]. وقال: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48].
وقال أيضًا: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1-2]. ويكون ذلك على أثر النفخة الأولى التي يأمر الله -عز وجل- بها إسرافيل الملك الموكل بالنفخ في الصور، فيصعق كل من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68].
وقال أيضًا: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية}
[الحاقة: 13-16].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله :) (يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) [البخاري].
والمسلم يؤمن بما أخبر به الله -عز وجل- وأخبر به الرسول ( عن البعث وخروج الناس من قبورهم مرة أخرى، ويكون ذلك بعد أن ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، فيقوم الناس للحساب. قال :) (يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش فما أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله) [البخاري].
قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعًا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد} [المجادلة: 6].
وتعود الأرواح إلى الأبدان كما كانت في الدنيا، فيقول الكافرون والمنافقون: {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}
[يس: 52]. ويقول المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52]
البعث:
والمسلم يؤمن بما أخبر به الرسول ( حيث قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) [مسلم]. وقد أنكر المشركون البعث والإحياء بعد الموت فقالوا: {أئذا متنا وكنا ترابًا ذلك رجع بعيد} [ق: 3].
وقال تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} [الجاثية: 24].
فهم أنكروا حقيقة ذلك اليوم، ولكن الله -عز وجل- ردَّ عليهم وبيَّن لهم أن
الله -عز وجل- قادر على أن يعيدهم مرة أخرى كما خلقهم فقال تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجًا} [نوح: 17-18]، فليس من المعقول أن يعيش الناس في الحياة الدنيا، فيظلم الظالم ويفجر الفاجر، ثم يموتون فلا يبعثون، ليجزيهم الله على أعمالهم، هذا يتنافى مع عدل الله -عز وجل-، لذلك أمر الله نبيه محمدًا ( أن يقسم بالله على حدوث البعث، قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} [التغابن: 7]. فما أعظمه من قسم يؤكد الله -عز وجل- به إحياء الناس وحسابهم على كل صغيرة وكبيرة فعلوها في دنياهم.
الحشر:
والمسلم يؤمن بما أخبر الله به عن الحشر، حيث يُحشر الناس على أرض بيضاء مستوية لا ارتفاع فيها ولا انحراف، قال :) (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء) [متفق عليه]. وأنه سبحانه يحشر الناس حفاة لا يلبسون نعالا في أقدامهم، ويحشرهم عراة ليس عليهم ملابس، غرلا غير مختونين، كما ولدتهم أمهاتم، قال :) (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا). قالت عائشة: يا رسول الله، النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال :) (يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض) [مسلم].
والناس يوم القيامة يحشرون على أصناف، فمنهم الماشي، ومنهم الراكب، ومنهم الذين تسحبهم الملائكة على وجوههم. قال :) (يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنفًا مشاة، وصنفًا ركبانًا، وصنفًا على وجوههم). قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: (إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يُمشيهم على وجوههم) [الترمذي].
الموقف العظيم:
المسلم يؤمن بتبشير الملائكة للمؤمنين برضا الله ودخول الجنة قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلاً من غفور رحيم} [فصلت: 30-32].
والمسلم يؤمن بأن الموقف يوم القيامة يكون عظيمًا، يذهل الناس ويفزعهم، لما فيه من مصاعب وأهوال، قال الله -عز وجل-: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}
[الحج: 1-2].
ويكون الناس في كرب عظيم حينما تدنو الشمس من الرءوس، ويكثر العرق، كل بحسب عمله قال :) (تُدْنَى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه (وسطه)، ومنهم من يُلْجِمه العرق إلجامًا). وأشار الرسول ( بيده إلى فيه (فمه) [مسلم] .
وفي هذا الموقف الرهيب يوجد أناس آمنون في ظل عرش الرحمن، وهم سبعة أصناف كما أخبر النبي :) (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) [مسلم].
الشفاعة يوم القيامة:
والمسلم يؤمن بشفاعة الرسول ( للمؤمنين حتى ينقذهم
الله -عز وجل- من صعوبة هذا الموقف، وتلك هي الشفاعة الكبرى، وهي أعظم الشفاعات وهي المقام المحمود لنبينا محمد (، قال تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]. فبعدما يذهب الناس إلى الأنبياء طلبًا للشفاعة، يحيلهم كل نبي إلى من بعده، حتى يأتوا الرسول ( فيسجد تحت العرش، ويشفع عند الله لعباده المؤمنين، قال :) (إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم محمد ( فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم) [البخاري].
والمسلم يؤمن أن الشفاعة تكون للأنبياء والعلماء والشهداء، قال :) (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء) [ابن ماجه]. وهذه الشفاعات لا تكون إلا لمن أذن الله -عز وجل- له، قال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً} [طه: 109]. وقال ( عن ثواب الشهيد: (يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُزَوَّج حواريُّون ويشفع في سبعين من أهل بيته) [الطبراني].
وقال :) (إن من أمتي من يشفع للفئام (الجماعة من الناس)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجال حتى يدخلوا الجنة) [الترمذي].
والمسلم يؤمن بأن العمل الصالح يشفع لصاحبه مثل الصيام وقراءة القرآن، قال :) (القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان) [أحمد].
محاسبة الناس يوم القيامة:
والمسلم يؤمن أنَّ الله -عز وجل- يحاسب الناس على ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر، قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين ظلموا إلا ما كانوا يعملون} [القصص: 84].
وهذه الأعمال هي التي أحصتها ملائكة الله.. قال الله -عز وجل- في حديثه القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن الجزاء يوم القيامة يكون بعد محاكمة عادلة تُعرض فيها الأعمال، ويطلع الناس على أعمالهم، ويقرأ كل واحد منهم كتابه، قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 13-14].
والمسلم يعلم أن كل واحد سيقف أمام الله -عز وجل- ليحاسب على أعماله، قال تعالى: {لقد أحصاهم وعدهم عدًا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}
[مريم: 94-95].
وقال :) (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان) [البخاري].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- لا يناقش إلا من كثرت معاصيه. فعن
عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول ( قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك). فقلتُ: يا رسول الله أليس قد قال الله -تعالى-: {فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 7-8]. فقال رسول الله :) (إنما ذلك العَرْض، وليس أحد يُنَاقَش الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب) [البخاري] . ومناقشة الحساب هي أن يحاسب الله -عز وجل- العبد على كل صغيرة وكبيرة فعلها ويترك مسامعته.
والمسلم يؤمن بأنه في يوم القيامة يأخذ كل إنسان كتابه الذي دونت فيه الملائكة أعماله في الدنيا من حسنات وسيئات، فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه، فيفرح ويسعد. أما الكافر، فيأخذه بشماله، فيدرك أن مكانه في دار الجحيم، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني مالي. هلك عني سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 19-31].
والمسلم يؤمن بأن الناس يتفاوتون في الحساب، فمنهم من يحاسب حسابًا يسيرًا، فيعرض الله عليه أعماله، ويُطْلعه عليها دون أن يَطَّلع عليها أحد غيره، ويستره
الله -عز وجل- ويعفو عنه، ثم يأمر به إلى الجنة، ومنهم من يُنَاقَش في حسابه، ويُسْأل عن كل شيء، ويُفتضح أمره بين الناس جميعًا، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} [الزلزلة: 7-8].
ويقول :) (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) [الترمذي].
والمسلم يؤمن أن هناك أناسًا يدخلهم الله -عز وجل- الجنة بغير حساب، قال :) (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن هناك شهودًا تشهد عليه أمام الله -عز وجل- يوم القيامة، مثل: السمع، والبصر، والجلد، والأيدي، والأرجل، والمال، والأيام، والحفظة الكرام، والأرض، والليل، والنهار. قال تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: 20]. وقال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
والمسلم يؤمن بما جاء عن شهادة الأرض، وإخبارها عما حدث على ظهرها، قال تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}
[سورة الزلزلة].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ الرسول :) {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]. قال: (أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها) [الترمذي والنسائي] .
والمسلم يؤمن أن المال يشهد على صاحبه إذا لم يؤدِّ حقه، قال :) (إن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة) [مسلم].
كما أن المسلم يعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله قال :) (إن أول ما يُنظر فيه من عمل يوم القيامة الصلاة، فإن وجدت تامة، قبلت منه وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة، ردت عليه وسائر عمله) [الحاكم].
وأول ما يُحاسب به الناس يوم القيامة من حقوق العباد هي الدماء، قال :) (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) [متفق عليه]. ثم يسأل الإنسان عن عمره وعلمه وماله.
الميزان:
والمسلم يؤمن بأن أعمال العباد توزن بالميزان العادل، فلا يظلم الله -عز وجل- أحدًا، قال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47]. وقال سبحانه: {فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه. نار حامية} [القارعة: 6-11].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت النار فبكت، فقال لها رسول الله :) (ما يبكيك؟). قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال رسول الله :) (أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان، حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هاؤم اقرءوا كتابيه} [الحاقة: 19] . حتى يعلم أين يقع كتابه، في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم) [أبو داود].
الحوض:
المسلم يؤمن أن لكل نبي حوضًا ولكن أكبرهم وأعظمهم هو حوض النبي (، فقد قال :) (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها، فلا يظمأ أبدًا) [متفق عليه].
وعن أنس -رضي الله عنه قال: بينا رسول الله ( ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أُنزلت علي آنفًا سورة). فقرأ: إنا أعطيناك الكوثر. ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟). فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي -عز وجل- عليه خير كثير، هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك) [ مسلم].
الصراط:
المسلم يؤمن بأنه لابد للإنسان أن يمر على الصراط حتى ينجو من عذاب الله في الآخرة، وهذا الصراط منصوب على جهنم، يكون أمام الكافر أدقَّ من الشعرة، وأحدَّ من السيف، تحته خطاطيف تخطف الكافرين والعاصين إلى قعر جهنم، ويمر على الصراط جميع الناس حتى الأنبياء، والصديقون، والمؤمنون، والكفار، ومن يحاسب ومن لا يحاسب، قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيًا} [مريم: 71-72].
وتكون سهولة المرور على الصراط بحسب عمل الإنسان في الحياة الدنيا، فمنهم من يمر بسرعة سقوط الشهب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر يزحف يقع في النار مرة، ويخرج مرة حتى إذا مروا قالوا: الحمد لله الذي نجانا.
رد المظالم:
والمسلم يؤمن بأن يوم القيامة هو يوم القصاص، وفيه تُرَدُّ الحقوق إلى أصحابها، فيأخذ الله من الظالم للمظلوم حقه، فيأخذ من حسنات الظالم ويضعها على حسنات المظلوم، وإن لم يكن له حسنات؛ أُخذ من سيئات المظلوم، فتوضع على سيئات الظالم. قال :) (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم (هناك) دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه) [متفق عليه].
وقال :) (يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا، أُذِن لهم في دخول الجنة. فالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أُهْدِي بمنزله في الجنة، منه بمنزله الذي كان في الدنيا) [البخاري].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالجنة

