العمل اليدوي (حرفت اليدين)

deihmi

عضو أساسي
إنضم
12 سبتمبر 2012
المشاركات
841
مستوى التفاعل
1,248
النقاط
0
الأصل في المسلم المكلف أن يعمل ويكدح، ويسعى لكفاية حاجته بنفسه، وبكده وجهده، حتى لا يكون عالة على الآخرين، ولا يضطر إلى تكففهم وسؤالهم، والتطلع إلى عونهم ومساعدتهم. فاليد العليا خير من اليد السفلى، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - (1).

بل قال - عليه الصلاة والسلام - : (لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)(2)

وقال - أيضاً - : (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)(3) (4)

وهذا الحديث صريح في أنه لا حظّ للعاطلين والمتكاسلين في صدقات المسلمين، وذلك ليدفعهم إلى العمل والاكتساب الحلال.

وبين - عليه الصلاة والسلام - أن أفضل طعام يأكله ابن آدم، هو ما حصله بكد يمينه، وعرق جبينه، فقال: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده) (5)

وقد حث الله - تعالى - على طلب الرزق، والضرب في مناكب الأرض لتحصيله وجمعه فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15)

وقال - تعالى - : {...وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ...} (الإسراء: من الآية 12).

قال ابن كثير: "لينتشروا في النهار، للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار"(6).

وقال - تعالى - : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ...} (الجمعة: من الآية 10)

قال الشوكاني: {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم {وابتغوا من فضل الله} أي: من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب(7).

وقال الشيخ عبد الله علوان: "إن المسلم الحق هو الذي يمضي في طريق الكفاح، ويسير في ميادين العمل، ليحقق لأسرته موارد العيش، ولأمته سبيل التقدم، وهو المسؤول عن نفسه أولاً وآخراً في تأمين الحياة المعيشية قبل أن يُسأل عنه المجتمع، أو ترعاه الدولة، وخاصة إذا كان مفتول العضلات، قادراً على العمل، فإنه في هذه الحال ينبغي أن يكون الأداة الفعالة في خدمة الأسرة والمجتمع، وازدهار الحياة الاقتصادية، وتقدم البلاد الحضاري.

فلا يصح في دين الله أن يتقاعد الإنسان عن العمل، ويتكاسل عن السعي، ويقول: اللهم ارزقني، اللهم ارزقني، وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. (8)

ولا يجوز في شريعة الإسلام أن يمد المسلم يده إلى الناس ويسألهم الإحسان والصدقة، وهو يقدر على الكسب، ويجد سبُل العمل.

ولهذا نجد أن الإسلام قدس العمل، وكرّم العمال، واعتبر كسب الرجل من يده من أحل المكاسب وأفضل الأعمال. (9)

وكما حث الإسلام على العمل، فقد حذر من المسألة لغير حاجة، وشدد النكير والوعيد على من يتعاطونها، وليسوا من أهلها، إما لغناهم، أو لقدرتهم على العمل والكسب والاستغناء عن الناس.

وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة جداً، أكتفي منها بثلاثة أحاديث فقط، وهي كما يلي:

1- حديث عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم)(10) (11)

2- حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من سأل الناس تكثراً (12)، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) (13)

3- حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن المسألة كدّ (14) يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل سلطاناً، أو في أمر لابد منه) أخرجه الترمذي (15)

وفي رواية لأبي داود والنسائي (16) (إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء كدح وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان (17)، أو شيئاً لا يجد منه بداً) وهذا لفظ النسائي.

وهذه الأحاديث كما أن فيها تحذيراً من المسألة، فإن فيها حثاً على الاستغناء عن الناس بالعمل والاكتساب المشروع.

إن الشريعة الإسلامية قررت مبدأ تكافؤ الفرص، وتهيئة العمل للجميع، وتمكين كل قادر من أن يعمل بمقدار طاقته، وذلك بإتاحة الفرص المتساوية لجميع أفراد المجتمع، فلا يقف أمام فرد حسب ولا أصل، ولا نشأة، ولا لون ولا جنس، ولا غير ذلك من القيود التي تصفّد الجهود، وتقتل المواهب والقدرات.

فلا يصح في هذا الدين أن يقيد بعض الأفراد أو الطبقات، ويمنعوا من مزاولة بعض أسباب الرزق المشروعة، وتوصد دونهم أبواب بعض الحرف والمهن.

كذلك لا يجوز اعتبار الفوارق والامتيازات التي تجعل بعض الطبقات، أو السلالات، أو البيوتات مستبدة ببعض وسائل الرزق، وطرق المعاش والكسب، بينما يحرم منها عامة الناس.

فجميع الناس، متساوون في حق السعي لطلب الرزق والابتغاء من فضل الله.

والغاية التي يقصدها الإسلام هي أن تهيأ الفرص لكل من يريد العمل، وألا يكون هناك عقبات قانونية، أو تقليدية تعوق الإنسان، وتقعده عن بذل جهده، حسب ما أولاه الله من المواهب والقوى.

كما يريد أن تزول تلك الامتيازات، والفوارق التي تضمن لبعض الطبقات، أو السلالات، أو البيوتات الاستمتاع بخيرات المجتمع دون الآخرين، وتحمي ذلك بقوة القانون والسلطان. فهذان الطريقان يحوّلان التباين الفطري، والفوارق الطبيعية في المواهب والقوى، والقدرات والإمكانات، إلى تباين مُدّعى، وفروق مصطنعة.

وهذا ظلم لا يقره الإسلام، ولا يرضى به. (18)

http://im35.gulfup.com/y73ls.jpg




http://im35.gulfup.com/bRJOK.jpg
 
أعلى