zd11.gif


الإيمان بالجنة

الإيمان بوجود الجنة:
المسلم يؤمن أن في الآخرة دارًا أعدها الله للمحسنين والمؤمنين من عباده. فيها من كل الخيرات، فيها أنهار من ماء عذب، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشاربين، يأكلون فيها ويشربون، ويطوف عليهم ولدان مخلدون، وهم فيها خالدون، نزع الله الغل من صدورهم، إخوانًا على سرر متقابلين، تحيتهم فيها سلام، قال سبحانه في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) [البخاري] .كما قال تعالى في كتابه: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17].
والمسلم يؤمن بأن الجنة درجات، وأن هذه الدرجات أعدها الله -عز وجل- للمؤمنين على قدر أعمالهم الصالحة، قال تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} [البقرة: 25].
وقال :) (في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس) [أحمد والترمذي].
والمسلم يؤمن أن للجنة ثمانية أبواب تسمى بأسماء الأعمال الصالحة، فهناك باب للصائمين يدعي( الريان) وهناك باب الصلاة، وباب الإحسان، وباب الصدقة، وباب الجهاد.
والمسلم الذي كان يكثر من الصيام يدخل من باب الصيام، وكثير الصلاة يدخل من باب الصلاة.. وهكذا، وهناك أناس يدعون من جميع الأبواب، قال :) (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من
أبواب -الجنة-: يا عبدالله، هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة؛ دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دُعي من باب الصيام، وهو باب الريان) فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: هل يُدْعَى أحد منها كلها يا رسول الله؟ قال: (نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن أن من أبواب الجنة بابًا يسمى الريان، جعله الله -عز وجل- للصائمين خاصة، قال :) (إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن أن هناك أعمالا تُدخل أصحابها الجنة من جميع الأبواب، قال :) (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن في الجنة غرفًا أعدها الله -عز وجل- للمؤمنين، قال تعالى: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية} [الزمر: 20]. وقال :) (إن في الجنة لغرفًا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي، فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام) [الترمذي].
وقال: (إن أهل الجنة ليتراءون (يشاهدون) أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدُّرِّي الغابر من الأفق من المشرق أو من المغرب، لتفاضل ما بينهم). قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: (بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن تربة الجنة الزعفران، وأن بناءها لَبِنَة من ذهب ولبنة من فضة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ممَّ خُلق الخلق؟ قال: (من الماء). قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: (لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، ومن دخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تَبلى ثيابهم، ولا يَفنى شبابهم) [الترمذي].
والمسلم يؤمن أن في الجنة بيوتًا وقصورًا، قال :) (بينا أنا نائم في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر. قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب) [البخاري].
وقال: (إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد) [الترمذي].
والمسلم يؤمن أن في الجنة خيامًا جعل الله فيها الحور العين، قال تعالى: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72]. وقال :) (في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن) [مسلم].
والمسلم يؤمن بما في الجنة من ثمار وأشجار، وهذه الثمار لا تشبه بعضها البعض في الطعم واللون، وهي موجودة على الدوام. قال تعالى: {وفاكهة كثيرة. لا مقطوعة ولا ممنوعة} [الواقعة: 32-33].
وقال :) (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، واقرءوا إن شئتم: {وظل ممدود}) [الحديث رواه البخاري].
والمسلم يؤمن بأن هناك زرعًا لمن أراد أن يزرع في الجنة، قال النبي ( وكان عنده رجل من البادية: (إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع. فقال: أو لست فيما شئت؟ - أي متمتعًا بما تريد- قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع. فأسرع وبذر، فتبادر الطرف نباته، واستواؤه، واستحصاؤه وتكويره أمثال الجبال، فيقول الله -تعالى-: دونك يا ابن آدم، فإنك لا يشبعك شيء). فقال الأعرابي: يا رسول الله: لا تجد هذا إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. ضحك النبي ( [البخاري].
والمسلم يؤمن بأن في الجـنة أنهارًا من ماء غير متغير الطعم، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشـاربين، وهـذه الأنهار ماؤها أشـد بـياضًا من اللبن، وأجمل طعمًا من العسـل، لا يمل الإنسان من الشرب منها، قال تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} [البقرة: 25].
وقال -عز وجل-: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنها من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم} [محمد: 15].
والمسلم يؤمن أن من أنهار الجنة النيل والفرات، قال :) (النيل والفرات من أنهار الجنة) [مسلم]. ومن أنهارها أيضًا الكوثر، وهو نهر أعطاه
الله -عز وجل- لرسوله (، ماؤه أبيض من الثلج، وأعذب من العسل، قال :) (الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج) [الترمذي وابن ماجه].
والمسلم يؤمن أن في الجنة أسواقًا يذهب إليها المؤمنون، لقوله :) (إن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال (ريح المطر)، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنًا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالا) [مسلم والترمذي].
والمسلم يؤمن بأن للجنة سررًا وآنية وفرشًا من الحرير، قال تعالى: {فيها سرر مرفوعة. وأكواب موضوعة. ونمارق مصفوفة. وزرابي مبثوثة}
[الغاشية: 13-16]. وقال تعالى: {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير. قوارير من فضة قدروها تقديرًا} [الإنسان: 15-16].
والمسلم يؤمن أن أهل الجنة يلبسون ثيابًا من الحرير، ويتزينون باللؤلؤ والذهب والفضة، قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23]. وقال تعالى: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة} [الإنسان: 21].
والمسلم يعلم أن هذه الثياب لا تبلى ولا تتمزق، وتبقى على جمالها ودقة صنعها كما هي، قال :) (من يدخل الجنة، ينعم لا يَبْأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه) [مسلم والترمذي].
والمسلم يؤمن بأن الملائكة يدخلون على المؤمنين يحيونهم ويسلمون عليهم، قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: 23-24].
وقال: {لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا. إلا قيلاً سلامًا سلامًا}
[الواقعة: 25-26]. وقال:{دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10].
والمسلم يؤمن بأن في الجنة ولدانًا يخدمون المؤمنين، قال تعالى: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا} [الإنسان: 19].
وقال: {يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. لا يصدعون عنها ولا ينزفون. وفاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون}
[الواقعة: 17-21].
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- ينـزع الغل والحسد من قلوب أهل الجنة، ويجعل بينهم المودة والمحبة، قال تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون. ادخلوها بسلام آمنين. ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين. لا يمسهم فيها نصب ولا ما هم منها بمخرجين} [الحجر: 45-48].
وقال :) (إن أول زمرة تدخل الجنة، على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة. قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض) [متفق عليه].
والمسلم يعلم أن آخر أهل النار دخولا الجنة رجل يأتي بعد دخول الناس الجنة والنار، فيأمره الله -عز وجل- أن يدخل الجنة، قال :) (إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار حبوًا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة. فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى. فيقول: اذهب. فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى. فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها -أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا- فيقول: تسخر أو تضحك مني وأنت الملك؟!). فلقد رأيت رسول الله ( ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: (ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بخلود أهل الجنة في الجنة، وبخلود أهل النار في النار، قال :) (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يُجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت. يا أهل النار لا موت. فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- يمنُّ على المؤمنين بالنظر إلى وجهه الكريم، وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23].
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: كنا عند النبي ( فنظر إلى القمر ليلةً -يعني البدر- فقال: إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته) [البخاري وأبو داود وأحمد].
وفي الحديث أن الرسول ( تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] . ثم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول
الله -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى وجه ربهم -عز وجل-) [مسلم والترمذي وأحمد].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- يرضي عن المؤمنين الذين دخلوا الجنة فلا يسخط عليهم أبدًا، قال تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكين طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} [التوبة: 72].
وقال :) (إن الله -تبارك وتعالى- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) [متفق عليه].

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
تحقيق التوحيد

zd11.gif



تحقيق التوحيد

التوحيد هو الأمر الذي خلق الله الجن والإنس من أجله، وخلق الجنة والنار ليجازي عليه، وقام الحساب والجزاء عليه، ولابد له من عناصر تحققه. كيف يتحقق التوحيد؟ الإخلاص في العبادة: فعبادة الله هي الخضوع الكامل له، والحب التام لما يحب، والتقرب إليه بكل ما يحب من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وهذه هي غاية وجود الخلق، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]. والمسلم يعلم أن العبادة ليست محصورة في أركان الإسلام الخمسة: الشهادة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. ولكن العبادة لها صور كثيرة، فالمسلم يتوجه بالدعاء إلى الله -عز وجل- لأن الدعاء من العبادة، قال :) (الدعاء هو العبادة) [الترمذي]. والمسلم لا يتوجه بالدعاء إلى غير الله، ويعلم أن غير الله لا يملك ضرًا ولا نفعًا، قال تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفك ولا يضرك} [يونس: 106]. والمسلم قد تعلَّم ذلك من قول الرسول :) (وإذا سألت فاسأل الله) [الترمذي]. والمسلم يعلم أن الله لا يرضى أن يشاركه غيره، قال تعالى: {فلا تدع مع الله إلهًا آخر فتكون من المعذبين} [الشعراء: 213]. والمسلم يخلص في عبوديته لله،ولا يتخذ من دون الله وليا ولا شريكًا، ويعلم أن الله هو المستحق للولاية. قال تعالى {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} [الشورى: 9]. والمسلم يحذر من الوقوع في الشرك، ويجب عليه أن يتعرف على أنواعه، والطرق المؤدية له، حتى لا يقع فيه. البراءة من الطواغيت: المسلم يتبرأ من الطواغيت -كل ما يعْبَد من دون الله- ويعلم أن توحيده لا يتحقق إلا بذلك، قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} [البقرة: 256]. والمسلم يعلم أن الرسل جميعًا حذروا أقوامهم من عبادة الطواغيت، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36]. والمسلم يعلم أن الطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد؛ لذلك فإن المسلم يوحد ربه، ويتبرأ من كل ما عبد من دون الله، قال :) (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله) [مسلم]. لذلك فإن خليل الرحمن إبراهيم- عليه السلام- تبرأ مما يعبد قومه من دون الله، وأعلن عداوته لأصنامهم، قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني فإنه سيهدين} [الزخرف: 26-27]. تنفيذ أحكام الله: المسلم ينفذ أحكام الله -عز وجل-، فيحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله بلا زيادة أو نقصان، قال :) (إن الله حدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها، ولا تبحثوا عنها) [الحاكم] . فالمسلم يتوقف عند حدود الله -عز وجل-، فيقيم شعائره من صلاة وزكاة وصيام وحج، ولا يتوجه بهذه العبادات إلى غيره -سبحانه-. التوكل على الله: المسلم يعلم أن التوكل على الله من تمام التوحيد، قال تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة:32] وقال: {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً} [الأحزاب: 3]. وهو يعلم كذلك أن التوكل على الله -عز وجل- سبب من أسباب جلب الرزق، قال :) (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا) [الترمذي والحاكم وابن ماجه وأحمد]. الخوف من الله: المسلم لا يخاف إلا الله، ولا يخشى غيره؛ لأنه يعلم أن غير الله لا يملك ضرًا ولا نفعًا إلا بمشيئة الله -عز وجل-، قال :) (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) [الترمذي] . وقال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 175]. الاستعانة بالله: المسلم يستعين بالله -عز وجل- ولا يستعين بغيره، فهو يقرأ في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5] والرسول ( يوصي ابن عباس فيقول له: (إذا استعنت فاستعن بالله) [الترمذي]. والمسلم يفرق بين استعانتين؛ استعانة بالله، وهي في الأمور التي لا يصرفها ولا يقدر عليها إلا الله، كطلب الشفاء، واستعانة المسلم بأخيه، وهي في شيء يقدر عليه، وهذا لا حرج فيه. مراقبة الله: المسلم يراقب ربه، ويعلم أن الله مطلع عليه ويراه، وسوف يحاسبه على كل شيء، قال تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد: 4]؛ لذا فهو دائم المراقبة لله، يعبده كأنه يراه، ويتقرب إليه بكل ما يحب ويرضي، ويبتعد عما يغضب الله -عز وجل- هذا هو تحقيق التوحيد الذي أمره الله به، فهو كمال الحب، وكمال الطاعة له -سبحانه-.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
نواقض الإيمان

zd11.gif


نواقض الإيمان

الله -عز وجل- جعل للإسلام بابًا يدخل منه الإنسان، وهو الإقرار والتصديق بالشهادتين، فمن دخل من هذا الباب كان مسلمًا، ولا يخرج من الإسلام إلا أن يصدر عنه قول أو عمل أو اعتقاد يناقض إقراره السابق وتصديقه بالشهادتين، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: توحيد الله في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وعدم التوجه بالعبادة إلى غيره. ومعنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله: الإقرار والتصديق بكل ما جاء به النبي ( من الشرائع، وما أخبر به من أمور الغيب، والاعتراف له بجميع أخلاق النبوة من أمانة وصدق وعصمة وتبليغ.
فمن قال قولا أو فعل فعلا يطعن في ربوبية الله، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته، أو طعن في الرسول (، أو في شيء جاء به واتفق عليه الصحابة والتابعون، فقد نقض بذلك إقراره السابق، وخرج من دين الله تعالى.
نواقض الربوبـية:
سبق معرفة أن توحيد الربوبية هو اعتقاد المسلم بأن الله هو رب كل شيء ومليكه، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر...، فكل قول أو اعتقاد فيه إنكار لهذه الخصائص التي يختص بها الله -عز وجل- أو بعضها هو من نواقض الإيمان، التي يصبح فاعلها مرتدًا عن دين الله -عز وجل-.
ويدخل في هذا إنكار الخلق للخالق، أو إسناد الخلق إلى غير الله، كالقول بأن الكون خلق صدفة، أو أن الطبيعة هي الخالقة، والقول بقدم العالم، أو ادعاء الرزق من غير الله، أو إشراك غيره معه في ذلك، أو الادعاء بأن الله قد خلق الخلق وأهملهم، كل ذلك مما يمس ربوبية الله -تعالى-، وكذلك من الكفر أن يدعي شخص لنفسه شيئًا من هذه الخصائص كما ادعى فرعون الربوبية وقال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24].وكذلك يكفر كل من صدقه في هذه الدعوى وآمن به.
نواقض الألوهية:
وتوحيد الألوهية هو أن يعتقد المسلم بأن الله هو المعبود بحق وأن غيره لا يستحق أي شيء من هذه العبادة، فمن قال قولا، أو فعل فعلا، أو اعتقد اعتقادًا يتضمن إنكار هذا الحق لله -عز وجل-، فقد كفر وارتد عن دين الله. وخروج الناس وارتدادهم عن دين الله -عز وجل- كثيرًا ما يرجع إلى هذا النوع، فإن أكثر الناس في الماضي والحاضر يعترفون لله بربوبيته وخلقه ورزقه وتدبيره، قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله فأني يؤفكون} [الزخرف: 87].
ولكنهم أنكروا استحقاق الله للعبادة وانفراده بها فكانوا من الكافرين، لذلك جعل الله -عز وجل- توحيده في عبادته موضع امتحان لعباده، فمن نفى استحقاق الله العبادة، وأثبت استحقاق العبادة لأي مخلوق من مخلوقات الله -عز وجل-، فقد خرج من دين الله وارتد، فكل قول أو فعل أو اعتقاد يتضمن أحد هذين الأمرين يدخل صاحبه في الكفر والردة.
فمن نفى بقول أو عمل أو اعتقاد استحقاق الله لهذه المعاني كفر، فيكفر من قال أو اعتقد أن الله سبحانه لا يخشى أو لا يستعان به...، ويكفر من سخر أو استخف بعبادة من العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والطواف، أو أي فعل أو قول يعده الشارع عبادة، ويكفر من نفى استحقاق البارئ -عز وجل- لهذه العبادات، وكذلك يكفر من أنكر استحقاقه للطاعة ولم يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وكذلك يكفر من ادَّعى أن شرع الله -عز وجل- لا يصلح في زمن معين أو لا يستحق الامتثال أو التطبيق، لأن الأمر والحكم والتشريع من خصائص الألوهية، {إن الحكم إلا لله} [يوسف: 40]، {فالحكم لله العلي الكبير} [غافر: 12].
ويكفر كل من أثبت شيئًا من هذه العبادات لغير الله، فيكفر من ادعى لنفسه استحقاقه لتلك العبادات، أو أمر الناس بممارستها من أجله، ويكفر كل من صدقه في ذلك، وكذلك من أحب أن يعبد من دون الله، كمن أحب أن يسْجَد له، أو يرْكَع له، أو يتَوَكَّل عليه، أو غير ذلك من المعاني التي لا ينبغي التوجه بها إلا إلى الخالق وحده.

وكذلك من ادعى لنفسه الحق في تشريع لم يأذن به الله، فيدعي لنفسه تحليل الحرام، وتحريم الحلال، ومن ذلك وضع القوانين التي تبيح الزنى والربا وغيرهما من الجرائم التي جعل الله -عز وجل- لها عقوبات محددة في كتابه أو في سنة الرسول (.
نواقض الأسماء والصفات:
توحيد الله في أسمائه وصفاته يتضمن إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ( من صفات الكمال والجلال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من صفات النقصان، وعلى ذلك يكون من نفى شيئًا مما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ( كمن نفى قدرة الله، أو قيوميته أو بصره أو استواءه أو علمه أو كلامه، وغير ذلك مما هو ثابت لله في القرآن وفي السنة فقد كفر، ويدخل في ذلك من أنقص من صفات كمال الله -عز وجل-، كمن قال -مثلا-: إن الله عليم، ولكنه علم إجمالي، وأنه سبحانه لا يعلم بالجزئيات والتفصيلات.
وكذلك من شبه صفات الله بصفات المخلوقين، كمن ادعى أن الله يبصر كما يبصر البشر، أو يسمع كسمع البشر، أو يتكلم ككلام البشر، وفي ذلك قدح فيما نفاه الله-عز وجل- عن نفسه من صفات النقصان، وكذلك يكفر من أثبت
لله -عز وجل- أية صفة نفاها سبحانه عن نفسه أو نفاها عنه الرسول (، كمن أثبت لله الصاحبة أو الولد أو البنات، أوْمن أثبت لله النوم أو الموت أو الغفلة، وكل هذه النواقص لا تجوز في حق الله -تعالى-، وكذلك يكفر كل من ادعى لنفسه صفة من صفات الله، أو أثبت هذه الصفة لأي مخلوق، كقول من قال: عندي من الحكمة كما عند الله. أو قال: أنا أعلم كعلم الله. فيكفر من قال ذلك، وكذلك يكفر من يصدقه في دعواه.
الطعن في الرسالة:
الطعن في الرسالة وإنكار بعض ما أخبر به الرسول ( من نواقض الإيمان، فالمسلم يصدق بكل ما ثبت عن النبي (، ويعلم أن الله اصطفى نبيه محمدًا وزينه بكل الصفات التي تمكنه من أداء الرسالة وتبليغها على أكمل وجه، وهذا معنى شهادة أن محمدًا رسول الله. فيكفر كل من قال قولا أو اعتقد اعتقادًا أو فعل فعلا يتضمن الطعن في الرسالة أو في صاحبها (، فيكفر كل من طعن في صدق النبي وأمانته، أو صلاح عقله، أو عفته، كذلك يكفر من استهزأ بفعل من أفعال الرسول الثابتة عنه، كذلك يكفر من أنكر شيئًا من القرآن، لأنه مما أخبر به الرسول (، فمن أنكره فقد كذب الرسول (، ويكفر كل من أنكر أمرًا من الأمور التي أخبر عنها الرسول (، وثبتت عنه كالميزان والبعث والحساب والصراط والجنة والنار، وغير ذلك من المغيبات.
إنكار أحكام القرآن والسنة:
كذلك يكفر كل من أنكر حكمًا من الأحكام الثابتة في القرآن أو السنة، فيكفر من أنكر حرمة الزنى أو شرب الخمر أو السرقة، ويكفر كل من أنكر فريضة الزكاة أو الصلاة، أو من ادعى زيادة ركعة في إحدى الصلوات، أو من أجاز الصلاة بدون وضوء، ونحو ذلك. ولكن لا يكفر من أنكر حكمًا مُجْتَهَدًا فيه وليس مُجْمَعًا عليه، أو أنكر شيئًا ليس مُشْتَهَرًا من الدين ولا يعلمه إلا
خاصة العلماء.
ويكفر من أنكر نبوة أو رسالة من أثبت القرآن لهم النبوة أو الرسالة، وكذلك من ادعى النبوة بعد النبي (، ويكفر من أنكر إرسال الرسل قبل محمد (، أو جحد ما ذكره الله -عز وجل- من قصصهم مع أقوامهم، ويكفر من أنكر شيئًا جاء به القرآن وأثبته كالجن والملائكة والعرش واللوح والقلم، وكذلك يكفر من طعن في رسول من رسل الله، وأنكر رسالته أو نبوته، وكذلك يكفر من أنكر إعجاز القرآن الكريم لأن ذلك ثابت بإخبار
الله -عز وجل-.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
البراءة من الشرك

zd11.gif


البراءة من الشرك

كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يركب خلف النبي ( على دابة، فسأله الرسول :) (يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟). فقال معاذ: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
فبين الرسول ( حق الله -عز وجل- على عباده، وهو أن يوحدوه في العبادة، فيصلون له ويدعونه ويرجونه ويصومون له، ويذبحون له وحده، ويصفونه بصفات الكمال وحده، وينزهونه عن صفات النقص وحده، فهذا هو توحيد الله -عز وجل-، فإن دعا الإنسان إلهًا آخر، أو صلى لله وصلى لغيره، أو ذبح لله وذبح لغيره، أو حج لله وحج لغيره، فقد أشرك بالله -عز وجل-، أي جعل العبادة شركة بين الله وغيره.
والشرك لا ينفع عند الله، فمن عبد الله وعبد معه غيره، لم تنفع عبادته، وأصبح من المشركين، والشرك من أقبح الذنوب، ومن أعظم الظلم الذي لا يغفره
الله -عز وجل-، وإذا مات الإنسان على ذلك كان خالدًا مخلدًا في النار، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
لذلك فإن الرسول ( يحذر الناس من الشرك فيقول: (من مات وهو يدعو من دون الله ندًا (شريكًا) دخل النار) [البخاري].
والله -عز وجل- جعل غفران الذنوب جميعًا ما عدا الشرك في مشيئته، إن شاء عذب صاحبها، وإن شاء غفرها له، كما قال في حديثه القدسي: (يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة) [الترمذي].
والرسول ( أخبر عن الشرك بأنه أعظم الذنوب، عندما سأله عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) [متفق عليه]. وعندما سئل ( عن الموجبتين -أي اللتين توجبان الجنة والنار-، قال: (من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا، دخل النار) [مسلم].
الشرك نوعان
أولا: الشرك الأكبر:
أن يجعل الإنسان لله شريكًا في أنواع العبادة أو بعضها، وهذا شرك أكبر وهذا لا يغفره الله -عز وجل- إن مات الإنسان عليه ولم يتب منه، وهو خالد في النار، محرم عليه الجنة، قال تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72].
وقال: {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا} [النساء: 116].
وقال تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا :) {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر: 65-66].
صور الشرك الأكبر:
1- شرك الدعاء: ومن ذلك دعاء الموتى، وطلب النفع والشفاء منهم، والاستغاثة بهم في تفريج الكربات، وإزالة العقبات، والمسلم يعلم أن الدعاء من العبادة، لقول الرسول :) (الدعاء هو العبادة) [الترمذي] . ويعلم أنه إذا دعا المسلم هؤلاء المقبورين مع الله -عز وجل- فقد جعل لله ندًا وشريكًا.
والمسلم يعلم أن هذا من الشرك وهو أول ضلال البشرية وبُعْدها عن منهج الله، حدث ذلك في قوم نوح الذين عظموا الصالحين منهم، بعد موتهم، ولما بَعُدَ الزمن دعوهم وعبدوهم من دون الله، فلما دعاهم نوح إلى عبادة الله قالوا: {لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا} [نوح: 23].
وكذلك كان الحال في مشركي قريش الذين كانوا يعبدون الأصنام ظنًا منهم أنها تقربهم إلى الله، فقالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3].
واتبع الجهلاء طريق المشركين فاستغاثوا بالموتى، وطلبوا منهم النصر وجعلوهم وسائط بينهم وبين ربهم، ونسوا أن الله -عز وجل- أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد. قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} [البقرة: 186]، وباب الله -عز وجل- مفتوح ليس عليه حاجب، فلو عقل هؤلاء لدعوا الله مباشرة، ولم يشركوا به أحدًا.
2- شرك النية والقصد: وهو توجه العبد بالعبادة لغير الله -عز وجل-، قال تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 15-16].
والمسلم يعلم أن إخلاص النية شرط لقبول العمل، قال الله -عز وجل- في حديثه القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) [مسلم].
والله -عز وجل-يقول: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110].
لذلك فإن المسلم يخلص العبادة لله -عز وجل-، ولا يبتغي بها إلا وجه
الله -تعالى-: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5].
وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162-163].
3- شرك الطاعة: ومعناه أن يتخذ الإنسان غير الله مشرعًا، ويرضى بحكمه أو يعتقد أن حكم غير الله أصح من حكم الله، أو يأخذ ببعض حكم الله ويترك بعضه، أو يطيع الإنسان فردًا أو جماعة في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله بما يضعونه من قوانين ومناهج مخالفة لشرع الله -عز وجل- كمن أحل الزنى أو شرب الخمر أو السرقة مما هو ثابت الحرمة.
ولقد حكم الله على أهل الكتاب بالشرك، لأنهم أطاعوا الرهبان فيما حرم الله، فجعل طاعتهم فيما حرم الله عبادة لهم، ووضح الرسول ( هذا المعنى لعدي بن حاتم -رضي الله عنه- وكان نصرانيا فأسلم، ودخل على الرسول ( وهو يتلو: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31]. فقال عدي: ما عبدوهم يا رسول الله. فقال النبي :) (بلى، إنهم حرموا عليهم الحرام، وأحلوا لهم الحلال، فاتَّبعوهم، فذلك عبادتهم إيَّاهم) [الترمذي وأحمد].
والله -عز وجل- نهى المسلمين عن أكل الميتة التي ماتت أو ذبحت بدون أن يذكر اسم الله عليها، وعندما جاء المشركون يجادلون المسلمين، وأمروهم باستحلال الميتة التي حرمها الله، بين الله أن طاعة المشركين في تحليل ما حرمه شرك بالله -عز وجل-، قال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121].
* ومن الشرك الأكبر شرك المحبة. قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165].


ثانيا: الشرك الأصغر:
الشرك الأصغر، وهو ما يخشى على مرتكبه أن يموت كافرًا إذا لم يتداركه الله بعفوه ورحمته ويتوب منه قبل موته.
صور الشرك الأصغر:
1- الحلف بغير الله: كالأب أو الأم أو الولي أو الوطن أو بغير ذلك مما يستعمله بعض الناس، فيجب على المسلم أن يبتعد عنه.
والمسلم يمتثل لأمر الرسول (، فقد سمع الرسول ( عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) [مسلم]. وقال: (من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله) [مسلم].
وسمع ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله ( يقول: (من حلف بغير الله، فقد كفر، أو أشرك) [الترمذي والنسائي]
وأمر ( من كان يحلف بالكعبة أن يقول: ورب الكعبة، فقال :) (إذا حلفت بالكعبة فاحلف بربِّ الكعبة) [أحمد].
وإذا حلف المسلم بغير الله كالأمانة أو الكعبة أو غير ذلك، فسرعان ما يتذكر ما أرشده إليه الرسول ( ليكفر عن ذلك: (مَنْ حَلِفَ منكم فقال في حلفه باللات، فليقل: لا إله إلا الله) [مسلم].
2- قول ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، ولولا الله وفلان: فقد سمع الرسول ( رجلا قال له: ما شاء الله وشئت. فقال له: (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) [أحمد]. وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان) [أبو داود] ؛ لأن في حالة العطف بـ (ثم) تكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، أما في حالة العطف بالواو تكون مشيئة العبد مثل مشيئة الله، وهذا لا يجوز.
3- الرياء: وقد فسر الرسول ( الشرك الأصغر بالرياء، وهو لا يخرج من الملة، ولكنه ينقص ثواب العمل، وقد يحبطه إذا زاد، قال :) (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة، إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟!)
[أحمد والطبراني والبيهقي].
وعن أنس قال: قال رسول الله :) (تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله -عز وجل- يوم القيامة في صحف مختمة، فيقول الله: ألقوا هذا، واقبلوا هذا. فتقول الملائكة: يا رب، والله ما رأينا منه إلا خيرًا. فيقول: إن عمله كان لغير وجهي، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي) [البزار].
وهذا الرياء إذا تعلق بالعمل فإنه يبطله، فقد جاء رجل إلى النبي ( فقال: الرجل يقاتل للمغنم (من أجل المال)، والرجل يقاتل للذِّكْر (من أجل الشهرة)، والرجل يقاتل ليري مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال :) (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
4- لبس الحلقة والخيط والتمائم: من الشرك إذا اعتمد عليها الإنسان في دفع الضر أو طلب النفع؛ لأنه يصبح متوكلا على غير الله -عز وجل-. قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} [الأنعام: 17].
وقال :) (من علَّق تميمة فقد أشرك) [أحمد والحاكم]. وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي ( رأي رجلا في يده حلقة من صُفْر(نحاس)، فقال: (ما هذه الحلقة؟) قال: هذه من الواهنة، فقال: (انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنًا) [ابن ماجه].
وذات مرة عاد حذيفة بن اليمان مريضًا، فوجد في يده خيطًا يستعيذ به من الحمى، فقطعه، وتلا قوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106].
5- الطِّيرَة: وهي التشاؤم عند رؤية بعض الأشياء أو سماع بعض الأصوات، وهي من أفعال المشركين، وكان بنو إسرائيل إذا أصابهم خير قالوا نحن أحق به، وإذا أصابهم شر تشاءموا من موسى ومن معه من المؤمنين، ولقد نهى الرسول ( عن التشاؤم، فقال :) (لا عدوى ولا طِيَرة)
[متفق عليه].
وقد بين الرسول ( أنه من رده تشاؤمه عن حاجته التي عزم عليها فقد أشرك، فقال: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك). قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: (أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرُك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك) [أحمد]. وقال: (الطِّيرَة شِرك) [أبوداود والترمذي وصححه]. وحث الرسول ( على الفأل الحسن، فقال في الحديث: (... ويعجبني الفأل)، قالوا: وما الفأل؟ قال: (كلمة طيبة) [متفق عليه].
والمسلم إذا عزم على شيء فإنه يتوكل على الله ويمضي لما أراد، لأنه يعلم حقيقة قوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]. والتفاؤل وحسن التوكل على الله يعينان المسلم على قضاء حوائجه، ويبعده عن الشرك.
6- الرقى الممنوعة: ومن صور الشرك التي ينبغي للمسلم أن يحذرها الرقي الممنوعة، وهي التي لا تكون مفهومة المعاني، ولا تكون من الكتاب أو السنة، ولكنها وساوس الشيطان، وهي ما كان فيها استعانة بغير الله -تعالى-، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية معتقدين أنها تدفع الضر، فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك، وقد ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه رأى في عنق زوجته خيطًا، فسألها: ما هذا الخيط؟ قالت: خيط رُقِي لي فيه. فأخذه فقطعه، ثم قال: إن آل عبدالله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله ( يقول: (إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك) [أبو داود وابن ماجه].
أما الرقية المشروعة فهي ما كانت بالقرآن أو السنة أو بأسماء الله وصفاته، وكانت مفهومة المعنى، حتى يعرف ما بها من شرك -إن وجد-، أي تكون باللغة العربية إذا كان المرء عربيًّا، أو يفهم العربية، وأن يعتقد الراقي أنها لا تؤثر بذاتها، إنما تؤثر بتقدير الله.
7- الاستعاذة بغير الله: بين الله -عز وجل- ضرر الالتجاء إلى غيره كما كان يفعل أهل الجاهلية، فكانوا يستعيذون بالجن ويدعونهم لدفع الضر عنهم، فرد الله عليهم وقال: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا} [الجن: 6].
* الاستغاثة بغير الله ودعاء غيره ومعناها طلب النصرة من غير الله -عز وجل- لإزالة الشدة والبلاء، وهذا نوع من الشرك إذا اعتقد المستغيث قدرة المستغاث به -من دون الله- على فعل ذلك، وينفي عنه الاستغاثة بالله سبحانه، لأن الاستغاثة عبادة لله، وهي من الدعاء، والعبادة لا تكون إلا لله، وهو سبحانه القادر على رفع الضر وعلى إغاثة من يستغيث، قال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} [النمل: 62]. والمسلم لا يستعين ولا يستغيث إلا بالله، ولا يدعو غير الله -عز وجل- لأنه يعلم أن الدعاء من العبادة، قال الله -عز وجل-: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
وقال :) (الدعاء هو العبادة) [الترمذي وابن ماجه].
9- النذر لغير الله: والنذر عبادة لله لا يجوز صرفها لغير الله، ومن صرفها لغير الله؛ فقد أشرك بالله -تعالى-، والله -عز وجل- وصف المؤمنين فقال: {يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا} [الإنسان: 7].
وقال: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} [البقرة: 270].
ومن صور النذر التي لا يرضى عنها الله -عز وجل- ولا التي تليق بالمسلم: النذر لأصحاب القبور، فيذهب بعض الناس إلى مقبرة أحد الصالحين، ويقول: لو قضيت حاجتي فلك كذا، وكذا. فهذا نذر باطل، يحرم الوفاء به؛ لأنه معصية لله. قال :) (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) [البخاري وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه].
10- الذبح لغير الله: كان المشركون يتقربون بالذبائح لغير الله، ولما جاء الإسلام أبطل هذا السلوك، وأوضح أن الذبح عبادة لا ينبغي التوجه بها لغير الله، ومن اتجه بعبادته لغير الله فقد أشرك، وحرم الله -عز وجل- أكل الشيء المذبوح لغير الله. قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به}
[المائدة: 3]. وقال: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2]. وقال: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162-163].
وقال :) (لعن الله من ذبح لغير الله) [مسلم والنسائي وأحمد].
وقال: (دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب). قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: (مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرِّب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرِّب ولو ذبابًا. فقرَّب، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله -عز وجل- فضربوا عنقه، فدخل الجنة) [أحمد].
ومن حرص الإسلام على التوحيد والبعد عن الشرك، وسد المنافذ التي توصل إليه، أمر ألا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغيره، فقد نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة (موضع أسفل الكعبة)، فسأل النبي (، فقال: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟) قالوا: لا. قال: (فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟) قالوا: لا. فقال الرسول :) (أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) [أبو داود].
11- إتيان الكهنة والعرافين: وهم الذين يدعون علم الغيب عن طريق الاتصال بالجن، أو بطرق أخرى، منها قراءة الفنجان، أو بالخط في الرمل، أو فتح أوراق اللعب، قال :) (من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) [مسلم]. وقال: (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه، فقد كفر بما أُنزل على محمد) [أحمد والحاكم].
والمسلم يعلم أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يطلع عليه أحد إلا من ارتضى، قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59]. وقال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} [الجن: 26-27]. والجن أنفسهم لا يعلمون الغيب، قال تعالى: {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14]. حتى النبي ( لا يعلم الغيب، {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} [الأْعراف: 188].
12- السحر: وهو نوع من التخييل، واختلف الفقهاء فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقالوا يكفر، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد ومالك، ولكن الشافعي
وابن حزم وآخرين ذهبوا إلى خلاف ذلك، فلم يكفروا الساحر لسحره إلا أن يستحل السحر، فالسحر عندهم أحد الموبقات السبع وهو غير الشرك، وهو أرجح.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالقضاء والقدر

zd11.gif


الإيمان بالقضاء والقدر

قام فرعون من نومه فزعًا؛ لأنه قد رأى في منامه ذهاب ملكه على يد مولود يولد من بني إسرائيل، وفي نفس اللحظة، أصدر فرعون أوامره بقتل كل مولود ذكر. علمت أم موسى بالخبر، فضمت ابنها (موسى) بين أحضانها، ودموعها تنساب على خديها، ماذا تفعل والموت يحيط بوليدها؟ لكن الله -عز وجل- قد تكفل برعايته، فأوحى إليها أن تضعه في صندوق وتلقيه في ماء النيل، وأوحى إلى الماء أن يحمل موسى إلى قصر فرعون. وعندما رآه جنود فرعون أخذوه، فألقى الله محبته في قلب امرأة فرعون، فصاحت في الجنود: لا تقتلوه. ونفذ قضاء الله وقدره، وكان بيت فرعون هو النجاة لموسى من خطر فرعون، قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يـس: 82].
الإيمان بالقدر:
الناس في الخلق متفاوتون، هذا طويل، وهذا قصير، وهذا جميل، وهذا قبيح، وهذا قدر الله -عز وجل- في خلقه. والمسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، فلا يحتقر نعمة أنعم الله بها عليه، ولا يتمنى ما عند الآخرين، بل يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، لأن هذا ركن من أركان إسلامه الذي لا يتحقق إلا به.
قال رسول الله :) (حاج (جادل) موسى آدم، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال: قال آدم: يا موسى، أنت اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقني، أو قدَّره على قبل أن يخلقني؟) قال رسول الله :) (فحج آدم موسى) [البخاري].
والمسلم يعلم أن القدر حق، والإيمان به واجب، بل هو ركن مهم من أركان العقيدة، ولا يكتمل إيمان المرء إلا به، فقد جاء في جواب الرسول ( على جبريل حينما سأله عن الإيمان: (... وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن أن القدر هو ما قدره الله -عز وجل-، فالله -عز وجل- خلق الناس وهو يعلم ما يعملون، قال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96]، والله -سبحانه- بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وبيده ملكوت السموات والأرض. قال تعالى: {إن الأمر كله لله}
[آل عمران: 154]، وقال سبحانه: {وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 132].
والمسلم يعلم أن الإيمان بالقدر يربطه برب هذا الوجود وخالقه ومقدر أمره، فهذا الوجود يسير وفق حكمة عليا وإرادة مختارة، مما يعطي المسلم قوة باعثة على النشاط والعمل الإيجابي والتعامل مع هذا الكون بنفس راضية مطمئنة.
قال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين. وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} [الحجر: 19-21].
والمسلم يعلم أن إيمانه بقدر الله -تعالى- مستمد من إيمانه بصفات الله العلى، وأسمائه الحسنى، ومنها: العلم، والقدرة، والإرادة، فهو سبحانه: {بكل شيء عليم} [الحديد: 3] {وهو على كل شيء قدير} [الحديد: 2]، وهو سبحانه: {فعال لما يريد} [البروج: 16].
والمسلم يؤمن بقضاء الله -عز وجل-، وأنه إرادة الله -عز وجل- قضاها في الأزل (في القِدم)، بمعنى أن كل شيء يحدث الآن، إنما يقع ويحدث وفق إرادة الله -عز وجل- وقدره. قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22].
وقال: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [التوبة: 51].
والمسلم يؤمن أن وقوع الإرادة أو قضاء الله -عز وجل- وتحققها بالهيئة التي قضاها الله، هو قدر الله -عز وجل-، ونضرب على ذلك مثلا: الله سبحانه قضى أن البذرة إذا كانت صالحة، ووضعت في الأرض، ورويت بالماء، تنبت بإذن الله، فإذا وضعت في الأرض، ورويت بالماء، وأنبتت، فهذا قدر
الله -عز وجل- وكذلك قضى الله -عز وجل- أن النار تحرق ما يقع فيها، فهذا قضاء من الله -تعالى-، فإذا وقع فيها شيء واحترق، فهو قدر.
مراتب القدر:
والمسلم يؤمن أن للقدر مراتب هي:
* المرتبة الأولى:
مرتبة العلم والإرادة، فالمسلم يعلم أن الله بكل شيء عليم، فعلمه سبحانه أحاط بكل شيء، كل ما كان في الماضي، وكائن في الحاضر، أو ما سيكون في المستقبل، فعلم جميع أحوال العباد من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، يقول الله تعالى: {والله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا} [الطلاق: 12].
* المرتبة الثانية:
والمسلم يؤمن أن ما أراده الله وقدره وعلمه أزلا قد كتبه في اللوح المحفوظ؛ أي أن الله -عز وجل- علم ما يعمله العباد، ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، قال تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} [الحج: 70]، والرسول ( يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) [مسلم والترمذي].
*المرتبة الثالثة:
هي مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه إلا ما يريد، فإذا قضى الله -عز وجل- اليسر لعبده، يسر له ذلك، قال تعالى: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى}
[الليل: 5-10].
فالمسلم يؤمن بمشيئة الله -عز وجل-، وكذا بمشيئة العبد، إلا أن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئة الله، فالله -عز وجل- خلق العباد وأفعالهم، والعباد فاعلون حقيقة، ولهم القدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96].
والمسلم يعلم أن الله علم أعمال العباد بعلمه الأزلي، ثم كتب ذلك في كتاب عنده وهو اللوح المحفوظ لما شاء الله وأراد، ثم وقعت هذه الأفعال وفق قضاء الله وقدرته وخلقه وعلمه بهذه الأفعال.
حكمة القدر:
والمسلم لا يسأل عن الحكمة من القضاء والقدر، لأن ذلك من الأمور التي اختص الله بها نفسه، فهو سبحانه مالك هذا الكون وخالقه والمتصرف فيه، وله الحق -سبحانه- أن يفعل فيه ما يشاء، ولا يسأل سبحانه عن ذلك، قال تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
والمسلم لا يعترض على قضاء الله وقدره، إن كان فقيرًا أو ضعيفًا؛ لأنه يعلم أن الفقر والغني والقوة والضعف إنما هي من قضاء الله، يختص الله بها من يشاء من عباده، والمسلم يعلم أن إيمانه بالقدر يجعله ينطلق في الأرض؛ ليتعرف على سنن الله وقوانينه، ويعمل على تعمير الأرض وبنائها، فيكون إيمانه بالقدر باعثًا له على النشاط والعمل، فإن كان النجاح فهو بقدر الله -عز وجل-، وإن فشل لا يجزع، بل يصبر ويعلم أنه قدر الله، قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 22-23].
والمسلم يعلم أن ما قدر له يكون، وما لم يقدر له لا يكون أبدًا، قال رسول الله :) (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن ما يحدث له يقع بالكيفية التي قدرها الله -عز وجل-، فأمره سبحانه بين الكاف والنون. قال تعالى: {إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [آل عمران: 47].
لذلك يوصي الرسول ( ابن عباس -رضي الله عنهما- فيقول: (.. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [الترمذي].
إرادة الله وإرادة البشر:
والمسلم يؤمن أن الله -عز وجل- قدَّر أمورًا كثيرة تحدث للخلق حسب إرادة الله ومشيئته، وأنها تحدث لهم طوعًا أو كرهًا، رضوا بها أم لم يرضوا، كمولد الإنسان، وساعة وفاته، وجنسه، وذكائه وطوله وقصره، وجماله وقبحه، وأبيه وأمه...، فهذه الأشياء لا دخل للإنسان في تقديرها، ولكنه يرضى بما اختاره الله سبحانه له، فقال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص: 68].
وكذلك المؤمن يصبر على قضاء الله وقدره، إن كان في مصيبة كالموت أو المرض؛ لأنه يعلم أن ذلك تخفيف عنه يوم القيامة وتطهير له من السيئات. قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} [يونس: 107].
وكذا يؤمن بما يحدث في الكون من حوله، وأنه لا دخل لإرادة الإنسان فيه، فتكوين السحاب، ونزول المطر، وحدوث البرق والرعد... إلخ، هذا قدر لا دخل للإنسان فيه، فهذا النوع من القدر يجب على المسلم الإيمان والرضا به، لأنه يقع وفق إرادة الله ومشيئته. وهذا إبراهيم- عليه السلام- يؤمن بمشيئة الله الكونية، وكيف لا يؤمن بها وهو إمام الموحدين؟! فيلقي حجته قاطعة مبرهنة على صدقه أمام الملك الذي أنكر وجود الله، فقال إبراهيم: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة: 258].
علم إبراهيم أنها إرادة الله وحده، وهذا الكافر ينكر وجود الله، فأمره
إبراهيم -عليه السلام- أن يأتي بالشمس من المغرب فماذا حدث؟ قال تعالى: {فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258].
والمسلم يؤمن أن كل إنسان له إرادة، يفعل بها ما يشاء، ويترك ما يشاء، كالقيام والجلوس والكلام والأكل والشرب والحركة... ونحوها، فكل هذه الأعمال من المشيئة التي جعلها الله في الإنسان، وإن كانت تابعة لمشيئة الله -عز وجل-، لأن الله خالق الإنسان وخالق مشيئته وقدرته. قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29].
المسلم يعلم أنه لا يفهم من ذلك أن الله أجبر العباد على أفعالهم، ثم يحاسبهم عليها بعد ذلك؛ لأن هذا لا يستقيم مع ما يؤمن المسلم به من عدل
الله -سبحانه وتعالى-، الذي لا يظلم الناس شيئًا، فمن المعروف أن
الله -عز وجل- خلق طريقين، طريق الهداية وطريق الضلالة، وشاء -سبحانه- أن يختار الإنسان أحد الطريقين، بعد أن بين للإنسان طريق الخير وطريق الشر، قال تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد: 10] وأمر الناس أن يسيروا في الطريق المستقيم، ووعدهم الثواب العظيم إن ساروا على نهج الله، وحذرهم من الكفر والضلال، وأوعدهم بالعقاب الشديد على ذلك.
والله -سبحانه- يحب لعباده أن يسلكوا سبيل الخير والإيمان، ولا يرضى لعباده الغواية والضلال، قال تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} [الزمر: 7].
والمسلم يعلم أن الله قد بين للإنسان طريق الهدى، وأرسل له الرسل، وأنزل معهم الكتب ليدعوا الناس إلى الإيمان بالله -عز وجل- وطاعته، ويحذرهم من الانحراف عن طريق الله المستقيم، قال تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29]. وقال سبحانه: {إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا} [الإنسان: 3].
ويحكي القرآن ما كان من قوم ثمود الذين استحبوا طريق الضلال على طريق الله المستقيم، فيقول: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}
[فصلت: 17]. فقد بين الله لهم الطريق المستقيم، ولكنهم لم يسلكوه واتبعوا الشيطان.
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- قدَّر الأرزاق والآجال أزلا، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها. قال الله تعالى:{وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} [الذاريات: 22-23].
وقال :) (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها)
[الحاكم وابن أبي الدنيا]. والمسلم يطمئن قلبه عندما يعلم ذلك، ويقول كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي.
والمسلم لا يتواكل (يتكاسل وينتظر الرزق)، لكنه يأخذ بالأسباب التي تأتي بالرزق، فهذا من قدر الله -عز وجل- ولو أنه أخذ بالأسباب وتوكل على الله، لرزقه الله رزقًا كثيرًا، قال :) (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا) [الترمذي].
والمسلم يؤمن أن أجله ونهاية عمره بيد الله -عز وجل-، لا يستطيع أحد أن يؤخر أو يقدم في ذلك شيئًا، وأنه لن تموت نفس قبل أن تستوفي أجلها، يقول الله -تعالى-: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلاً}
[آل عمران: 145].
وقالت السيدة أم حبيبة زوج رسول الله :) (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله (، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. (تقصد أن يطيل الله عمرها وأعمارهم حتى يتمتع كل بالآخر)، فقال رسول الله :) (قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حِلِّه، أو يؤخر شيئًا عن حِلِّه، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرًا وأفضل) [مسلم].
ترك التنازع في القدر:
والمسلم يؤمن أن القدر سر من أسرار الله -عز وجل-، فهو يؤمن بما ينجيه عند ملاقاة الله -عز وجل-، فهو يؤمن بأن الله عليم بكل شيء، منزه عن الظلم، فهو سبحانه عادل لا يظلم الناس شيئًا، وهو سبحانه منزه عن العبث، له حكمة في كل ما يفعل، وإن خفيت علينا هذه الحكمة، لذا فهو يؤمن بترك التنازع في القدر، بل يسلم بكل ما قدر له، ويتمثل حديث رسول الله :) (إذا ذكر القدر فأمسكوا) [الطبراني].
ولقد حذرنا الرسول ( من التنازع والخوض في القدر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: خرج علينا رسول الله ( ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر؟ عزمت عليكم أن لا تتنازعوا فيه) [الترمذي].
وفي رواية، فقال لهم: (ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم) [أحمد].
فالمسلم يترك التنازع في القدر، ويعلم أن كل شيء يحدث له إنما هو مقدر ومحسوب عند الله -تعالى-، كما قال :) (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) [ابن ماجه].
المسلم لا يحتج بالقدر على فعل معصية، فقد أُتي بسارق إلى أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فسأله عمر: لم سرقت؟ فقال: قدر الله ذلك. فقال عمر -رضي الله عنه-: اضربوه ثلاثين سوطًا، ثم اقطعوا يده) فقيل له: ولِمَ؟ فقال: يقطع لسرقته، ويضرب لكذبه على الله.
فنجد أن هذا الرجل احتج بالقدر على معصية الله، فأمر أمير المؤمنين
عمر -رضي الله عنه- بجلده ثلاثين جلدة، بالإضافة إلى قطع يده تعذيرًا له، لأنه كذب على الله، فعلى الإنسان أن يؤمن أن كل شيء يحدث له أو منه إنما هو معلوم لله، ومسجل في كتاب القدر، ولابد أن يقع كما علمه الله تعالى وسجله في كتاب القدر من قبل، لكن الله لم يطلع الناس على كتاب القدر.
لذلك على الإنسان أن يتخذ قراراته بإرادة كاملة ومشيئة تامة بأن يفعل أو لا يفعل، وهو مسئول عن ذلك مسئولية كاملة، ولا يصح له أن يحتج بالقدر وإن احتج به يكون كاذبًا؛ لأنه حين اتخذ قراره بأن يفعل كذا أو أن يمتنع عن فعل كذا، لم يكن يعرف شيئًا عن قدر الله؛ لأنه لم يطلع على كتاب القدر، ومن هنا لا يصح لأحد أن يحتج بالقدر، والذي يحتج به يكون كاذبًا، ويستحق الجلد الذي أمر به عمر -رضي الله عنه-.
والمسلم لا يسلك ذلك المسلك ولا يحتج بالقدر على معصية الله؛ لأنه يعلم أن ذلك هو مسلك الكافرين في تبرير شركهم بالله، قال تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} [الأنعام: 148]. وقال: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون} [الزخرف: 20].
دفع القدر بالقدر:
انتشر الطاعون في أرض الشام، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيها، فأراد أن يرجع، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، أفر من قدر الله إلى قدر الله. فالطاعون مرض، والمرض قدر من أقدار الله -عز وجل-، فالفرار منه إلى الأرض الصحيحة التي ليس بها مرض هو فرار إلى قدر الله أيضًا، ثم يضرب عمر بن الخطاب لأبي عبيدة -رضي الله عنهما- مثلا بالأرض الخصبة، وأنه إذا كان يرعى في أرض جدباء لا كلأ فيها ولا خضرة، ثم انتقل إلى أرض خصبة مليئة بالعشب، فإنه ينتقل من قدر إلى قدر.
والمسلم يؤمن أن القدر يدفع بالقدر، فالمرض قدر من أقدار الله -عز وجل- لا يدفعه إلا قدر التداوي، ولما سئل النبي :) يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال :) (هي من قدر الله) [ابن ماجه وأحمد].
والرسول ( يقول أيضًا: (تداووا عباد الله، فإن الله -تعالى- لم يضع داءً إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم (الشيخوخة)) [أحمد].
فإذا قعد الإنسان عن مدافعة الأقدار، مع القدرة على ذلك كان آثمًا، فإذا لم يدفع قدر الجوع مثلا بقدر الأكل، هلك ومات عاصيا لله.
إنما الأعمال بالخواتيم:
والمسلم يؤمن أن الأعمال بخواتيمها، فإن كان آخر عمل الإنسان خيرًا فإن هذا يبشر بالخير والثواب، ومن كان آخر عمله شرًا أخذ به، قال :) (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه القول، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) [البخاري].
فالمسلم عليه أن يسارع إلى الخيرات، لأن الأجل غير معلوم، وهو يبذل ما في وسعه، ويترك النتائج على الله -عز وجل-، والله -عز وجل- لا يكلف الإنسان إلا بما يقدر عليه، ولا يجبره على فعل ما لا يستطيع.
والمسلم يعلم أن من لطف الله ورحمته بعباده، أنهم لو أساءوا طوال حياتهم، ثم تابوا إلى الله -عز وجل-، وعملوا بعمل أهل الجنة، فإنهم يعاملون بذلك، فعلى المسلم أن يستعين بالله على فعل الخير، وأن يدعو الله -عز وجل- أن يحسن خاتمته، فإن القدر لا يرده إلا الدعاء، قال :) (لا يرد القدر إلا الدعاء) [الترمذي والحاكم].
القدر والتواكل:
والمسلم لا يتخذ القدر حجة للتواكل، ومبررًا للمعاصي، وطريقًا إلى القول بالجبر، ولكنه يتخذ القدر سبيلا إلى تحقيق الأهداف السامية والغايات النبيلة، فينطلق إلى البناء والتعمير، واستخراج كنوز الأرض، والانتفاع بخيراتها التي أودعها الله في جوفها، وبذلك يربطه الإيمان بالقدر برب هذا الوجود وخالقه، وعلى المسلم ألا يتواكل، ولكن يكون فهمه للقدر كما فهمه الرسول ( وصحابته.
فقد كان الرسول ( جالسًا ذات يوم، وفي يده عود ينْكُتُ به (يخُطُّ به على الأرض). فرفع رأسه فقال: (ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار). قالوا: يا رسول الله! فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: (لا. اعملوا، فكل ميسر لما خلق له). ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب الحسنى. فسنيسره للعسرى} [الليل: 5-10] [مسلم].
فالرسول ( وضح لنا أن الله -عز وجل- علم منذ الأزل أعمال العباد في الدنيا، وكتب ذلك عنده وعلم مستقرهم، وعندما يشعر المسلم بهذا فإنه لا يدعو إلى التواكل بل يدعو إلى الجد في العمل، ولو لم يفهم الصحابة ذلك لما وجدناهم بهذا النشاط وهذه القدوة في الأخذ بالأسباب، فلم يتكاسلوا عن طاعة الله أبدًا.
ثمرات الإيمان بالقدر:
غرس الرسول ( عقيدة القدر في نفوس أصحابه، فعلموا أن ما أصابهم فهو بقدر الله ولم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم فهو بقدر الله ولم يكن ليصيبهم، فانطلقوا بنفوس مطمئنة يدعون إلى دين الله -عز وجل-، وهم يحملون في قلوبهم عقيدة القدر كما علمهم إياها الرسول ( في شخص ابن عباس -رضي الله عنهما- حين قال له: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [الترمذي].
والمسلم نفسه مطمئنة يعلم أن الله هو الرءوف الرحيم، الذي قدر له الخير أو الشر، فلا يجزع من مصيبة ولا يجحد بنعمة، فهو شاكر في السراء، صابر في الضراء، قال :) (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له) [مسلم].
فالمسلم ينظر إلى المصيبة على أنها قدر من الله -تعالى- يجب عليه أن يقابلها بالصبر، فقد تكون وراءها حكمة عظيمة لا يعلمها إلا الله -عز وجل-، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
والمسلم يرجو أن تكون هذه المصيبة تخفيفًا له من عذاب يوم القيامة، كما قال ( حين سئل: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [الترمذي].
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: أما بعد: فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر.
وما أجمل قول ابن القيم حين قال:
وإذا اعترتْكَ بليةٌ فاصبرْ لها
صــبرَ الكريمِ فإنَّه بكَ أكرمُ
وإذا شكوتَ إلى ابْنِ آدمَ إنما
تشكو الرَّحيمَ إلى الذي لا يرحمُ
والمسلم بإيمانه بقضاء الله وقدره لا ينظر إلى ما فضل الله به بعض الناس على بعض؛ لأن هذا ملك الله -عز وجل-، فهو يعطي ويمنع بقدره سبحانه، قال تعالى: {قل الله مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير }
[آل عمران: 26].
والإيمان بالقدر يدفع المسلم إلى الأخذ بالأسباب، والعمل على اكتشاف ما في الكون، فإن أصابه الفشل لا ينزعج، وإن كان النجاح شكر الله على توفيقه.

zd11.gif

 

Hamza42

:: Super User ::, ,
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
2,599
مستوى التفاعل
7,768
النقاط
0
الإقامة
تيبازة
الإيمان بالنار

zd11.gif


الإيمان بالنار

قال تعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودنا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا}
[النساء: 65] وقال أيضًا: {إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقًا} [الكهف: 29].
فالمسلم يؤمن بوجود النار، وأن الله -عز وجل- أعدها لمن كفر به وعصاه وكذب رسله، والمسلم يؤمن أن حرارتها ليست كنار الدنيا، فحرارة نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، قال :) (ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم). قيل: يا رسول الله، إن كانت
لكافية -أي نار الدنيا-، قال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرها) [متفق عليه]. والله -عز وجل- جعل النار دركات، كما جعل الجنة درجات، جعلها دركات مختلفة في الجحيم والعذاب، فمنها: سقر، قال تعالى: {وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر} [المدثر: 27-30].
ومنها الحطمة، قال تعالى: {وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة. التي تطلع على الأفئدة. إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممددة} [الهمزة: 5-9].
ومنها لظى، قال تعالى: {كلا إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعو من أدبر وتولى. وجمع فأوعى} [المعارج: 15-17].
ومنها الهاوية، قال تعالى: {وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه. نار حامية} [_القارعة: 8-11].
ومنها جهنم، قال تعالى: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 43].
والمسلم يؤمن بأن لجهنم سبعة أبواب، يدخل منها أصحاب السيئات على قدر سيئاتهم، قال تعالى: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم}
[الحجر: 44].
والمسلم يعلم أن الله -عز وجل- جعل وقود النار من الناس والحجارة، فهي لا تشبع أبدًا، وكلما ألقي فيها ناس طلبت من الله المزيد، قال تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [_البقرة: 42]، وقال: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} [ق: 30].
قال :) (لا يزال يلقي فيها (أي جهنم)، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي ببعضها إلى بعض، ثم تقول قد قد بعزتك وكرمك، ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقًا، فيسكنهم فضل الجنة) [متفق عليه].
والمسلم يعلم أن الله -عز وجل- جعل على النار خزنة من الملائكة، موكلين بالتعذيب، غلاظ القلوب، شداد الأبدان، لم يخلق الله فيهم رحمة، ويمسكون في أيديهم سياطًا ومقامع يعذبون بها أهل النار، وقد وصفهم الله -عز وجل- فقال: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. وعددهم تسعة عشر، قال تعالى: {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30].
وجعل الله عددهم قليلا ليختبر بهم الكافرين، قال تعالى: {وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} [المدثر: 31]، ورئيس ملائكة النار هو (مالك) قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [الزخرف: 77].
والمسلم يعلم أن جهنم حرها شديد، وأن فيها أودية وجبالاً، يعذب فيها المشركون، قال :) (الويل، واد في جهنم، يهوي فيها الكافر أربعين خريفًا -عامًا- قبل أن يبلغ قعرها). وقال: (تعوذوا بالله من جُبِّ الحَزَن- أو وادي الحزن-) قيل: يا رسول الله، وما جب الحزن أو وادي الحزن؟ قال: (واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة أعده الله للقراء المرائين) [البيهقي].
وقال تعالى: {فسوف يلقون غيًا} [مريم: 59]، قال ابن مسعود: الغي واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات.
والمسلم يعلم أن النار شديدة العمق، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كنا مع رسول الله ( إذ سمع وجبة (أي: صوت وقوع الشيء الثقيل). فقال رسول الله :) (أتدرون ما هذا؟). قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا فهو يهوي في النار إلى الآن، حتى انتهى إلى قعرها) [مسلم]. وقال: (إن الصخرة العظيمة لتلقي من شفير جهنم فتهوي فيها سبعين خريفًا، وما تفضي إلى قرارها) [الترمذي].
والمسلم يؤمن بأن الملائكة يسوقون أهل النار إليها مكبلين -مقيدين- بالسلاسل، وهم يضربون ويعذبون. {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرًا} [الزمر: 71]. وقال: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد. سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 49-50]، فهم في كرب عظيم تحيطهم النار من كل جانب، النار من فوقهم ومن تحتهم، ويشربون من النار، ويأكلون من النار، ويعرفون بعلامات فيهم، فيضربون ويعذبون: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن: 41]، وأهل النار ليسوا على صورتهم في الدنيا، بل يزيد الله في خلقهم حتى يزداد عذابهم، قال :) (ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث) [مسلم].
والمسلم يعلم أن أهل النار يتفاوتون في العذاب، قال :) (إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا) [مسلم].
والمسلم يعلم أن النار سوداء مظلمة، قال :) (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة) [الترمذي، وابن ماجه].
والمسلم يعلم أن أول مَنْ يلقي في النار ثلاثة: من جاهد ليقال: مجاهد، وقارئ القرآن ليقال عنه قارئ، ومن أنفق من ماله ليقال كريم، قال :) (إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)، وزاد الترمذي في روايته: ثم ضرب رسول الله ( على ركبة أبي هريرة وقال: (أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة) [مسلم والترمذي والنسائي].
فعلى المسلم أن يكون عمله كله خالصًا لوجه الله -تعالى-، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا، والمسلم يؤمن أن طعام أهل النار من الزقوم والضريع والغسلين، وكلها أطعمة في غاية الحرارة والنتن، لا يستسيغها مَنْ يأكلها وهي تقطع الأمعاء، وتصهر الجلود.
قال تعالى: {إن لدينا أنكالاً وجحيمًا. وطعامًا ذا غصة وعذابًا أليمًا}
[المزمل: 12-13].
وقال: {إن شجرت الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم} [_الدخان: 43-46].
وقال: {أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم. إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رءوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} [الصافات: 62-66].
وقال :) (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟!)
[الترمذي وابن ماجه وأحمد].
والمسلم يعلم أن الغِسلين من طعام أهل النار. قال تعالى: {فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين} [الحاقة: 35-36].
والمسلم يؤمن أن شراب أهل النار من الحميم والغساق والمهل والصديد، قال تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقًا} [الكهف: 29]، وقال: {من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ} [إبراهيم: 16-17]. وقال: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا. إلا حميمًا وغساقًا} [النبأ: 24-25].
وقال: {يصب من فوق رءوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد} [الحج: 19-21].
وقال :) (إن الحميم ليصب على رءوسهم، فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر ثم يعاد كما كان) [الترمذي وأحمد]، والمسلم يعلم أن الماء الشديد الغليان من شراب أهل النار، وهذا الماء لو سقط على الجبال لأذابها. قال تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية. وجوه يومئذ خاشعة. عاملة ناصبة. تصلى نارًا حامية. تسقى من عين آنية} [الغاشية: 1-5].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- يقطع لأهل النار ثيابًا على حجمهم، يعذبون فيها، قال تعالى: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد} [الحج: 19-21].
وقال: {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [إبراهيم: 50].
والمسلم يؤمن أن من أشد الناس عذابًا الذي يأمر غيره بالمعروف ولم يفعله، وينهي عن المنكر ثم هو يفعل ما يغضب الله. قال :) (يجاء برجل فيطرح في النار، فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار، فيقولون: أي فلان! ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهي عن المنكر وأفعله)
[البخاري وأحمد].
والمسلم يؤمن أن أهل النار يتحدثون مع أهل الجنة ويرونهم، وهذا عذاب يضاف إلى ما هم فيه من العذاب، ينادونهم ويطلبون منهم بعض ما هم فيه من النعيم، ولكن المؤمنين يردون عليهم بأن نسيم الجنة محرم على الكافرين في هذا اليوم، قال تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} [الأعراف: 50].
ويتوجه أهل النار بخطابهم إلى خزنة جهنم يطلبون منهم أن يخفف
الله -عز وجل- العذاب عنهم، ولكن لا ينفع سؤالهم، قال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلي قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر: 49-50].
ثم ينادون مالكًا -خازن النار-، يطلبون الهلاك بسبب شدة العذاب: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون. لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} [الزخرف: 77-78].
فييأسوا من تخفيف العذاب، فيقولون: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [إبراهيم: 21].
والمسلم يؤمن أن أصحاب النار يلجئون إلى الله -عز وجل- فيعترفون بذنوبهم، ويطلبون الرجوع إلى الدنيا مرة أخري لعمل الصالحات، قال تعالى: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون} [السجدة: 12].
فيرد الله عليهم: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} [السجدة: 14].
فيقولون: {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل}
[إبراهيم: 44].
فيجيبهم:{أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} [_إبراهيم: 44]. فيقولون:{ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل} [فاطر: 37].
فيجيبهم الله -عز وجل-: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} [فاطر: 37].
فيقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قومًا ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} [المؤمنون:106-107].
فيجيبهم الله: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108]. عند ذلك ييأس أهل النار ولا يتكلمون بعد هذا أبدًا.
والمسلم يعلم أن المشركين والكفار خالدون في النار، كما أن أهل الجنة فيها خالدون. قال تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه}
[البينة: 6-8]، وقال: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لم يريد. وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} [_هود: 106-108].
والمسلم يعلم أن الخلود في النار لا يكون لكل من يدخلها، فقد يدخلها المسلم الموحد الذي فعل الكبائر والذنوب، ولكنه لا يخلد فيها، بل يخرجه
الله -عز وجل- بعد تنقيته من ذنوبه، قال :) (يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله -تعالى-: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية)
[متفق عليه].
وقال :) (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير)
[متفق عليه].
والمسلم يعلم أن الْمَنْجَي من عذاب الله يكون بالاعتصام بالله -عز وجل- وتوحيده وطاعته في كل الأمور سبحانه، قال :) (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) [أبو داود].
والمسلم يطيع الله -عز وجل- ورسوله، ويعلم أن الذي يحب إنسانًا فإن الله يحشره مع الذي يحبه، وقد جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إلى من نفسي، وإنك لأحب إلى من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة، رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي ( حتى نزل جبريل -عليه السلام- بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا}
[النساء: 69]_[الطبراني].
وسأل رجل رسول الله :) متى الساعة؟ قال: (وماذا أعددت لها؟) قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله. فقال: (أنت مع من أحببت) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن هناك أناسًا استوت حسناتهم وسيئاتهم، فمنعتهم حسناتهم من دخول النار، ومنعتهم سيئاتهم من دخول الجنة، فأولئك هم أصحاب الأعراف، فيجب على المسلم أن يتقرب إلى الله -عز وجل- عسى أن يكون من الفائزين الخالدين في الجنة، الناجين من النار. قال تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} [الحشر: 20].

zd11.gif

 
أعلى